بغداد/شبكة أخبار العراق- بدأت الكاتبة العراقية بالدخول إلى عالم القص الروائي منذ مطلع الاربعينيات، وكانت طريقتها السردية والفنية لا تختلف كثيرا عن أدوات وفنية الكاتب، ولكن ضمن اشتراطات أو محددات تترجم واقع المجتمع الشرقي ووجود المرأة فيه، فكانت الثيمة الأساسية تتميز بطابع الفضيلة والحشمة، ونحت المنحى الإرشادي والوعظي، لا سيما عند تناول القضايا الاجتماعية، ودعت الى التمسك بالتقاليد الموروثة والقيم الدينية، كما أكدت تلك النصوص ضرورة احترام المرأة وتعظيم مكانتها بوصفها الأم والأخت والبنت والجدة…الخ، مركزة على المآسي التي يتعرض لها الشاب والشابة أو العائلة عند الخروج على القيم ومخالفة الضوابط الاخلاقية وارتكاب المعاصي. في هذه الفترة كتبت المرأة باسماء صريحة واخرى مستعارة منها: السيدة ماهرة النقشبندي بأسم (سراب العبيدية) وباكزة امين خاكي (فتاة الرافدين) . في الخمسينات ظهر جيل آخر من الكاتبات بتحولات سردية أخرى، ودخلن مناطق جديدة عبر معالجة المسائل السياسية والأخلاقية والعاطفية في المجتمع العراقي، وعكسن بحذر هموم المرأة العراقية وانكسارها وإحباطها، وبدأن بكشف واقع المرأة في الريف وتسليط الضوء على مستويات القهر والاستلاب الذي تعيشه المراة هناك، ومنطق المسموح والممنوع، في وقت كان المجتمع ينظر لدخول المرأة إلى مناطق العمل بحذر شديد، فكيف إذا عبرت عن أفكارها وآرائها ونظرتها للحياة بطريقة تدعو إلى التحرر والتخلص من ربق القيود والمفاهيم البالية، فكن أشبه بمن يغامر في رحلة لا تعرف عواقبها جيدا، ودفع بعضهن ضريبة حقيقية على هذه التجربة الصعبة. الجيل اللاحق كان تميزه قد نضج أكثر وبدأت ملامح القصة والرواية النسوية تتمحور حول أساليب وتداعيات ورؤى مختلفة تماما.نصوص هذه الحقبة الإبداعية للكاتبات العراقيات تميزت بكونها مفعمة بالتلقائية والعفوية والخيال الفني ضمن سرد شفاف لم يسقط القارئ في اشكالية المنهج، بل أتاح له التلذذ بالفعل الإنساني، الحدث الروائي، من دون تشويش وإبهام، لقد امتلكت الكاتبة الجديدة ناصية النص في سردية متدفقة وحساسة، كأنما تتحدى بذلك القراءة الذكورية، من دون استفزاز أو امتعاض متحاشية، أن تكون الكتابة النسوية كتابة فئوية، وإن كانت في كينونتها كتابة خاصة تشي بجماليات لا يمكن إغفالها. جاءت كتابات الموجة الجديدة في النص النسوي العراقي محتشدة بالرموز والأساطير، مستعينة بالمثيولوجيا، ربما لتهرب من واقع ذكوري وضريبة أنثوية، لذا جاءت المثيولوجيا كحل إنقاذ حقيقي لتوصيل الأنثى إلى بر اللاتصادم مع العرف والتقاليد الراسخة في مجتمع القيم الشرقية، فاستعانت بالترميز، وتداخلت الأسطورة مع الواقع لتصبح فسحة الحرية التي تتحرك عبرها حواء الحالية داخل حواء المستدرجة من الخيال والاسطورة.إن قراءاتنا ولنصوص المرأة أخذتنا الى كل الأشياء الجميلة التي خرجت من روح المرأة وأحلامها وتجاربها، لتضعنا- تلك النصوص – أمام معمار قصصي أحسنت الكاتبة هندسته لتفاجأ به، ولتزهد أيضاً، فالكثير من الكاتبات تعمدن إخفاء خيبتهن من النقد الذكوري وحتى من القراءة الذكورية، لقد كن زاهدات في الإطراء، عازفات عن مهرجانات الترحيب..!
زاهدات في الإطراء
آخر تحديث: