قد يستدعي العنوان، بعضًا من الأسئلة المربكة، باعتباره الشهوة المتخيلة، غير واردة في اي عمل ثقافي او تجاري، أو صناعي. ولكننا، هنا، يحددنا العنوان بـ (“درجة استبدال ما هو فعلي وواقعي، بما هو “شهواني “ و”مرغوب فيه” أوعلى ما هو “نحو متخيل”)، هذه مهمة ليست هينة، أومتاحة للعمل، خاصة إذا تحولت القضية إلى رأسمال، وأصبح كتابها من أصحاب النفوذ. فالرأسماليون، وسلاطين السلطة، كتاب نصوص تفضل الشهوات المتخيلة عمّا هو واقعي وفعلي.. لأنّها تتطلب تفكيرًا على مستوى عال من الإدراك بأهمية أن ينجح الاستبدال أو يفشل. ولذلك نجد من ينتج من أجل الربح، يلعب دورًا قذرًا، كما يقول ديفيد هارفي، في تغييب الوعي الجمعي عن الناس، خاصة عندما يربط بين إنتاجه ومصادر دينية أو قومية، فقد ينجح معمل دجاج مسمّى باسم سياسي أو رجل دين او مدينة مقدّسة، في حين يفشل من سمّى معمله ترابا، أو طينا، أو نخلة. فالمال حسب ماركس يتحكّم بكل الطرق التي تنتج الرغبات الشهوانية المكبوتة، حتى لو تطلب ذلك سمعة الجهة التي تصرف هذا المال.
في كل المجالات يكون التفكير في الأشياء المرغوبة، والأشياء غير المرغوبة متاحًا، ولكن الأمر يتطلب التحكم بنوعية الرغبات، فعلى مستوى التأليف الأدبي، كما على مستوى الاقتصاد والسياسة والثقافة، تستحضر المخيلة المرغوب فيه وغير المرغوب، العقلاني والمتخيل، الطبيعي، وغير طبيعي، متناسين أن ثمة قاعدة، غير مرئية لاعتماد هذه الثنائية في التفكير، وهي أن غير المرغوب، الشهواني خاصة، يتطلب “الإفراط والإسراف”، في حين لايتطلب المرغوب إلّا العقل توازنا، والفعل تدرجا، وهنا يكمن بيت الداء حين يتحكّم اللامرغوب بالإنتاج، سواء أكان الإنتاج أدبا، فنا، أو اقتصادا أو أسرة. ففي المنطقة الوسطية بين الرغبة الشهوانية المفرطة والمعتدلة، تظهر جزرة وسطية، تربط بين الطرفين، دون أن تكون لأحدهما، هكذا يكون للفكر ميزان، جزرة تحيلنا إلى منطق الـ “مابين”، سواء في الكتابة الأدبية، وخاصة النقدية، أو في منشأة صناعية أو دكان لبيع دجاج. ففي حدود التأويل لمهمة فكرية من هذا النوع، لا بدَّ من حدود كما يقول أمبرتو أيكو، وإلّا اشتط بنا المسار، واصبحت الرغبات الشهوانية هي المرغوبة اجتماعيا واسريا، وحتى تعلميا وثقافة.
في حدود التأويل لايمكنك أن تقول: إن كل إناء هو دائري، وإن كل الأقلام هي أعمدة، وإن كل الأباء هم أبائي، ولكن يصح أن تقول: إن كل دائرة إناء، وإن كل قلم عمود، وان كل الأبناء لهم آباء، فالمنطق يتحكم بصيرورة البنية، وما المخيلة إلّا تنشيط مجالها. فالمتخيل لايستعار، حتى وان كان أقرب للواقع، هكذا يلجأ الروائي، عبر المخيلة إلى أعماق البحر، مستعينا ببوصلات المرغوب فيه، لا ببوصلات الشهوات المتخيلة، ففي الروايات التي تعتمد الجنس، أو الدين، لا تبنى على افتراض أن هذه الحقول ممنوعة، بقدر ما تبنى على كيفية أن تعالج ظاهرة من هذا النوع، وجدت سعتها في مجتمع تشوه بفعل الحرب او الاقتصاد الطفيلي، و ظهور رأسماليين جوف، او في عدم القدرة على اعتماد تأويل يفتح في الأفق نافذة للرؤية. هكذا وجدنا شيوع نصوص أكثرت من جنس الشهوات المتخيلة، وقللت من دراسته اجتماعيًا، والقارئ ليس مقياسًا لا يخطئ لمعرفة المماشي الأكثر صلاحية.