آخر تحديث:
بقلم:علي الكاش
قال الشاعر الرصافي ” ان العمائم والجبب في هذا العصر تضم جمهور كبير من الأنذال والسفلة عديمي المروءة والوجدان”. (الرصافي يروي سيرة حياه/ 101)، الغدير في أحاديث أهل السنة، اخرج مسلم” عن زيد بن أرقم (رض) أنه قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي”. (اخرجه مسلم/2408). (مسند أحمد/19285). وقال الحافظ ابن كثير” فصل في إيراد الحديث الدال على أنه عليه السلام خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة – يقال له: غدير خُمّ-، فبيَّن فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة عِرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورًا وتضييقًا وبخلًا، والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرغ (ع) من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيَّن ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ، وكان يوم الأحد بغدير خُمّ تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء. وذكر من فضل عليٍّ وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه”. (البداية والنهاية5/227). وعن بريدة (رض) قال: غزوت مع عليٍّ اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذكرت عليًّا فتنقَّصته، فرأيت وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتغيَّر، فقال يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعَليٌّ مولاه”. (مسند أحمد/22995). (مستدرك الحاكم/4578).
ـ ذكر البيهقي” أما حديث الموالاة فليس فيه – إن صح إسناده- نص على ولاية عليٍّ بعده، فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وهو أنه لما بعثه إلى اليمن كثُرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه، فأراد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته”. (الاعتقاد/354).
ـ أخرج أحمد بن حنبل عن زيد بن أرقم قال” نزلنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) بواد يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير، قال: فخطبنا، وظلل لرسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) بثوب علي شجرة سمرة من الشمس، فقال رسول اللّه: ألستم تعلمون؟ ألستم تشهدون أني أولي بكل مؤمن من نفسه قالوا: بلي، قال: فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللّهم عاد من عاداه ووال من والاه”. (مسند أحمد5/501).
أخرج النسائي عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن – أي فكنسن – ثمّ قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض ثمّ قال: إنّ اللّه مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن، ثمّ إنّه أخذ بيد علي وقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه”. (فضائل الصحابة15/45).
ـ قال ابن الجوزي” اتفق علماء السير أن قصة الغدير كانت بعد رجوع رسول (صلى الله عليه وسلم) من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، وكان معه من الصحابة والاعراب وممن يسكن حول مكّة والمدينة مائة وعشرون ألفاً، وهم الذين شهدوا معه حجة الوداع، وسمعوا منه ( من كنت مولاه فعلي مولاه)”. (تذكرة الخواص/18). وقال محب الدين الطبري” عن أبي محمد بن صالح أخي الحسن عن صالح عن عبد الله بن الحسن أنه قال له: يا ابن صالح ورب هذه البنية (يعني الكعبة)، إن ما يقولون في الإمامة لباطل”. (الرياض النظرة1/70).
ـ أخرج البخاري” حدثني إبراهيم بن المنذر، قال عن محمد بن فليح ، قال حدثنا أبي عن هلال بن علي عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ( ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة. اقرءوا ان شئتم( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)، فأيّما مسلم ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتين وأنا مولاه”.(صحيح البخاري). وقال الهروي” غدير خم: موضع آخى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعلى بن أبى طالب”. (الإشارات للهروي/78).
ـ قال ابن حجر المكي في الجواب عن حديث الغدير” سلمنا أنه أولى ، لكن لا نسلّم أن المراد أنه أولى بالإمامة ، بل بالاتّباع والقرب منه ، فهو كقوله تعالى ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ))، ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع ، إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما من الحديث ، فإنهما لما سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني”. (الصواعق المحرقة/22).
في الثامن عشر من ذي الحجة بعد حجة الوداع وعودة النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين من مكة الى المدينة خطب النبي (صلى الله عليه وسلم) في المسلمين وطلب منهم بالالتزام بكتاب الله تعالى وتذكيرهم بأهل بيتيه اي زوجاته، كما أوصاهم بالأنصار. وفي هذا التأريخ بعد وقفة عرفة بتسعة أيام نزلت الآية الكريمة (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته)). واستدل الشيعة ان المقصود من الآية هو خلافة علي او إمامته، في حين أن هذه الآية نزلت قبل فتح مكة، أي قبل غزوة خيبر. بمعنى بعد أكثر من أربع سنوات من يوم عرفة.
قال الزمخشري” إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة، وهو من أفضل يوم في الدنيا، وفيه حج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حجة الوداع، وكان واقفا إذا نزل قوله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً))، قال أهل الكتاب: لو أنزلت علينا هذه الآية لجعلناها يوم عيد، فقال عمر (رض): أشهد لقد نزلت في عيد يومين اثنين يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو واقف بعرفة”. (ربيع الأبرار2/293).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً عند ذكره حديث غدير خم مرجعه (صلى الله عليه وسلم) من حجة الوداع، فإنه (صلى الله عليه وسلم) خطب فيه خطبة وصَّى فيها بإتباع كتاب الله، ووصَّى فيها بأهل بيته، كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم، فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك، حتى زعموا أنه عهد إلى علي بالخلافة بالنص الجلي، بعد أن فرش له، وأقعده على فراش عالية، وذكروا كلاماً وعملاً قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء، وزعموا أن الصحابة تمالؤا على كتمان هذا النص، وغصبوا الوصي حقه، وفسَّقوا وكفَّرُوا إلا نفراً قليلاً”. (اقتضاء الصراط المستقيم1/293).
لاحظ ان جميع روايات أهل السنة تجنبت ذكر أسباب امتعاض النبي (صلى الله عليه وسلم) من شكوى المسلمين من سلوك علي، بعد عودته من اليمن. فقد ابتعدوا عن الإشارة اي أي مثلبة او جنبة تتعلق بعلي احتراما لمكانته وقرابته من النبي (صلى الله عليه وسلم) على العكس من أئمة ورواة الشيعة الذين يصطادون بالماء العكر.
نقد للروايات
-
من العجب تمسك الشيعة بحديث غدير خم رغم ضعفه، فمراجعهم القديمة مليئة بتأويل عشرات الآيات بشأن ولاية علي بن أبي طالب، علاوة على اعترافهم بأن القرآن الكريم محرف، لذا فهم في غنى عن حديث خم لإثبات ولاية إمامهم. ان تأويلهم الآيات لإثبات إمامة علي يعنى ان ولايته تمت قبل حديث خم، علاوة على النص الإلهي المزعوم، فتنتفي أهمية غدير خم.
-
ان نزول الآية الكريمة حول إكمال الدين تتعلق بفريضة الحج، ولا علاقة لها بالولاية، فالمسلمون لم يكونوا يعرفون دقائق مراسم الحج، ولم يحج النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل هذه المرة، وكانت المرة الأخيرة، ذكر ابو الفداء” خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس خطبة في الحج، بين فيها الأحكام، منها: يا أيها الناس إِنما النسيء زيادة في الكفر، فإِن الزمان استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً “، وتمم حجته وسميت حجة الوداع، لأنه لم يحج بعدها، ثم رجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة؛ وأقام بها حتى خرجت السنة. ثم دخلت سنة إِحدى عشَرة”. (المختصر في أخبار البشر1/150). قال ابن الجوزي” عَن أبي زرْعَة أَن رجلا قَالَ يَا أَبَا زرْعَة أَلَيْسَ يُقَال حَدِيث رَسُول الله أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث قَالَ وَمن قَالَ ذَا قلقل الله أنيابه هَذَا قَول الزَّنَادِقَة وَمن يُحْصى حَدِيث رَسُول الله (صلى الله عليه وسلم) قبض رَسُول الله عَن مائَة ألف وَأَرْبَعَة عشر ألفا من الصَّحَابَة مِمَّن روى عَنهُ وَسمع مِنْهُ قيل لَهُ يَا أَبَا زرْعَة هَؤُلَاءِ أَيْن كَانُوا وسمعوا مِنْهُ قَالَ أهل الْمَدِينَة وَأهل مَكَّة وَمن بَينهمَا والأعراب وَمن شهد مَعَه حجَّة الْوَدَاع”. (تلقيح فهوم أهل الأثر1/73).
