عباس سرحان
مضى على الأزمة في البحرين عدة سنوات وبلغ عدد المعتقلين فيها الآلاف فيما لقي عشرات الأشخاص مصرعهم نتيجة للعنف الذي تمارسه قوات السلطة ضد محتجين سلميين يطالبون بإصلاحات سياسية لا تعدو عن كونها محاولة للحصول على ضمانات لممارسة حياة سياسية ومدنية سليمة بعيدا عن التهميش والإقصاء.
اختار البحرينيون الشيعة والسنة النظام الملكي في 2002، ربما لقناعتهم في حينها بهذا النمط من أنواع الحكم. لكنهم لم يستشرفوا ما يخبئه المستقبل وغلب عليهم حسن النية ولم يجعلوا بحسبانهم أن السنوات قد تأتي بالأسوأ.
وحين استفزت ممارسات السلطة البحرينية، بعد هذه التاريخ، شعبها وخرج في تظاهرات للمطالبة بملكية دستورية استقدمت السلطة قوات درع الجزيرة وجنست عشرات الآلاف من المواطنين الأجانب بينما راحت تسحب الجنسية البحرينية من مواطنيها المطالبين بالإصلاح.
جزيرة البحرين التي لا تتعدى مساحتها 700 كم مربع وتحيط بها مياه الخليج الدافئة تستعر من داخلها منذ نحو ثلاثة أعوام في ظل مفارقة غريبة كشفت عن المغالطات التي تمارسها وسائل الإعلام والحكومات العربية وأحرجت أنظمة ومنظمات عربية ووضعتها في تناقضات غريبة.
الإعلام المتناقض
لم تخل النشرات الإخبارية للقنوات الفضائية المعروفة كالجزيرة والعربية وسائر الفضائيات التابعة للدول العربية من متابعات لما جرى ويجري في دول عربية عديدة مثل تونس وليبيا ومصر وسورية والعراق وأجمعت هذه القنوات على أن ما جرى في هذه البلدان كان ثورات شعبية أو حراكا جماهيريا مشروعا للمطالبة بحقوق سياسية وخدمات معيشية.
وكانت تغطية الأحداث في هذه البلدان مباشرة ومستمرة، ففي كل نشراتها بُثت أخبار عاجلة وغير عاجلة كانت خاصة بالأحداث في هذه البلدان وأفردت لها مساحات وافية عبر الأثير واستضافت محللين وقارئي أحداث لتغطيتها بذريعة مساندة الحراك السياسي المطلبي لتلك الشعوب.
ودعمها للحصول على حقوقها السياسية المهضومة. وكانت هذه القنوات الفضائية ترد باستمرار على أنصار الأنظمة السياسية التي استهدفتها في الدول المذكورة بأنها تساند حرية وحق وتطلعات الشعوب العربية إلى نظم سياسية تلبي حاجاتها وتكون ديمقراطية.
لكن الأسباب التي ساقتها وسائل الإعلام تلك لم تدفع بها إلى التعاطي مع الشأن البحريني بذات المعايير والأهداف إنما ظلت تتجاهل الحدث أو تنقله من وجهة نظر السلطة البحرينية دون أن تسمح للمشاهد بالتعرف على وجهة نظر الشارع البحريني الذي يتظاهر منذ أعوام ويدفع ثمنا باهظا.
فمثلا كانت الفضائيات العربية وخصوصا “الجزيرة، والعربية” تقول حين تضطر الى تغطية اللانتفاضة في البحرين “اعتقلت السلطات البحرينية عشرة أشخاص بعد اعتداء على عناصر الشرطة بقنابل المالاتوف” وفي هذه الصياغة يتضح الانحياز التام في تصوير المحتجين على انهم يهددون السلم الأهلي البحريني.
وحتى حين تكون أقل انحيازا فأنها تقول مثلا ” تم استبعاد وكيل لأحد مراجع الدين الإيرانيين بسبب تهديده الأمن في البلاد” في حين مثل هذه التغطية المنحازة للسلطة تكون على ضد من السلطة في بلدان أخري” فمثلا تسرد هاتان القناتان النص التالي باستمرار حين التطرق للشأن العراقي:
“ويشعر العراقيون السنة بالتهميش ويطالبون بتمثيل عادل في السلطة وبتقسيم متوازن للثروة” وتتجاهل القناتان عرض وجهة نظر العراق الرسمية بهذه الادعاءات كما تتجاهل الإشارة إلى إن العراقيين السنة ممثلون في السلطة من خلال مجلس النواب والوزارات ومجلس الوزراء بعدد يفوق تمثيل العرب الشيعة.
