رحل بدون وصية
وكانت الإجابة بطبيعة الحال سلبيّة، خصوصا أن الكثير من الفنانين حضروا تشييع جنازة الفنان سامي العدل الذي توفي في اليوم نفسه الذي رحل به الشريف (الجمعة9-7-2015) والفارق،في المنجز الفنّي، بين الاثنين كبير، فإذا تغاضينا عن حضور الشريف في السينما العالمية فلا يمكن تجاوز أنه حصل على جائزة “كولدن كلوب” ثلاث مرات والممثل العربي الوحيد الذي رشح لنيل الأوسكار عن إدائه لدور الشريف علي في “لورانس العرب” في العام1962 !
وإذا عرفنا أن الثاني منتج وله شركة إنتاج سينمائي بطل العجب! بينما ذهب الأول إلى دار حقه مكللا بمجد سينمائي عالمي لم يحققه ممثل عربي، لكنّها المحاباة، والمصالح، والمجاملات التي ليس للشريف منها نصيب، وكذلك أحمد رمزي بعد أفول عصر السينما الحقـيقيّة، ودخول عصر سينما “الوجبات السريعة”! فانزوى جانبا، ليرحل بهدوء، ولـو لـم يترك أحمد رمزي تلـك الوصيّة لما حضر جنازته أكثر من الذيـن حضروا، ويبدو أنّ الشريـف توصـّل إلـى هـذه النتيجة، لكنّ “الزهايمـر” عاجلـه وحـال بيـنه وبين كتابـة وصـيّة مشابهة لوصيّة صديق دربه !
تنكر الجمهور له
لم أفاجأ بموقف الفنّانين، فهذا أمر متوقّع من وسط فنّي تتسم علاقاته الاجتماعية بالهشاشة، وتسودها المصالح، ولم أتوقع من الدولة أكثر مما فعلت بحضور وزير الثقافة عبدالواحد النبوي وأشرف زكي نقيب المهن التمثيلية، للظروف الحرجة التي تعيشها مصر، لكنّ أعتب على الجمهور الذي أمتعه الشريف بأعماله السينمائية، كيف تنكّر له؟ بينما ودّع المغنية الإيطاليّة المصريّة الأصل (داليدا) التي قضت منتحرة في 3-5-1987 بجرعة زائدة من الأقراص المهدئة، بالحفاوة نفسها التي ودّع بها جمال عبدالناصر!!!
استغلال سياسي لنجوميته
فحتى الجمهور ، كما يبدو، اختلف، وطحنته مشاكل الحياة اليوميّة، وانصرف عن صنّاع الجمال في الشاشة الفضّيّة!!
لقد عاش عمر الشريف حياة واسعة، ملؤها”الصخب”ولم تكن الطرق مفروشة أمامه بالرياحين، وقد حدّثني الكاتب محفوظ عبدالرحمن، خلال جلسة معه في أحد مقاهي”مسقط” عن دعوة عشاء وجّهها له في باريس، وكان بصحبة مخرج، لا يحضرني اسمه الآن، عن ألمه الشديد، واستيائه، لأن المخرج مصطفى العقّاد، لم يسند له دور “حمزة بن عبدالمطلب ” في فيلم”الرسالة” الذي أنتج في العام 1973 ، وذهب الدور لأنطوني كوين، وقتها كان الشريف يمرّ بظروف صعبة، وكان بأحوج ما يكون إلى العمل، وهو ما دفعه إلى القبول بأدوار سبّبت له مشاكل، مع وسائل الإعلام العربيّة في قمّة الصراع العربي –الصهيوني، ويبدو أنّ العديد من الجهات استغلّت نجوميّته لصالحها، فقد كشف عن مهمّة كلّفه بها الرئيس الراحل أنور السادات، كما نشر موقع قناة “المنار” اللبنانيّة، وهي اتصاله بالرئيس الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيجن في ذلك الوقت، من هاتف السفارة المصرية بباريس، وأبلغه أن الرئيس أنور السادات يرغب في زيارة إسرائيل، وكان رد بيجين وقتها “إذا جاء السادات سأستقبله كالمسيح”. .
