فلاح المشعل
إعتاد الجمهور العراقي ، بحكم طبيعة النظام السياسي ، على منادمة إعلام حكومي أو سلطوي طغت عليه نزعة المحافظة والتمجيد لكل شأن أو إجراء حكومي ، حتى وان كان معاديا ً للشعب ومصالحه ، وبهذا فأنه امتاز بدور الماكنة الدعائية ” الإعلانية ” وليس الإعلامية .
التغيير السياسي في 2003 ، وظهور الدستور العراقي الدائم والنظام السياسي الهادف لبناء دولة مدنية ديمقراطية ، أعطى مساحة للإعلام العراقي تجعله سلطة فاعلة ومؤثرة في أدوار الرقابة والمشاركة السياسية والتربوية ، وإرساء معالم جديدة للواقع الإعلامي الحر ، واشتباكه مع ماهو سلبي سواء في مواقف السلطات المتعددة ، ام الفساد بمسمياته المتعددة .
كفالة الدستور لإعلام عراقي حر وإطلاق فاعليته في مساحة سلطة قادرة على الإنجاز في ظل نظام ديمقراطي جديد ، اصطدم بعقليات سياسية حزبية وعقائدية متشددة ورثت مفاهيم واسلوب العمل الإعلامي من النظام الدكتاتوري ، ومنهجيته القائمة على اسلوب الردح والتمجيد للحزب وسلطته ورموزه النافذة ، دون إهتمام لمصلحة الوطن والمواطن ، بمعنى آخر أنهم أعادوا العمل بآليات وضوابط الماكنة الدعائية ” الإعلانية ” ، وأهملوا روح وقواعد الإعلام الحر ودوره النقدي .
قناة البغدادية الفضائية ، انفردت بوقت مبكر في دور كان يبدو مغامرة إعلامية ، شبّت عن طوق السياق المتوارث في الوظيفة الإعلامية ، بمعنى رفضت ان تأخذ مهمة الذيل لماهو سياسي أو سلطوي أو حزبي أو طائفي ، لم تجامل الحكومة وسلطاتها واحزابها وميليشياتها ، لم تخش الإرهاب وتهديداته ، كما استهزأت بصلف الحكومة السابقة واستهانتها بالإعلام والدستور والديمقراطية ، أبت ان تنحني لقرارات المنع والتجنيد أو الشراء ودخول بورصة العقود والصفقات المليونية ، تحت عناوين الحملات الإعلانية ..الخ .
البغدادية رفضت كل ذلك وتبنت منهج الإعلام الحر الشجاع ، المخلص للشعب والمتصدي ببسالة عالية للفساد والإنحراف والإرهاب ولكل ماهو سلبي ، وتبنت صرخات
وآلام قطاعات واسعة من الجماهير العراقية ودافعت عن حقوقهم ، كما عرّت إخفاقات وفساد أحزاب وشخصيات نافذة ومرعبة في الواقع العراقي الجديد والشاذ أيضا ً.
بإختصار شديد أصبحت البغدادية عبر ساعات بثها اليومي وخطابها الوطني ، تشكل تيارا ً شعبيا ً مطلبيا ً يتفوق على كل أنشطة الأحزاب السياسية مجتمعة ، وماكناتها الدعائية المتخلفة إعلاميا ً ..!؟
أصبح المسؤولين العراقيين وبكافة تصنيفاتهم وعناوينهم يخافون البغدادية ويحذرونها ، لأنهم يجدون فيها أداة نقد وتعرية وجلد للفاسدين وسراق المال العام، ولاتخشى بالحق لومة لائم ، بل صارت العديد من الإحتجاجات الشعبية والمطالبات بالحقوق ، تتجه للبغدادية ونفوذها وقدرتها الفضائحية في كشف زيف وإنحرف المسؤول ، وصار أسم الدكتور عون حسين الخشلوك وانور الحمداني ، تتردد مع نداءات الناس المتوجهة للحكومة أو البرلمان أو القضاء .
البغدادية إنموذج شجاع صار يحتذى ويقلد من قبل البعض الآخر ، أنه إعلام يصلح لزمن الخوف والديمقراطية والفساد .