لذا فإن افتقار المسلمين معرفة مناسك الحج هي التي تقف وراء عبارة اكمال الدين. وهذا يفسر قول النبي (صلى الله عليه وسلم) للمسلمين” خذوا مناسككم عني”. ذكر ابن كثير” عن ابن جرير: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا ابن فضيل، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: لما نزلت (اليوم أكملت لكم دينكم) وذلك يوم الحج الأكبر، بكى عمر فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا ، فأما إذ أكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص. فقال: صدقت”. (تفسير ابن كثير/107). وقال القرطبي” قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حين كان بمكة لم تكن إلا فريضة الصلاة وحدها ، فلما قدم المدينة أنزل الله الحلال والحرام إلى أن حج ; فلما حج وكمل الدين نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم الآية.ان معنى قول الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم يخرج على وجهين:
أحدهما أن يكون المراد بلغته أقصى الحد الذي كان له عندي فيما قضيته وقدرته، وذلك لا يوجب أن يكون ما قبل ذلك ناقصا نقصان عيب ، لكنه يوصف بنقصان مقيد فيقال له: إنه كان ناقصا عما كان عند الله تعالى أنه ملحقه به وضامه إليه كالرجل يبلغه الله مائة سنة فيقال: أكمل الله عمره ; ولا يجب عن ذلك أن يكون عمره حين كان ابن ستين كان ناقصا نقص قصور وخلل ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر ولكنه يجوز أن يوصف بنقصان مقيد فيقال: كان ناقصا عما كان عند الله تعالى أنه مبلغه إياه ومعمره إليه. وقد بلغ الله بالظهر والعصر والعشاء أربع ركعات; فلو قيل عند ذلك أكملها لكان الكلام صحيحا ، ولا يجب عن ذلك أنها كانت حين كانت ركعتين ناقصة نقص قصور وخلل; ولو قيل : كانت ناقصة عما عند الله أنه ضامه إليها وزائده عليها لكان ذلك صحيحا فهكذا، هذا في شرائع الإسلام وما كان شرع منها شيئا فشيئا إلى أن أنهى الله الدين منتهاه الذي كان له عنده ، والله أعلم .
الوجه الآخر: أنه أراد بقوله: اليوم أكملت لكم دينكم أنه وفقهم للحج الذي لم يكن بقي عليهم من أركان الدين غيره ، فحجوا; فاستجمع لهم الدين أداء لأركانه وقياما بفرائضه ; فإنه يقول عليه السلام : بني الإسلام على خمس. الحديث، وقد كانوا تشهدوا وصلوا وزكوا وصاموا وجاهدوا واعتمروا ولم يكونوا حجوا; فلما حجوا ذلك اليوم مع النبي (ص) أنزل الله تعالى وهم بالموقف عشية عرفة اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي فإنما أراد أكمل وضعه لهم ; وفي ذلك دلالة على أن الطاعات كلها دين وإيمان وإسلام”. (تفسير القرطبي/107).
-
لو رجعنا الى نفس الآية من بدايتها سنجد من السياق انها تتعلق بالتحريم، فما علاقة إمامة علي بالموضوع؟ وما الذي اوردها مع الكلام عن الميتة والدم ولحم الخنزير والمنخنقة والمتردية والنطيحة، هذا لا يليق حتى بالإمامة. قال تعالى في سورة المائدة/3((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)). لاحظ انها تتعلق بالتحريم ولا علاقة لها بالولاية، ولو رجعت الى التفاسير لتأكدت من ذلك!
-
زعم الشيعة ان الموالاة تعني الخلافة والحكم، وهذا يتعارض مع ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة حول الموالاة، فالله تعالى هو المولى، وكذلك الملائكة، والرسول (صلى الله عليه وسلم) والمؤمنين، قال تعالى في سورة المائدة/55((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا))، وقوله تعالى في سورة التحريم/4((وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير))، وقوله تعالى في سورة الممتحنة/1((لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)). والمولاة تعني الولاء والأخاء والود والمحبة والقرابة. قال ابن الأثير” المولى يقع على الرب والمالك والمنعم والناصر والمحب والحليف والعبد والمعتق وابن العم والصهر”. (النهاية في غريب الحديث5/228).
