في الحروب، يعلن النصر بحالات مختلفة، حسب نوع الحرب، و زمانها، في بداية القرن الماضي، كان إعلان النصر يتم بتنكيس علم الدولة، وبهذا يعلن ان الدولة قد احتلت وسقطت حكومتها .
مع تقدم أساليب الحروب أصبح احتلال مبنى الإذاعة والتلفزيون، واذاعة بيان النصر، هو من أهم أدوات الانتصار.. ومع الثورة التكنولوجية، اختلفت الحروب، وتميزت الأساليب، فما يسمى بالربيع العربي، كان نوع من الحروب، يدار من الخارج بأدوات من الداخل، مع الاستعانة بتكنولوجيا التواصل الإلكترونية ، فمصر أسقطت حكومتها؛ الفيسبوك، وليبيا أسقطت دولتها قناة الجزيرة- ما نقل عن حديث للقذافي- هكذا تطورت الحروب، وتنوعت الأساليب ولكن تبقى حروب الوعي والتجهيل هي من ركائز هذه الأدوات والاسلحة.
فالشعوب الواعية، لن تنطلي عليها كثير من الخدع، وما تعيشه المنطقة هي حرب بمعناها الحقيقي، رغم اختلاف أساليبها، وتطور أهدافها، فما مارسته أمريكا ضد إيران، من حصار اقتصادي وحرب الناقلات، وإسقاط الطائرات، كان كفيل باندلاع حرب عالمية ثالثة، لا يرغب بها الطرفان، إلا أن هناك طرف ثالث، يدفع ملايين من أجل اشعالها، لم تفلح رغم كل المحاولات.
إسرائيل وبخبثها المعهود، قد جاهدت بكل أدواتها لزج المنطقة بحرب، يمنحها بعض الوقت وكثير من الاراضي الجديدة، إلا أن إرادة السماء جاءت معاكسة لما خططت له، انتهت لعبة داعش، وانتصار العراق، وتقهقر في سوريا وانحسر في ليبيا ومصر، و احترقت تلك الورقة، وبدأت تتدخل بنفسها، فما حصل في العراق من استهداف قواعد تابعة للحشد، وكذلك في سوريا ولبنان، من خلال طائرات مسيرة، كان الرد مزلزل لإسرائيل، من صواريخ غزة وحزب الله في لبنان، جعل إسرائيل تقاتل على حدودها من جديد، بعدما كانت لثلاث سنوات تقاتل بعيداً عن حدودها.
إيران تلك الدولة؛ الصخرة، التي اصطدمت بها أمريكا، وذاك الجبل الجليد، الذي سيغرق تلك الباخرة العملاقة، في وحل الفشل وانتهاء القطب الواحد، تحت ذراع إيران الحديدي.
في مقاييس العلاقات الدولية، تكون الثقة والالتزام هو معيار أساس بين الدول ، إلا أن أمريكا قد خرقت هذا المعيار بعد خروجها من الاتفاق النووي، الذي توافق عليه 5+1 من الدول العظمى في العالم.
بتلك الحالة، حاولت أمريكا، إن تنهي اقتصاد إيران، و تخضعها لارادتها، فاستخدمت الحرب الداخلية من خلال، دعم عدة تظاهرات خرجت في إيران، وحاولت استغلالها، لكنها فشلت.
ثم الحصار الاقتصادي بكل أنواعه، لم ينجح مع دولة تصدر عشرة أضعاف ما تستورد، بالإضافة إلى بوابة العراق، التي فتحت على مصراعيها، للبضائع الإيراني، وفر تبادل تجاري بمليارات الدولارات لصالح طهران.
ثم تطور الأمر إلى محاربة بيع النفط الإيراني وإجراء العقوبات على كل من يشتريه، إلا أن العراق كان أيضا هو المنقذ، حيث ذكرت كثير من التقارير ان النفط الإيراني يباع، على أنه نفط عراقي ويصدر باسم العراق، وهو نفط إيراني.
حتى واصلت ايران تقاوم عقوبات أمريكا بشتى الوسائل، فما كان من امريكا الا الاستسلام، والتسليم، بأن إيران ليست دولة خليجية وليس رؤسائها بزي عربي؟!كما يراه ترامب في المنطقة.
هنا بدأت تصريحات ترامب يتخللها بعض اللين، وفي بعضها وصل إلى حد التراجع والخضوع، فكان التصريح الأول :(إن أمريكا لا تسعى لتغيير النظام في إيران) ثم طلب اللقاء بالمرشد الأعلى السيد الخامنئي والأخير رفض. ثم ارسل الرئيس الياباني بعدما حمل رسالة نصية إلى المرشد، فكان الرد قوي وقاسي، مما جعل الرئيس يسحب الرسالة دون أن يسلمها للمرشد)
ثم آخرها إقالة العقل المدبر للانسحاب من الاتفاق والحرب على إيران؛ مستشار الأمن القومي الأمريكي “جون بولتون”.
كل تلك المؤشرات، هي نتائج واضحة تعلن انتصار إيران، في هذا الصراع، وقوتها في كسب المجموعة الدولية، مقابل تملص أمريكا من تعهداتها، اكسب ايران قوة أكبر، لكن مع هذا التقدم الذي يسير لمصلحة إيران، فإن التسليم بالنصر النهائي لم يصل، وهناك أوراق، قد تستخدمها أمريكا لكسب الوقت، إسرائيل حاليآ، تشهد ضعف داخلي لم تشهده منذ حرب تموز 2006 مع حزب الله، و نتنياهو فقد الكثير من شعبيته، وقد يخسر هذه الانتخابات، وبهذا قد تبقى المنطقة خصبة لحرب جديدة، قد تكون على حدود إسرائيل، بعدما فقدت إسرائيل قدرتها على المناورة، ربما تمضي تل أبيب بدعم جماعة مسلحة لزعزعة المنطقة وفرض عدم الاستقرار فيها.
إيران انتصرت في هذه الجولة، وستنتصر في الجولة القادمة، فهي تقف على أرض صلبة، وشعب واعي، ونظام متماسك داخلياً، ومتقدم عسكريا، لن يهزم بسهولة، وامريكا ستجلس للتفاوض، وما توافد رؤساء الدول الأوربية إلا علامة من علامات النصر لإيران وخسارة لأمريكا، وضعف الإمبراطورية الأمريكية تجاه المنطقة.