انس محمود الشيخ مظهر
يمكن ان تخدع الناس لبعض الوقت لكنك لا تستطيع ان تخدعهم طول الوقت , هذا الكلام ينطبق تماما على بعض المليشيات العراقية المذهبية التي تقاتل داعش تحت شعار محاربة الطائفية ودفاعا عن الوطنية العراقية , لكنهم في الوقت نفسه غارقون لاذانهم في المذهبية والطائفية , ومحاربتهم لداعش لا تعدو كونها قتالا طائفيا ينطلق من ثارات تاريخية . وما يزيد الموضوع تهكما هو اتهام هذه المليشيات اطرافا عراقية اخرى بعدم الوطنية ليكشف الازدواجية التي يعاني منها الواقع العراقي . ونحن عندما نخوض في موضوع المليشيات هنا لا نقصد الحشد الشعبي نفسه , بل بعض المليشيات الموجودة سابقا وركبت موجة الحشد الشعبي كعصائب اهل الحق ومنظمة بدر .
بعد فشل هذه المليشيات في تحرير مركز مدينة تكريت رغم مضي فترة طويلة على بدء العمليات العسكرية فيها , ها هي اليوم تحاول اجهاض المحاولات الجادة لتحقيق هذا الهدف , لا لشيء سوى لانهم يهدفون الى ان يكون هذا التحرير ببصمات ايرانية تكسبها نقاطا سياسية لتستكمل سيطرتها على العراق وتعزز مكانتها الاقليمية في المنطقة , ليبرهنوا مرة اخرى ان تحرير العراق من داعش ليس من اولوياتهم … والا فهل يعقل ان تكون هناك فرصة لتحرير منطقة ما باقل ضحايا وباقصر وقت ثم ياتي البعض من هواة السياسة ليصروا على ان يدفع العراقيون المزيد من الدماء لكي يتدربوا هم على ابجديات القتال ( براس الشعب) مثلما يصر هادي العامري وقيس الخزعلي ؟
لقد افتضح امر هذه المليشيات باعتبارها ظاهرة صوتية بدت اضعف من ان تحرز نصرا حقيقيا في ميادين القتال , فكل ما رفعوه من شعارات لم تكن الا تراهات مجردة من خبرة فعلية بالقتال وموازينه . ويبدو ان الحكومة العراقية والجيش العراقي توصلا لنتيجة مفادها ان تحرير تكريت لا ياتي بالتصريحات الاعلامية والتهديدات الفارغة التي كان يطلقها هادي العامري وقيس الخزعلي , فاحتكمت الى صوت العقل والمنطق وقررت الاستعانة بطيران التحالف للقضاء على داعش وهزيمتها ليس في تكريت وحسب بل في كل المدن التي تسيطر عليها في العراق .
ان تجميد هذه المليشيات مشاركتها في العمليات العسكرية بعد بدء غارات التحالف الدولي على مواقع داعش في تكريت يظهر التوجهات الحقيقية لها , فيفترض ان لا يكون مهما الان من يساندنا في تحرير مدننا بقدر ما يهمنا التحرير بحد ذاته . اما الاصرار على ان يكون تسجيل هذا النصر بتوقيع ايراني , ونقتصر على التنسيق مع طهران فقط دون الاطراف الاخرى رغم الخسائر الفادحة في الارواح والامكانيات التي يتكبدها الجانب العراقي (دون تحقيق نصر) , فلا يمكن اعتبارها الا عمالة رخصية لا ارغب في اعطاءها وصفا اخر احتراما للذوق العام . وتجميد فعالياتها القتالية هي خيانة عظمى ينبغي ان تحاكم عليها , لانها بقصد او بدونه تصب في صالح داعش وتعطيه فرصة التقاط الانفس وتخفف وطأة القتال عليه .
لقد استغلت هذه المليشيات دعوة المرجع السستاني للجهاد الكفائي وانضووا تحت يافطته ليفقدوه الغرض الاساسي من تشكيله ووضعه تحت الارادة الايرانية بشكل كامل , فاولويات هذه المليشيات كان تحرير المناطق المحاذية للحدود الايرانية في محافظة ديالى لمنع المنظمة الارهابية من تهديد أيران , ثم بدئوا باعلان عملية تحرير تكريت دون تنسيق سابق مع أي جهة عراقية سواء في الجيش العراقي او من مسلحي العشائر السنية في تلك المناطق ولا مع التحالف الدولي , وظهرت قيادات من هذه المليشيات في تكريت بصحبة ضباط ايرانيين قالت ايران بانهم مستشارين عسكريين لتثير الحساسيات الطائفية عند الطرف الاخر وتعرقل من مهمة تحرير هذه المناطق ذات الاغلبية السنية , وما زاد من الحساسيات المذهبية في هذه المنطقة هو كم الاعتداءات والتجاوزات التي ارتكبتها عناصر هذه المليشيات في القرى التي انسحب منها داعش وتركها لهم ليبثبتوا ان لا فرق بين ممارساتهم وممارساات داعش الارهابية .
ان تاريخ هذه المليشيات يوضح ماهيتها … فقد دخلت العملية السياسية في العراق بعناوينها الحالية منذ عهد قريب بعد ان راى فيها المالكي انها قد تمثل له الجناح العسكري الذي يحتاجه في السيطرة على مرافق الحياة السياسية في العراق فاتفق مع منظمة بدر بقيادة هادي العامري للانشقاق من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية والدخول الى ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه , وكذلك دفع بعصائب اهل الحق للانشقاق من التيار الصدري لتضعيف السيد مقتدى الصدر لما كان يشكله من تهديد على توجهاته الدكتاتورية , ولم يكتف بهذا بل اقحم العصائب في العملية السياسية رغم معارضة اكثرية الاحزاب الموجودة فيها . ونجح المالكي من موقعه الحالي كنائب لرئيس الجمهورية وبدعم ايراني من جعل مليشيات العصائب ومنظمة بدر راس رمح في الحشد الشعبي ليجهضوا المحاولات المخلصة للمرجع السستاني في ابقاء الحشد الشعبي عراقيا خالصا .
ان الممارسات الارهابية كعمليات التمثيل بالجثث وتقطيع الرؤوس التي تماثل ممارسات داعش والتي انتشرت في فديوهات مسجلة منشروة تشير كل الدلائل ان هذه المنظمات الارهابية هي من تمارسها لتشوه صورة الحشد امام الشعب العراقي وخاصة المكون السني منه وتفقده الثقة به , مما يضاعف من الشعور المذهبي عنده وينعكس سلبا على قتال داعش .