-
اورد البخاري ومسلم” أن حديث الغدير كان في الثامن عشر من ذي الحجة، أي بعد نزول سورة المائدة/3 ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)). (صحيح البخاري/7268). (صحيح مسلم/3017). ونزلت الآية باتفاق المفسرين في عرفة، لذا لا يمكن ان يعقل المرء ان النبي (ص) لم يبلغ المسلمين بولاية علي الا بعد نزول الآية على اعتبار ان الدين قد كمل، واتم الله تعالى نعمته على المسلمين؟ وقد فصل ابن تيمية هذه المسألة بقوله “مما يبيّن أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه، كالذي بلّغه في حجة الوداع، فإن كثيرًا من الذين حجّوا معه -أو أكثرهم- لم يرجعوا معه إلى المدينة، بل رجع أهل مكة إلى مكة، وأهل الطائف إلى الطائف، وأهل اليمن إلى اليمن، وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى بواديهم، وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريبًا منها. فلو كان ما ذكره يوم الغدير مما أمر بتبليغه كالذي بلّغه في الحج، لبلّغه في حجة الوداع كما بلّغ غيره، فلما لم يذكر في حجة الوداع إمامة ولا ما يتعلق بالإمامة أصلًا، ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر إمامة عليٍّ، بل ولا ذكر عليًّا في شيء من خطبته، وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام، عُلِم أن إمامة عليٍّ لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه”. (منهاج السنة النبوية7/ 227).
-
المراد من زعم الشيعة حول ولاية علي هو التشكيك بالصحابة جميعا لأنهم لم يلتزموا بحديث خم ويبايعوا علي بن ابي طالب، لذلك اعتبرهم الشيعة مرتدين الا ثلاثة من جماعة علي، وهو يزعمون ان الحاضرين كانوا (120) الف مسلم. قال الشهرستاني” من المحال من حيث العادة أن يسمح الجم الغفير كلاماً من رسول الله (ص) ثم لا ينقلونه في مظنة الحاجة وعصيان الأمة بمخالفته والدواعي بالضرورة تتوفر على النقل خصوصاً وهم في بداية (نأنأة) الإسلام وطراوة الدين وصفوة القلوب وخلوص العقائد عن الضغائن والأحقاد والتآلف المذكور في الكتاب العزيز سورة الأنفال/63 (( وألف بين قلوبهم)) وفي سورة آل عمران/103((فأصبحتم بنعمته إخوانا)). وقال الشيخ ابن كثير” أما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة والقصاص الأغبياء من أن النبي (ص) أوصى إلى علي بالخلافة فكذب وبهت وافتراء عظيم، يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة وممالأتهم بعده على ترك تنفيذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه وصرفهم إياها إلى غيره لا لمعنى ولا لسبب”. ( البداية والنهاية 77/225).
-
بين حديث غدير خم ووفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) أقل من ثلاثة شهور، ذكر ابن كثير” قال ابن جريج وغير واحد: مات رسول الله (ص) بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوما”. (تفسير ابن كثير/107). وبإجماع الشيعة لأنهم يقولون إن حادثة الغدير حصلت في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة في طريق عودة النبي من حجة الوداع، وتوفي النبي ((صلى الله عليه وسلم) في 28 صفر سنة هجرية. لذا ليس من المنطق ان ينسى (120) الف صحابي وصية النبي بخلافة علي بعده خلال تلك الفترة القصية، سيما ان اسم علي لم يطرح في اجتماع السقيفة، ولم يتطرق أحد من المهاجرين والأنصار الى حديث الغدير، لأنه اعتبروه يتعلق بالمودة والقربة والأخاء لا أكثر. بل ان عليا نفسه لم يفسر الحديث بأنه يعني إمامته، أخرج الإمام أحمد في مسنده عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا. فقال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سـمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم (من كنت مولاه فهذا مولاه)، قال رياح: فلما مضوا اتبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار، فيهم أبو أيوب الأنصاري”. (مسند أحمد5/419). وهذا ما صرح به واحد من ابرز مراجع الشيعة، قال النوري الطبرسي” لم يصرح النبي لعلي بالخلافة بعده بلا فصل في يوم الغدير وأشار إليها بكلام مجمل مشترك بين معان يحتاج في تعيين ما هو المقصود منها إلى قرائن”. (فصل الخطاب في تحريف كلام رب الأرباب/205). قال شيخ الإسلام ابن تيمية ان القول” هو ولي كل مؤمن بعدي” كذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن وكل مؤمنة وليه في المحيا والممات، فالولاية التي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها والي كل مؤمن بعدي كما يقال في صلاة الجنازة إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر وقيل يقدم الولي وقول القائل” علي ولي كل مؤمن بعدي كلام يمتنع نسبته إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال كل مؤمن”. (منهاج السنة النبوية7/391).