وبينما تميل القنوات الفضائية ووكالات الأنباء العربية لصالح سلطة البحرين وتدعمها باعتبارها ممثلا رسميا للدولة تنال هذه الوسائل الإعلامية من أنظمة أخرى كالنظام السوري فتؤكد دائما إن القتلى يسقطون على أيدي القوات الحكومية دون أن تشير من قريب أو من بعيد إلى عشرات التنظيمات المسلحة التي تحمل أنواع متطورة من الأسلحة.
وحتى وان أرادت أن تشير إلى وقوع انفجار في دمشق أو حلب أو حمص في المناطق التي يسيطر عليها النظام فهي لا تفصح عن الجهة التي نفذت الهجوم إنما تقول” سقط عدد من القتلى في صفوف المدنيين جراء انفجار سيارة مفخخة في دمشق”.
هذا النوع من الإعلام يتنافى مع المهنية والالتزام بالحياد الذي يجب أن تكون عليه وسائل الإعلام المختلفة، كما هو قد أسهم بتأجيج صراعات دامية في منطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي وكان غطاء شرعيا لجماعات متطرفة أشاعت القتل بين شعوب المنطقة.
الحكومات العربية وانتفاضة البحرين
تسببت ثورة البحرين بانتكاسة أيضا للحكومات العربية التي وقعت في تناقضات قاسية هزت ثقة الشارع العربي بها وبمنظمات عربية مثل الجامعة العربية وما يتفرع عنها من مؤسسات طالما أنها لم تبن على أساس متوازن من المواقف.
فمثلا تحاشت الجامعة العربية التطرق إلى الأوضاع في البحرين في القمم التي عقدت خلال السنوات الثلاث الماضية. ولكنها حضرت بقوة في النزاع الدائر في سوريا، وهي لم تهتم كثيرا بعدد من يسقط من القتلى وعدد المعتقلين في البحرين مثلما اهتمت دائما بعدد من يسقطون في سوريا.
والأغرب إن بعض المسئولين العرب ساندوا التظاهرات ضد الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، الذي اضطر إلى اللجوء إلى روسيا، باعتبارها تظاهرات شعبية تطالب بالإصلاح كما ساندها إعلاميون ومثقفون عرب، لم يساندوا الانتفاضة في البحرين على الرغم من أنها لم تكن مسلحة وحافظت على سلميتها وكان ينبغي أن يشيد المسؤولون والإعلاميون العرب بالنزعة السلمية للثورة برغم كل العنف الذي استخدمته السلطة.
واليوم تحظى أيضا العمليات العسكرية الأوكرانية بترحيب من قبل بعض المسئولين العرب لأنها تضعف روسيا بغض النظر عن نتائجها الإنسانية المروعة وهي مفارقة غريبة أن تتم مساندة نفس الفعل هنا ومعارضته هناك لاعتبارات سياسية.
التوصيات
1- الإعلام مسؤولية كما السلطة مسؤولية، واستخدام سلطات الإعلام والسلطات الرسمية بشكل منحاز وغير محايد ويتناقض مع قيم العدالة سيقوض الأمن والاستقرار في المنطقة وأي منطقة يستهدفها وكما شهدنا إن معظم الأحداث الكارثية التي حدثت كان الإعلام المحرك الرئيس فيها.
2- لابد من اعتماد معايير مهنية واضحة وثابتة تطبق على الحالات المختلفة ولا يكون تطبيقها انتقائيا.
3- إنشاء محكمة جزاء دولية وعربية خاصة بالنظر في جرائم الإعلام التي تنطوي على مخاطر تهدد الأمن والسلم الأهليين وتساهم في المساعدة على انتهاك حقوق الانسان.
4- فصل الإعلام عن السلطة وعدم استخدام المال العام لتمويل وسائل إعلامية لمناصرة السلطة وتحسين صورتها.