عندما تضع الدول الكبرى خطط جديدة لإجلاء مئات الآلاف من رعاياها العاملين ، أو السياح ، في منطقة الخليج العربي ، تحسباً لنشوب حرب مع إيران لان هذه الخطوة تعتبر مؤشراً واضحاً على إن احتمالات هذه الحرب ، اكبر بكثير من احتمالات السلام.
فالقرارات في الدول الغربية ، وأمريكيا على وجه الخصوص لا تُتخذ بطريقة انفعالية ، أو مزاجية ،وإنما بناء على معطيات راسخة ، وخطط مدروسة ، وربما يفيد التذكير في هذا المضمار ، بخطوة أمريكية مماثلة جرى اتخاذها قبيل الحرب الأمريكية البريطانية على العراق في كانون الثاني عام 1991 إي حرب الخليج الأولى ،حيث جرى ترحيل جميع الرعايا البريطانيين ، لتفتح بعدها أبواب جهنم على العاصمة العراقية بغداد والمدن الأخرى، وبقية القصة معروفة.
الحكومات المنتخبة في الدول الديمقراطية تولي اهتماماً خاصاً بأرواح رعاياها ، وتأمين سلامة مواطنيها لان هناك من يحاسبها ويسقطها من الحكم في حال إي تقصير ولهذا لم يكن مفاجئاً إن تتضمن خطط إجلاء الرعايا , هذه من دول الخليج خصوصاً حيث الكثافة الأكبر أقامة محـــطة تجمع في سلطنة عمان بعد نقلهم براً، وتخصيص سفن سياحية وحربية تتواجد في خليج عدن لتكون بمثابة فنادق عائمة لإيواء هؤلاء ، إلى جانب فتح مطارات إضافية في مناطق آمنة.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه العجالة هو عن أرواح المواطنين الخليجيين , ( والمقيمين العرب والأجانب الآخرين ) الذين قد تتحول بلدانهم إلى ميادين للمواجهة في حال اندلاع هذه الحرب ، وهدف للآلاف من الصواريخ الإيرانية من مختلف الأوزان والأحجام والمدى.
وما ذكرته وثائق موقع ‘ويكيليكس’ حول ممارسة الحكام الخليجيين السعوديين والقطريين ضغوطاً على الولايات المتحدة وبريطانيا للتسريع بتوجيه ضربات لتدمير المنشآت النووية الإيرانية مثلما حدث للعراق ما بين أعوام 1991 و2003.
صحيح إن الإدارة الأمريكية زودت بعض دول الخليج ، وخاصة الكويت، والبحرين، ودولة الإمارات ، ببطاريات صواريخ باتريوت للتصدي لأي هجمات صاروخية إيرانية انتقامية ،
ولكن مثل هذه البطاريات ثبت فشلها في التصدي إلى 39 صاروخاً أطلقها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كرد على قصف بغداد عام 1991 ، ولو كانت هذه الصواريخ تحمل رؤوساً كيماوية ، أو بيولوجية ، لربما غيرت مسيرة الحرب ، وأعادت رسم خريطة المنطقة بصورة مغايرة لصورتها الحالية.
وصحيح أيضا أن الولايات المتحدة ستبيع لهذه الدول ما قيمته لعدد من مليارات الدولارات من الأسلحة، ولكن ما فائدتها أذا كانت هذه الدول عاجزة عن الدفاع عن نفسها دون الاستعانة بالقوات الأجنبية.
هناك شبه إجماع في أوساط معظم الخبراء الاستراتيجيين في الغرب بان الحرب القادمة ، في حال اندلاعها ، ستكون مختلفة عن جميع الحروب الحالية والسابقة ، من حيث نوعية الأسلحة التي ستستخدم فيها أولا ، وصعوبة حسمها بسرعة ثانيا ، واستحالة التنبؤ بموعد انتهائها أو النتائج التي يمكن أن تترتب عليها إقليميا ودوليا ثالثا.
