محمد حسن الساعدي
من المتوقع ان يتم دفع الموازنة المالية لعام ٢٠١٥ الى مجلس النواب وتقرأ القراءة الاولى والثانية والتصويت عليها أوائل السنة القادمة ، والتي جاءت اتساعاً مع التذبذب والانخفاض الكبير في اسعار النفط ، وهذا الهبوط اللافت الذي جاء بلعبة دولية لمعاقبة بعض الدول التي تتلاعب بالاسعار من جهة او تستخدم النفط كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة وسياستها الخارجية ، اذ لايوجد مبررات لهذا الهبوط وهو ما سبب احراجاً ومشاكل كثيرة للدول التي تعتمد في موازنتها على الموارد النفطية .
ان تذبذب اسعار النفط وانخفاضها بهذا الشكل السريع والغريب يدفع القارى والمتابع الى اثارة الكثير من التساؤلات والتي انحصرت في اتجاهين :
الاول ؛ انها تمثل عقوبة لبعض الدول المنتجة للنفط ومحاصرة تأثيرها على الاسواق العالمية .
الثاني ؛ ربما يكون فخاً للدول المصدرة للنفط خصوصاً الدول الخليجية التي تحاول الضغط على الدول الكبرى عبر اسعار النفط من احل تمرير أجنداتها في المنطقة .
العراق حاله كحال بقية الدول تاثر كثيراً بهذا الانخفاض الحاد لاسعار النفط مما سبب تدهورا كبيراً في اقتصاده ، وعجزاً في ميزانيته السنوية التي بلغ اكثر من ٥٠ مليار دولار وسط إجراءات حكومية لسد هذا العجز ، اذ ذهبت بعض هذه الإجراءات الى زيادة الضرائب على شراء السيارات وعلى اسعار الانترنت وكارتات شحن الموبايل ، الى استطاع نسب من رواتب الموظفين تتراوح بين ١٠ الى ٤٠ ٪ ولمختلف الدرجات الوظيفية .
وهنا لا بد من تساؤل هو جوهر الحديث اين ذهبت أموال الموازنات الكبيرة للبلاد ، ونحن نعلم جيداً ان العمليات العسكرية بدأت في حزيران ٢٠١٤ فأي مبرر انها ذهبت الى التسليح او العمليات العسكرية هو كلام غير مبرر لهذا الهدر الكبير بالمال العام ، ثم اين ذهبت أموال فرق بيع النفط ،خصوصاً ونحن نعلم جيداً ان سعر البيع يختلف تماماً عن السعر التخميني في الموازنة اي بمعدل يصل الى ٣٠ دولار للبرميل الواحد ، وهذا يعني وجود فائض ريعي يفترض وجوده كخزين استراتيجي في البنك المركزي ، فأين ذهبت هذه الأموال ياترى ؟!!
الإجراءات اتي اتخذتها الحكومة ربما من شأنها سد النقص في الموازنة الا أنها لا تحل المشكلة أصلاً ، خصوصاً مع النزول السريع في الأسعار، وهذه الإجراءات التي لامست شرائح الدخل المحدود اكثر منه المسؤولين والدرجات الخاصة .
هناك إجراءات كان يفترض بالحكومة اتخاذها لمعالجة هذا العجز ، ابرزها إيقاف كل المشاريع الاستثمارية دون تميز ، والسعي الى إيقاف صرف الى أموال المنافع الاجتماعية للرئاسات الثلاث ، ومنع صرف اي مبلغ يصرف على الأمور الكمالية ويكون خارج سياقات التقشف ، من تأثيث مكاتب نائبي رئاسة الجمهورية والتي بلغت اكثر من ٣٥٠ مليون دينار عراقي ، مع عدم المساس بأوضاع الشرائح الفقيرة والدخل المحدود ، وتنويع مصادر التمويل الوطني كتشجيع القطاع الخاص ودعم السياحة والزراعة والصناعة وتنويع الواردات بما يحقق النتيجة في عدم الاعتماد الكلي على الموارد النفطية .
كما يجب الاستفادة من تجارب الدول المجاورة في معالجة مثل هكذا أزمات ، وضرورة الاهتمام بإعداد الموازنات السنوية للبلاد وفق تقديرات دقيقة لا تعتمد على التقدير في اسعار النفط ، بل تعتمد على السعر الفعلي للبرميل ، وتحديد قيمتها على اساس توقعات غير واقعية لاتجاهات سوق النفط واستمرار أسعاره في الهبوط .
يبقى على مجلس النواب والقضاء ان يمارس دوره الرقابي والمحاسبي في الكشف عن الأموال التي هدرت دون اي تخطيط او مسالة او رقابة او تشريع ومحاسبة الفاسدين الذين أوصلوا البلاد الى حافة السقوط بيد الارهاب الداعشي وتمزيقه .