في الوقت الذي نحتفي فيه بمرور الذكرى المئوية الأولى لثورة العشرين التي تصادف الثلاثين من شهر حزيران 2020، صدر كتاب جديد عن (ثورة العشرين.. دراسة في الأحزاب السياسية والشبكات الاجتماعية 1908 – 1920). وقد صدر الكتاب بطبعته الأولى العام 2020 عن دار الرافدين ودار ومكتبة عدنان، في بيروت وبغداد .
ويتميز الكتاب بكونه إضافة وتفسيرا للقوى الفاعلة في ثورة العشرين من وجهة نظر الاستعراب الياباني لتاريخ العراق الحديث والمعاصر، إذ يمثل الكتاب ترجمة لرسالة الماجستير للبروفسورة كيكو ساكاي من جامعة درم في المملكة المتحدة، تحت إشراف المستشرق البريطاني بيتر سلاغليت، التي قدمتها العام 1994. وقام بترجمة الكتاب الدكتور محمود القيسي، أستاذ التاريخ الوسيط في كلية الآداب – جامعة بغداد. والدكتورة ساكاي متخصصة بتاريخ العراق وسياسته الحديثة، وهي عميدة مركز “دراسات العلاقات عن الأزمات الدولية” ولها العديد من الأعمال الأكاديمية عن العراق المعاصر. درست ساكاي في جامعات عالمية فحصلت على البكالوريوس من جامعة طوكيو العريقة والماجستير من جامعة درم البريطانية والدكتوراه من جامعة كيوتو.
وتعد ساكاي من الجيل الثالث من الباحثين اليابانيين المتخصصين بالدراسات العربية والشرق أوسطية، وهي أول باحثة يابانية تخصصت بالشأن العراقي وخصصت العديد من المؤلفات والمقالات عن العراق باللغات اليابانية والعربية والإنكليزية. وهي تجيد العديد من اللغات وهي اليابانية لغتها الأم، والعربية عامة واللهجة العراقية بشكل خاص، الى جانب اللغتين الإنكليزية والروسية. حصلت على جوائز عديدة بما قدمته من مؤلفات عن العراق والشرق الأوسط، وعملت في مؤسسات بحثية وأكاديمية مرموقة مثل معهد الاقتصاديات النامية وجامعة طوكيو للدراسات الأجنبية وجامعة تشيبا التي تولت فيها عمادة كلية الاقتصاد والسياسة والقانون ثم عمادة مركز “دراسات العلاقات عن الأزمات الدولية”، واشتركت بمشاريع بحثية مرموقة عن الشرق الأوسط والعالم العربي، الى جانب عملها باحثة في السفارة اليابانية في بغداد في الثمانينات.
وفصول الكتاب تقدم للقارئ أو الباحث العراقي والعربي، جهداً مختلفاً في المنهجية والمقاربة. فإذا أطلعنا على الفصل الأول (تاريخ موجز لتطور الأحزاب السياسية 1908 – 1920) سوف نلاحظ أنه يركز على الأحزاب السياسية المبكرة في العراق التي كانت نتيجة التأثر بثورة تركيا الفتاة العام 1908، وكيف أثرت إصلاحات مدحت باشا للنظام التعليمي (1869 – 1871) في إضعاف رجال الدين والمجتمع التقليدي الذي كان رده بإنشاء نقيب الأشراف عبد الرحمن الكيلاني جمعية المشورة، وكيف أثر النمط الحداثوي في التعليم على خلخة الهرم السلطوي للأنظمة التقليدية مما أدى الى البحث عن وجه آخر للهوية التقليدية متمثلا بالأحزاب، إذ بين لنا تحول النشاطات الحزبية وكيفية أثر الانتماء المذهبي والديني والمناطقي على الانضمام للأحزاب السياسية ومسار تلك الأحزاب وأولوياتها.
ثم تنتقل ساكاي إلى الفصل الثاني الذي كان عنوانه (الشبكات الأساسية للمجتمع العراقي: الشبكات التقليدية والحديثة). فقد احتوى على لمحة عامة للمجتمع القبلي وتكوينه الهرمي ونظام السلطة وامتدادهم الجغرافي والتاريخي وهويتهم الدينية واتجاهاتهم السياسية في ذلك الوقت، كما احتوى هذا الفصل على المواقف السياسية للمجتمع القبلي في العراق، وكيف يتفق أحيانا ويتنافر أحيانا أخر مع الأدوار السياسية للاسلام في العراق 1908- 1920، وكيف أن الحواجز التقليدية بين تلك الشبكات القبلية والدينية راحت تنهار بالتدريج بالتزامن مع ظهور الشبكات الحديثة .
أما الفصل الثالث فقد جاء تحت عنوان (أثر مزيج الشبكات الاجتماعية على النشاطات الاجتماعية)، فقد طرح بحرفية كيفية تأثير الشبكات المختلفة على النشاطات السياسية من خلال مناقشة حالة السيد طالب النقيب وجمعية العهد العراقية وجمعية حرس الاستقلال، إذ يبين لنا الكتاب في هذا الفصل خطين تناميا على نحو متوازن، الخط الأول الذي تميز باتجاه القومي العروبي ورؤيته للامتداد القومي للعراق، في حين مثل الخط الثاني جمعية حرس الاستقلال ذات التوجه الوطني العراقوي الذي دعا ورسخ لمفهوم الهوية والوطنية العراقية .
يتناول الفصل الرابع “الوطنية وتأسيس الدولة في العراق، ويبين أن إنشاء الدولة العراقية منذ العام 1963 وحتى العام 2003″، قد هيمن عليها القوميون العرب، وطرح سؤالا مفاده هل تتناقض القومية العربية والوطنية العراقية؟ وقد حاول الكتاب الإجابة عن هذا السؤال بتحليل وقائع انتفاضة 1991 معتمدة على المقارنة مع ثورة العشرين .
خلاصة قراءتنا لهذا الكتاب أنه لا يقدم سردا تاريخيا بحتا، فهو يتناول موضوع ثورة العشرين بوصفها تغييرا اجتماعيا نوعيا، ويهدف من وراء ذلك إلى محاولة وصفها بأنها ظاهرة اجتماعية ممكن تكرارها، بصرف النظر عن مكان وقوعها، أو زمان حدوثها. فالكتاب حاول مناقشة ثورات متفرقة أو حركات اجتماعية سياسية متشابهة في فترات زمنية مختلفة (ثورة العشرين) (انتفاضة 1991) بهدف اكتشاف النمط الفريد أو الخصائص الفريدة لكل ثورة أو انتفاضة، وبهدف اكتشاف النمط المشترك بين الثورات جميعا، ليتسنى فهم حيثيات تلك الثورة، ولإعطاء دروس مستفادة عن المجتمع العراقي وتاريخه، رغم إن التاريخ لا يعيد نفسه أبدا، حسب قول بول فيين، ألا أننا نجد أن الاستناد للوقائع التاريخية وطريقة عرض محتوى هذا الكتاب يمكن أن يؤسس لفرضيات علمية تصلح نظرية في المستقبلالقريب .