الإسرائيليون هم المحرض الأكبر، إلى جانب بعض العرب ، على الحرب ضد إيران ، تماما مثلما كانوا المحرض الأكبر على العــدوان العسكري على العراق. ويتولى حلفاؤهم في الولايات المتحدة تقديم المبررات التي يعتقدون أنها مشروعة وضرورية لإقناع الإدارة الأمريكية بخوض حرب ثالثة .
( الأولى ضد أفغانستان والثانية ضد العراق ) لتغيير النظام في طهران ، وإنهاء طموحاته النووية وهي في مهدها.
وإذا كان وزير الخارجية الإسرائيلي هو الممثل الحقيقي للغالبية العظمى من الإسرائيليين ،
حيث يقول دائما في العلن بما يبطنون في السر، فان توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق هو الناطق الرسمي غير المتوج للمخططات الغربية، والأمريكية خاصة ، في منطقة الشرق الأوسط .
قادة الحكم في إسرائيل قالوا إن أسباب وظروف الحرب الأخيرة ضد العراق ، انه يعتبر إيران الحالية أكثر خطرا من نظام صدام حسين عام 2003،
وانه لو كان في السلطة ،
لما تردد في خوض حرب لتغيير النظام فيها وتدمير منشآتها النووية.
والأخطر من ذلك أن بلير ( صديق العرب الخليجيين ) قال في مقابلة مع قناة عربية بثتها أخيرا لمناقشة مذكراته ، انه لم يندم ، ولو للحظة ، على استشهاد مليوني عراقي في الحرب الأخيرة ، ووجد إن ترميل مليوني امرأة وتيتيم أربعة ملايين طفل عمل مبرر إذا كان الثمن هو تغيير النظام في بغداد.
قيمة المواطن العربي، من دول الماء كان أو النفط ، أو الصحراء ، تساوي صفرا في نظر هؤلاء الذين يخططون للحروب وينفذونها في عالمنا الإسلامي ،
ولا نعتقد إن بلير وشركاءه سيذرفون دمعة واحدة إذا ما حصدت الحرب التي يحرضون على إشعال أوارها أرواح مئات الآلاف من العرب والمسلمين.
الزعماء العملاء ، باتوا مرعـــوبين من مجــرد ذكر خـــوض حــــرب ضد إسرائيل ، لتحرير المقدسات ، واستـــعادة الكــــرامة المهانة ، ويؤكـــدون دائـــما، خاصــة الدول القريبة إلى الكيان الصهيوني ،
حرصهم على أرواح مواطنيهم ،
وهـــو حرص مفهوم ، ولكنهم لا يترددون لحظة في خوض حـــروب أمريكا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، والتضحية بأرواح مواطنيهم، ومستقبل بلدانهم ، وهم يعلمون في قراره أنفسهم ، أن الهدف من هذه الحروب الأمريكية هو الحفاظ على إسرائيل دولة إقليمية نووية عظمى في المنطقة .
قبل 23 عاما ، وبعد غزو العراق للكويت ،
ازدحمت شوارع نايتسبردج وادجوار رود في قلب مدينة لندن بحوالي مئتي إلف كويتي لجئوا إليها للنجاة بأرواحهم ، ولن نستغرب ان يتضاعف هذا العدد عدة مرات في حال اندلاع حرب جديدة في الخليج ، حيث لن يكون الكويتيون وحدهم اللاجئين هذه المرة.
مؤشرات العام الجديد 2013 لا تبشر بالكثير من الخير قد تستطيع أمريكا تغيير الأنظمة ، أو بعضها لأنها تشكل خطرا على هيمنتها والغطرسة الإسرائيلية ، ولكنها حتما لا تستطيع ، تغيير الشعوب ، التي ستغير في يوم ما معادلات القوى لمصلحتها ولمصلحة قضايا الأمة .
وكل عام وانتم بخير.