مذكرات فاتن حمامة
ودفع ضريبة عالم الأضواء، في هوليوود، والشهرة الواسعة، التي داهمته فجأة، ونغّصت عليه حياته الشخصيّة، فخسر صحّته، وفقد فاتن حمامة بعد انفصالهما، ليعيش السنوات الأخيرة من عمره وحيدا، في أحد فنادق القاهرة، محاطا بغبار مجد كان ذات يوم هالة ضوئيّـة تحيط بـه، تستفزّ كاميرات مصوّري وكالات الأنباء العالميّـة، ومراسليها، وعلى الر غم من أنّ الهالة ظلّت تلازمه حتى أيّامه الأخيرة، لكنّها لم تكن هذه المرّة مثلما كانت في سنوات مجدّه، وقبل أسابيع تابعت مذكرات فاتن حمامة وسيرة حياتها التي نشرتها صحيفة”الشرق الأوسط”، وقد تحدّثت في الحلقة الأخيرة عن رحلتها مع الشريف، وكيف سرقته أضواء السينما العالميّة منها ، إذ تقول بمرارة”الذين اعترضوا على تضحيتي الهائلة من أجل يوم قررت أن أتزوج عمر كانوا قد أصبحوا للأسف شامتين في ويهمسون هذا جزاؤك، لأن الذي ضحيت من أجله قد هجرك، فالمجد عنده أعز منك، ويدعمون نصائحهم بالأسانيد، (التحقيقات الصحافية المصورة الوافدة من الخارج التي تظهر عمر في مغامرات غرامية مزعومة مع بطلات أفلامه)، في لقطات ليست من أفلامه ولكن في أوقات الفراغ اختلستها العدسات له وهو يلف ذراعيه حول البطلة ويضمها إليه أو وهو يعبث بقدمه في ساقها، وكنت دائما أدافع عن عمر كما تعودت دائما وأيضا في الواقع كنت أدافع عن نفسي وكياني وبيتي الذي توشك أن تطيح به العواصف، ولكنه كان دائما دفاعا بلا طائل فأقرب الناس إلي كانوا لا يصدقون ولا يرحمون”
وتضيف ” عندما كنت أقابله كان يتلاشى منه كل جبروت المجد الذي حققه ويبدو أمامي عمر الشريف الذي خفق قلبه بعنف منذ أول لقاء له معي، عمر الشريف الذي ساعدته، وساندته حتي أصبح أهم ممثل في مصر، والعالم العربي، وكنت أستغل اللقاء لأمارس عليه كل سلطان الحبيبة وكل سلطان الزوجة فأناقشه وأحاسبه، وأسأله، وأعاتبه”
لم يكتب مذكراته
وقد شاهدت أواخر الثمانينيات حوارا تلفزيونيا أجراه الإعلامي العراقي د.سعد المسعودي للتلفزيون العراقي تحدّث خلاله عن حمامة بكلّ رومانسية، وعلمت من المسعودي الذي ارتبط معه بعلاقة شخصية حينما كان يقيم بباريس أنّه طلب منه ،قبل بدء تسجيل الحوار عدم التطرّق لعلاقته بفاتن حمامة، كونها على ذمّة رجل آخر، لكنّ المسعودي استدرجه بالحديث، وسأله عنها، فأجابه، وبعد انتهاء الحوار أجهش بالبكاء!!
وللأسف لم أعثر على خبر يشير إلى إنّه كتب مذكّراته، أو دوّن سيرته، وهذا يعني ضياع الكثير من تفاصيل تلك الحياة الصاخبة التي انتهت بجنازة متواضعة لتطوى آخر صفحة من صفحات حياة نجم سينمائي سطع عالميّا، ورحل بهدوء في زمن لم يعد زمنه!.