يتندر الشباب العراقيون في ما بينهم بأن بلدهم صار بعد الاحتلال الأميركي كوكبا غريبا عن كوكب الأرض. صار اسمه كوكب العراق.كل ما يحدث في العراق لا يحدث في أي بلد آخر وما يفعله العراقيون لا يفعله أي شعب آخر على سطح الأرض.في الماضي لم يكن العراقيون يؤلفون نكاتا عن بلدهم. كانت هناك قداسة روحية تمتد من العلم الذي كانت تزينه النجوم إلى خدمة ذلك العلم التي هي التعبير الرقيق عن التجنيد الإلزامي.بعد الاحتلال تم اللعب بالعلم واختفت نجومه، أما التجنيد الإلزامي فقد تم إلغاؤه ولم تعد الثياب العسكرية تُخيف أحدا. حلت البطالة محلها.كان العراقيون يطلقون على الجندي كنية “أبوخليل”. اليوم لا يتذكر أحد تلك الكنية. لقد اختفى الجندي من الحياة العراقية. هناك جيش غير أنه أشبه بالميليشيا التي ستظل هزيمة الموصل تلاحقها بعارها إلى الأبد.
اليوم صار ممكنا أن يكون العراق ملهما للفكاهة السوداء.
حين يصبح عامل شاي ضابطا برتبة عقيد وحين ينتقل كببجي من مطعمه إلى مقر السفارة العراقية باعتباره سفيرا، وحين يتم تعيين مقاول تموين لدى القوات الأميركية رئيسا للبرلمان فإن كوكب العراق يفرض قوانينه الخاصة التي تجعله لا يشبه بلدا آخر، ولا نقول دولة أخرى، لأن دولة لن تقوم لها قائمة فيه ما دام الفساد قد أحاط به بشياطينه.
العراقيون يفسرون بمخيلة مفتوحة هجوم العواصف الترابية الحمراء على بلادهم بأنها نوع من الانتقام الإلهي لما وقع من فساد غير مسبوق
يوم التاسع من أبريل 2003 سقطت دولة العراق. حينها تحول إلى كوكب. كان أبناء ذلك الكوكب الذين دخلوا العراق محررين مع قوات الغزو الأميركي قد اقترحوا أن يكون ذلك اليوم الأسود العيد الوطني للعراق. تلك فكرة باركها الشيوعيون العراقيون معبرين عن كراهيتهم لكل ما كانوا يسمونه عراق الداخل، بشرا وحجرا على حد سواء ورغبتهم في الانتقام منه بعد أن اعتبروه عراق صدام حسين.
غير أن كوكب العراق لم يكتمل إلا حين قرر سياسيوه تصحيره واجتثاث كل موقع أخضر فيه وتجفيف أنهاره، الصغيرة منها والكبيرة. صارت المنطقة التي تقيم فيها سلطة الاحتلال وأتباعها هي المنطقة الخضراء الوحيدة فيه وقد سميت كذلك نكاية بالعراق الذي اختفت خضرته.
كما لم يكن من قبل صار العراق كله صحراء. تساوى في ذلك جنوبه وغربه. أما الرافدان، دجلة والفرات، فإنهما صارا من الأنهار التي قفزت من الجغرافيا إلى التاريخ.دجلة الخير حسب الجواهري لم يعد سوى جدول صغير، أما الفرات فإنه ساقية. وبذلك انتهت معجزة الأهوار وصار شط العرب يتيما. وهو ما أدى إلى أن مدن العراق المهمة التي أقيمت منذ فجر التاريخ على الأنهار صار أبناؤها يشربون مياه القناني المستوردة. تلك واحدة من أهم معجزات كوكب العراق. أما أن يستورد العراق البصل والطماطم والبطيخ والباذنجان والخيار والسبانخ والخس والقرع وسواها من الفواكه والخضروات من إيران فإنها معجزة أخرى. يوما ما حرم العراقيون أكل الجبن من غير فستق. وذلك من أجل تسويق الفستق الإيراني. لا يمكن للاقتصاد أن يخون المذهب. والمذهب كان ولا يزال إيرانيا.
لقد تبين أن الشيعية السياسية هي تجسيد لموالاة إيران. الشيعة العرب هم فئة أخرى. وهي فئة تقف خارج السياسة. أما الشيعة الذين انتموا إلى السياسة فإنهم إيرانيو الولاء والمزاج والعقيدة.
كوكب العراق يدور في الفلك الإيراني وتصدر عنه العجائب. ولم تكن تلك العجائب لتصدر عنه إلا لأنه صار إيرانيا. هو بمثابة كذبة إيرانية يمكن أن تختفي في أي لحظة. تختفي الأشباح التي تحكم في المنطقة الخضراء وتختفي ظلال تلك الأشباح ولن يتعب العراقيون أنفسهم في البحث عنه في الفضاء. ستطوى الصفحة باعتبارها عجيبة شهدتها بلاد الرافدين وهي ليست من تاريخها الحقيقي.
بناء على ذلك يفسر العراقيون بمخيلة مفتوحة هجوم العواصف الترابية الحمراء على بلادهم بأنها نوع من الانتقام الإلهي لما وقع من فساد غير مسبوق في التاريخ وهم يتذكرون قوم لوط الذين سحقتهم الإرادة الإلهية بعد أن أشاعوا الرذيلة وطبعوها. تفسير ميتافيزيقي يخفي بين طياته اعترافا بقوة الطبيعة التي تقول كلمتها الغاضبة حين يتم الاعتداء عليها بمكر خبيث.
كوكب العراق هو مريخ الأرض الذي سيُسجل فساده في صفحات التاريخ كونه مؤشرا على بلوغ البشرية أسوأ مراحل انهيارها وانحطاطها وتدهورها الأخلاقي وسيكون في إمكان العراقيين أن ينظروا إلى سنوات ذلك الفساد باعتباره الزمن الذي تحولت فيه بلادهم إلى كوكب مظلم يدور حول نفسه بعيدا عن الشمس.