عدنان حسين
ليس معقولاً أبداً، مرة واثنتين وثلاثاً وعشراً، بل حتى ينقطع النفس، أن تظلّ بغداد محكومة بالأشغال الشاقّة المؤبدة في ظل النظام السياسي الحالي الذي ترك عاصمتنا ترزح تحت حكم ثقيل كهذا لم يجرؤ حتى نظام صدام، على سوئه الشديد وعداوته المستحكمة للمدنية، أن يفعل ببغداد ما يجري فيها الآن.
يتبدّل أمين بغداد، ويتغيّر محافظ بغداد ومجلس المحافظة، وتتجدد الآمال مع كل تبدّل وتغيير بأن يُفكّ إسار العاصمة ويُطلق سراحها، ولا يحدث شيء، فيضرب الإحباط واليأس أهل بغداد وزوّارها ويأكلهم الحزن على مدينة عظيمة يذوي جمالها ورونقها اليوم بعد الآخر وتكاد أن تسلم الروح بعد معاناة شديدة الوطأة وطويلة الأمد مع مرضها ومع القيّمين على أوضاعها.
غير معقول وغير مقبول أن تبقى بغداد مطمورة بالأزبال على هذا النحو.. غير معقول وغير مقبول أيضاً أن تظلّ أرصفة شوارعها مُحتلة من الباعة الثابتين والمتنقلين لا يتركون مجالاً لسائر على قدميه أو متبضع .. غير معقول وغير مقبول كذلك أن تتغاضى أمانة بغداد ومحافظة بغداد ومجلس محافظة بغداد ودوائر الصحة في بغداد ووزارة الصحة بقضّها وقضيضها عن هذا الفتك المروّع بالصحة العامة.. مطاعم بغداد غير صحية وكذا مقاهيها.. بل إن الأكل غير الصحي، ولا تردد في القول بانه ملوّث، يُباع في شوارع بغداد ودرابينها وساحاتها مكشوفاً للغبار والملوثات والحشرات في عربات تجوب قلب العاصمة وضواحيها أمام أبصار مسؤولي الصحة والأمانة والمحافظة!
الأمور على صعيد النظافة والصحة تسير من سيئ الى أسوأ في بغداد، فذبح الحيوانات يتمّ على الأرصفة وفي الساحات، وبيع اللحم يجري في محال غير مستورة، بينها وبين الشروط الصحية طلاق باتّ وبائن، فيما تحظى الأحذية مثلاً بمعاملة فخمة في الفاترينات الزجاجية ناصعة الشفافية!
والآن فان بعض أحياء العاصمة يتحوّل الى مراعٍ للماشية.. الرعاة يهشّون أغنامهم وماعزهم وسواها من مزبلة الى مزبلة عبر الشوارع والأزقة، فتُصبح قطعانهم وتُمسي مصدراً للأمراض والأوبئة وللروائح الكريهة، وللمزيد من الأزبال (مخلفات هذه القطعان المنثورة على الأرصفة وفي الدرابين) .. الماشية في بغداد تتغذى على أكوام النفايات، واللحم الذي نأكله في بغداد تدخل هذه النفايات في تكوينه!
يا لفخرنا بعاصمتنا في عهدنا هذا، ويا لسعادتنا في بغداد التي نتغنى بتاريخها المديد ونباهي بمجدها التليد.
يا لسعادتنا بالأمناء والمحافظين وأعضاء مجالس المحافظة والأمانة الذين تعاقبوا على كراسي الحكم في بغداد فجعلوا منها العاصمة الأوسخ في العالم ومن أهلها السكان الأقل سعادة بين سكان عواصم العالم!