بقلم: عبدالله المحمود
من يتجول في شوارع العاصمة العراقية بغداد هذا اليوم سيخيل إليه وكأن جيشا معاديا على وشك أن يغزوها في الصباح ويطيح بكرسي الحاكم بأمره. انتشار القوات الأمنية لم يسبق له مثيل.. فلا تكاد تخلو عشرة أمتار من مدججين بالسلاح.. يذلون الناس ويهينونهم ويحصون عليهم أنفاسهم، وأسماؤهم وعناوينهم، وألقابهم، ومحال سكناهم، ومسقط رأسهم، وأرقام سياراتهم، ومن أين جاءوا، والى أين يذهبون، واين ولدوا، واين سيموتون..! ترصدوا كل قادم الى بغداد وكل خارج منها وكل من تحرك فيها أو تجول في أزقتها، حتى تحولت عاصمة الرشيد الى سجن كبير ومقبرة أحياء تفوح منها رائحة الشر والكيد والمكر.. ومن كان شكله أو لقبه أو وجهته مثيرة للشكوك تم اعتقاله وألقي في غياهب السجون، بل حتى هواء بغداد توقف عن الحركة، ومياه دجلة تثاقلت في جريانها..! لماذا كل هذا؟ لأن أبناء محافظة الأنبار العراقية فكروا أن يصطحبوا في أيديهم سجادات الصلاة ثم يتوجهوا ليؤدوا ركعتين في مسجد إمامهم أبو حنيفة النعمان، إمام مذهبهم..!! بل ودعوا المرجعيات الشيعية لمشاركتهم في هذه الصلاة..! لكن القائم في حصن المنطقة الخضراء، وجميع أعضاء حزبه، أصيبوا برعب لم يصابوا بمثله من قبل، وتخيلوا ان وصول المصلين السنة الى بغداد ستعني نهاية حكمهم وسطوتهم وجبروتهم، فبثوا في منافذ العاصمة وأحياءها كافة أدوات الرعب ليمنعوا أي مصلّ من خارج بغداد من (التسلل) في جنح الليل والوصول الى (هدفه) مسجد الامام أبو حنيفة النعمان في الأعظمية، ثم بسط سجادة الصلاة وأداء ركعتين..! مع إشراقة شمس هذا اليوم، سيفرح الحاكم بأمره برؤية شوارع بغداد فارغة من [الأعداء]، وسيظن أنه انتصر في [معركة] صد المصلين عن بلوغ غاياتهم.. لكنه لايدري أنه وقع في الفخ الذي وقع فيه كل طاغوت ومستكبر عبر التاريخ. فعندما يخاف الحاكم من شعبه الأعزل ويمنعه حتى من الصلاة، فقد أذنت ساعة رحيله، أما قرأتم قوله تعالى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها).. لا أحد أشد ظلما ممن منع الذاكرين لله أن يصلوا الى مساجدهم.. ومن استحق وصف الظالم الأعظم فقد حق عليه غضب من الله ولعنة.. وما له من الله من عاصم..! وإن نجح المالكي هذا اليوم في منع المصلين من وصول مساجدهم فمن سيمنعهم يوم غد، أو بعد غد، أو بعده؟؟.. ماذا لو كرروا رغبتهم هذه كل أسبوع.. وماذا لو تنوع نوع التحدي للوصول الى جامع شيخ السنة عبدالقادر الجيلاني، أو الى الشيخ معروف الكرخي، أو الى قبر الامام الغزالي، أو الى المدرسة المستنصرية (التي بناها الخليفة السني المستنصر بالله)، أو الى القصر العباسي (الذي بناه الخليفة السني الناصر لدين الله)، أو حتى مجرد الوصول الى شارع (الرشيد) للاحتفال بذكرى حاكم بغداد السني (هارون الرشيد).. هل ستكون جميعها من المواقع المحرمة..؟!! وهل سينشر المالكي مليون جندي في بغداد كل يوم ليمنعوا أهلها من أداء الصلوات؟ لقد كانت ضربة موفقة جدا من قادة لجان الاعتصام في ساحات العز والكرامة عندما [هددوا] المالكي بالصلاة في مقر سطوته.. فقد نجحوا في نقل المواجهة السلمية الى ساحة الخصم وعقر داره بعد أن كان يراهن على (نسيانهم) وإهمالهم في صحراء الأنبار، وأجبروه على ردود أفعال جنونية تدل على عمق خوفه وانكشاف عورته، فأصيب (دولته) بأشد حالة رعب عرفها في تاريخه غير المشرف.. وإذا كانت صلاتنا لوحدها قد فعلت كل هذا.. فبشائر النصر قد لاحت..!