عدنان حسين
المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب (أي داعش) الذي انعقد الأسبوع الماضي في العاصمة البلجيكية، بروكسل، بمشاركة ستين دولة منخرطة في الحرب العالمية ضد التنظيم الإرهابي، أبلغه رئيس حكومتنا بان هذه الحكومة بدأت تحمي حقوق الإنسان، مشيراً الى الأمر الذي وقعه قبل أيام وألزم بموجبه القوات الأمنية ووزارة العدل بحماية حقوق الإنسان الخاصة بالمعتقلين.
دعكم من الاعتراف الضمني الذي انطوى عليه خطاب السيد حيدر العبادي أمام المؤتمر بان حقوق المعتقلين الإنسانية لم تكن محمية في السابق، فهذا أمر يعرفه العراقيون جميعاً.. يعرفون ان في عهد الحكومة السابقة والحكومة الأسبق كان المعتقلون يتعرضون لانتهاك سافر لكرامتهم الإنسانية، وهو ما طال أيضاً آلاف الأبرياء الذين كانوا يُعذبون ويُحتجزون فترات طويلة حتى بعد ثبوت براءتهم… يعرف العراقيون هذا لأن الكثير منهم تعرّض له مباشرة في نفسه أو آل بيته أو جرى أمام أعينهم لسكان أحيائهم أو مدنهم أو لموظفي دوائرهم .. ويعرفونه لأن قوات حفظ “النظام” غير المحفوظ وقوات تطبيق “العدالة” غير المطبقة لم تكن تتردد في التعدي على الحريات والحقوق العامة والخاصة أمام الأنظار في وضح النهار… لم تكن تتورع عن فعل ذلك برغم انتهاكه الصارخ لأحكام الدستور، لأنها كانت في أفعالها المشينة ومهماتها القذرة محمية من مكتب القائد العام للقوات المسلحة، بدليل أننا، كتاباً وإعلاميين وناشطين سياسيين ومدنيين، لم نكفّ يوماً عن فضح تلك الممارسات… وما من سميع أو مجيب!
دعكم من هذا، فنحن “ولد اليوم مو ولد البارحة” كما تقول أمهاتنا ويقول آباؤنا وأجدادنا. واليوم فان انتهاك حقوق الإنسان لم يزل غير مقتصر على المعتقلين.. انه موجود في كل زاوية ومنعطف في مدننا وعلى أرصفتها وفي عرض طرقها .. لا أعني مثلاً الفساد المالي والإداري الذي هو انتهاك سافر وصارخ لحقنا في الحياة الكريمة المرفهة من حرّ مالنا العام الذي يستحوذ عليه بكل صلافة شذّاذ الآفاق الذين توفرت لهم كل أسباب الحصانة ووسائل الحماية في عهد الحكومتين السابقتين خصوصاً، فأفرغوا الخزينة من آخر دينار ودولار.. ما أعنيه هو تحديداً تصرفات عناصر الميليشيات في الطريق العامة والسوق العامة.. انهم يتمادون في التصرف على نحو أبعد ما يكون عن الانضباط واللياقة والأخلاق، غير مراعين لحرمة أو كرامة .. يتصرفون بوصفهم دولة فوق الدولة وليس داخلها.. يستهينون بالكبار والصغار سواء بسواء، وهم في الغالب أولاد من النوع “الصايع” بالتعبير المصري.
القوات النظامية يمكن ضبطها ومحاسبتها بالأوامر الديوانية والقرارات الصادرة عن رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والدفاع، لكن مَنْ بوسعه ضبط الميليشياويين وردعهم وتقديمهم الى العدالة وهم يتحركون بنزق واستهتار بسيارات مسلحة مظللة ومن دون أرقام متلفعين برايات لميليشياتهم وأخرى مما لها صلة بالشعائر الحسينية!؟ أما قادتهم فمواكبهم لا تقل شأناً عن مواكب الطواغيت… مَنْ بوسعه أن يضبطهم سواك يا رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة؟