اصلاحات العبادي تدمير للكفاءات والطاقات الوطنية! وزارة حقوق الانسان نموذجا
آخر تحديث:
يوسف صادق الماجدي
عندما استحدثت وزارة لحقوق الانسان في العراق، بعد سقوط الدكتاتورية، تم تعيين المئات من اصحاب الشهادات العليا، من شهادة بكالوريوس فما فوق، كموظفين فيها، تم خلال عمر الوزارة، ايفاد العشرات منهم الى مختلف دول العالم المتقدم ( كأستراليا، وسويسرا، والسويد وبريطانيا، وغيرها من الدول) للتدرب على المواضيع والامور التي تخص حقوق الانسان، لافتقار البلد لكوادر ومختصين بشؤون حقوق الانسان في البلد، في عصور الانظمة التي كانت تصادر اساسا حق الانسان العراقي في الحرية حتى في الحياة. لقد صرفت الدولة على هؤلاء الموظفين اموالا طائلة، تقدر بعشرات الاف من الدولارات، لتأهيل هؤلاء الموظفين، على ما ذكرناه اعلاه، كما اقيمت دورات متعددة داخل العراق للعديد للموظفين، والتي تخص المواضيع المنوه عنها. في الحقيقة اصبحت لدى الوزارة طاقات كبيرة وكفاءات متميزة في مجال كان البلد يفتقر اليه. لقد اصدر العديد من هؤلاء الموظفين مطبوعات كثيرة تخص ثقافة حقوق الانسان، وكتبوا دراسات مستفيضة عن هذا الموضوع، وشاركوا في العديد من المؤتمرات المحلية والدولية، قدموا خلالها دراسات وبحوثا ومواضيع، تفضح في متونها الاساليب القمعية التي كانت تمارس ضد الانسان العراقي في عهود الانظمة الدكتاتورية، بذلك اغنوا المكتبة العراقية والمكاتب الدولية بتلك النتاجات الفكرية، كما اسهمت كوادر الوزارة الذين استقوا خبراتهم ومعلوماتهم من خلال الدورات التي شاركوا فيها، ولهم الفضل الكبير في مجال اكتشاف القبور الجماعية، سواء من ضحايا النظام الدكتاتوري او من ضحايا الارهاب، وقاموا باستخراج رفات الضحايا بطريقة فنية علمية، كما اسهم موظفو الوزارة في متابعة قضايا ومشاكل الاقليات في العراق، لقد اصبح لدى الوزارة خزين كبير من الخبرات الوطنية في مجال حقوق الانسان ولأول مرة في تاريخ العراق الحديث.
بعد كلما تقدم، بدأ السيد رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، اصلاحاته، بالغاء هذه الوزارة بجرة قلم، مما ولد استغرابا كبيرا لدى موظفي الوزارة والعديد من المهتمين بقضايا حقوق الانسان، والغريب في الامر هو ان هؤلاء الموظفين وعددهم يزيد على الاف، بقوا لمدة اشهر معلقين لا يؤدون اي عمل وهم حائرون بمصيرهم ومصير السنوات التي قضوها في التدريب من خلال الايفادات، التي شاركوا فيها، وقاموا بتقديم الدراسات والبحوث التي تخص مجال عملهم، كل تلك الانجازات ذهبت ادارج الرياح، فداءا للاصلاحات المزعومة، لا ندري من الذي قدم هذه النصيحة الخائبة للسيد العبادي لتكون هذه الوزارة كبش فداء للأصلاحات! دون تروي وتمحيص، وهذا القرار يدل على التخبط والعشوائية في قررات السيد العبادي، والا فما هو نوع تقليل النفقات وتقليص الترهل، وموظفوا الوزارة الملغية، يتقاضون رواتبهم وهم ممنوعون من اداء اي عمل؟ يضاف اليهم الوكلاء والمديرون العامون، والمصيبة الثانية، انه بعد تشكيل لجنة لتوزيع هؤلاء الموظفين، رفضت مفوضية حقوق الانسان عن استيعاب هؤلاء الموظفين الكفوئين واختارت عددا محدودا منهم، بذريعة عدم توفر الاموال والدرجات، وضحت بكل هذه الطاقات والكفاءات والخبرات المتراكمة على مدى اكثر من عقد من السنوات، والتي كانت ستسهم في تنشيط عملها، الم يكن بالامكان من مجلس الوزراء الموقر ان يصدر قرارا من خلال مجلس النواب بالحاق كادر الوزارة باكملهم لمفوضية حقوق الانسان؟.
في الاسبوع الماضي تم توزيع المئات الاخرين من موظفي الوزراة الى دوائر وزارة العدل (كالتسجيل العقاري، وكتاب العدول، والتنفيذ وديوان الوزارة) تصوروا ان الموظف الذي قضى ردحا طويلا من العمل واكتسب خبرات كبيرة في مجال عمله، يصبح كاتبا بسيطا في تلك الدوائر! ليس لديه اية خبرة يقدمها لدائرته الجديدة، اما العشرات الذين نقلوا الى ديوان الوزارة، فالوزارة حائرة بأمرهم حيث يقضون معظم اوقات الدوام واقفين على ارجلهم في ممرات الوزارة لعدم وجود اماكن تستوعبهم، ولا حتى كراسي يجلسون عليها! هل هذا هو اصلاح ام تدمير لطاقات وكفاءات واصحاب شهادات عليا؟ ان كل انسان حريص على حاضر ومستقبل بلده، يسمع بقصة ضحايا الاصلاحات من موظفي وزارة حقوق ينتابه شعور بالمرارة لما وصلت اليه الامور في بلد المؤسسات والحضارات.
السؤال الاخير الذي يطرح نفسه على السيد العبادي، ماذا جنت الدولة من هذا الاجراء؟ الموظفون توزعوا على بقية دوائر الدولة بنفس رواتبهم ودرجاتهم، الوزير جالس في بيته يتقاضى راتبا تقاعديا محترما جراء خدمته لمدة عام واحد فقط! وكافة ممتلكات الوزارة والبنايات المستأجرة والعجلات ذهبت ملكيتها الى الدوائر والوزارات الوريثة غير الشرعية للوزارة المنكوبة! فأين الاصلاح من مثل هذا القرارات ياسادة ياكرام؟ الا يوجد ولو نائب واحد في البرلمان المشغول باكثرية اعضائه بامتيازاتهم ورواتبهم عدا الاخرين الذين لا يداومون ولا يؤدون واجباتهم اصلا، كما هو معمول به في سائر دول العالم الديمقراطي المتحضر، اقول الا يوجد نائب يطرح سؤالا على السيد العبادي عن سبب اهادره لهذه الطاقات الوطنية الكفوءة؟ واخيرا اضم صوتي الى صوت موظفي وزارة حقوق الانسان المغدورة واقول:انا لله وانا اليه راجعون.