اضحى تسخير موارد الدول العربية المهيمن عليها لحرب طويلة الامد تستنزف المجتمع والمال العام والقيم والأجيال كما في العراق وسوريا يعد مسجل خطر ينذر بتمحور طائفي سياسي يقود العالم العربي الى الفناء البشري ..
ينزلق العالم العربي إلى الفوضى الطائفية , ويخوض حزمة حروب متعددة مركبة وسيالة , تستنزف الدول والمؤسسات والاستثمار ألقيمي والحضاري , ونشهد اليوم هدم منظم للنظريات السياسية , ومرتكزات القانون الدولي , ومعايير الامن والسلم , وتبرز ظواهر الفتك الطائفي والضخ الايديولوجي العابر للدين والمنظومات القيمية والثوابت الوطنية , الذي يؤسس لحرب المائة عام , وباستخدام السلاح السري الفتاك ” حرب الهويات الفرعية ” وأضحت شلالات الدم وإزهاق الأرواح والترويع والإرهاب الطائفي سمة هذه الحروب , بل وحزامها الناقل لفناء الشعوب العربية , مع شياع ظواهر الارهاب التجاري الداعم للحرب المجتمعية الناعمة , ولعل المتغير المثير للجدل هو التغول الايراني وتصدير ثورة الملالي الى الجوار العربي , وباستخدام التشييع السياسي الزاحف للسلطة , ويبدوا أن انفرط النسق الدولي والانفلات القانوني وسوق الحرب كان السبب الرئيسي في حروب الدم , وهاهي هي كرة الثلج الطائفية تكبر بشكل متسارع في ظل بروز ظاهرة وصول المليشيات الطائفية المسلحة للسلطة وممارستها الارهاب والترويع والقتل الطائفي على الهوية , واضحى تسخير موارد الدول العربية المهيمن عليها لحرب طويلة الامد تستنزف المجتمع والمال العام والقيم والأجيال كما في العراق وسوريا يعد مسجل خطر ينذر بتمحور طائفي سياسي يقود العالم العربي الى الفناء البشري .
صناعة الطائفية في العراق
غامرت ادارة بوش الابن بتفكيك معادلة التوازن العربي الإقليمي بتهديم العراق البعد الصلب في التوازن , والذي كان بمثابة صمام الأمان الاستراتيجي , ومرتكزا أساسيا في الأمن والسلم الدوليين , وأنتجت ادارته سلطة طائفية بغالبية ايرانية , وعلى ركام الحرب والغزو الغير شرعي , وعبر بول بريمر الذي كان يرأس شركة استشارية للأزمات تابعة لشركة ” مارش وماكلينان ” وهي شركة تقدم خدمات في مكافحة العنف والإرهاب , وقد عمد على تفكيك الدولة العراقية والقوات المسلحة ليحل بدلا منها المرتزقة وشركات الامن الخاصة لجني الاموال الشخصية , بما يخالف اتفاقيات جنيف والقانون الدولي , وقد ارتكب خطيئة سياسية وقانونية وأمنية كبرى , وتعدى ذلك ديفيد بترايوس الذي اشاع مظاهر الفتنة والتعذيب الطائفي الممنهج ضد الشعب العراقي , وقد كُشفت قناة البي بي سي والغارديان النقاب عن وجود صلة لوزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون ) بمراكز اعتقال وتعذيب في عام 2004 يعتقد أنها كانت من الأسباب التي هيأت لحرب طائفية واسعة النطاق في العراق[1] , وتخلص الشهادات التي تضمنها الفيلم الوثائقي إلى أن محصلة تشكيل القوة شبه العسكرية في العراق وتسليحها (فرق الموت الطائفية) كان إطلاق العنان لقوة فتاكة استخدمت التعذيب الطائفي منهجا لها , وعملت على إشعال حرب الابادة الطائفية التي أودت بحياة ملايين من الضحايا والمهجرين قسرا ومن مكون العرب السنة , ففي ذروة الصراع الطائفي كانت هناك ثلاثة آلاف جثة تظهر كل شهر في شوارع العراق , وبالتأكيد هدم دولة ومؤسساتها وإشاعة الظواهر الطائفية المسلحة داخل السلطة وخارجها يعد جريمة ضد الانسانية , وهدم للمنظومات القيمية الدولية , وخرق واضح للقانون الدولي , وأصبح الارهاب الطائفي والترويع المجتمعي منهجا يوميا للسلطة في العراق والذي انعش تجارة المليشيات الطائفية والسجون والاختطاف والوشاية الطائفية عبر السلطة ومؤسساتها .
إيران الرابح الأكبر
بلا شك أن إيران هي الرابح الأكبر في لعبة غزو وتدمير العراق , وتهيمن ايران على 85% من العقود التجارية العراقية , وتحتكر 68% من النفط بشكل مباشر وبالتهريب وبالمقايضة , وتسيطر على الأسواق العراقية عبر إغراق السوق العراقي ببضاعتها الرديئة , وتسحب العملة الصعبة من العراق وتفرغه ماليا , وقد جعلته مركزا لتزوير العملات,وتخترق بشكل مزمن امن العراق والمنطقة بالمليشيات الطائفية والمجاميع الخاصة وبخلايا الحرس الإيراني الذي يعمل البعض منها على شكل شركات تجارية وأمنية وسياحية , وتهيمن على الهرم السياسي , أذن ما الفائدة الاستراتيجية من حرب المغامرة بالعراق , وما هو المشروع الذي تحقق أو الهدف السياسي ؟ وقد سلمت اميركا العراق إلى إيران على طبق من نفط دون خسائر إيرانية , والأخيرة استخدمت دماء العراقيين معبرا لأطماعها , وتمارس البلطجة الطائفية يوميا ضد المتظاهرين الرافضين لاحتلالها العراق ونهب ثوراته وقتل ابنائه وسط صمت عربي ودولي سياسي وإعلامي قل نظيره عبر التاريخ الحديث.
حرب الانسلاخ الفكري
تعد منطقة الشرق الأوسط خزين الطاقة وسوق العالم ومركز التلاقح الحضاري , وينظر أليه التجار الأيديولوجيين من زوايا متعددة أبرزها : التبشير الفكري , والتأثير الإعلامي , وسوق المال , وتوريد الطاقة , وأسواق أمنية منتعشة , وكذلك الأهمية الجيوستراتيجية للممرات البحرية الحاكمة , ناهيك عن حجم الحشد البشري المستهلك , وبنفس الوقت يعد مركز الديانة الإسلامية والحضارات العربية , ولعل اخطر ما نتعرض له اليوم هو : ظواهر “الحروب الديموغرافية والانسلاخ الفكري ” والذي أشعلت فتيلها إيران في لبنان والعراق وسوريا واليمن والبحرين والكويت وباستخدام فيروس الطائفية السياسية , وبآليات دموية
“مليشيات وتنظيمات مسلحة وزعانف أيديولوجية تروج أساطير تاريخية وهمية تنخر بها المجتمعات وتنحر المنظومات القيمية ” وتعمل بقوة على تفكيك الدين الإسلامي إلى طوائف ومذاهب محتربة , واعتقد انه “السلاح السري لتفكيك العالم العربي ” وتحقيق حلم الإمارة الإيرانية بالمنطقة وفقا لمشروع تصدير الثورة الإيرانية.
حرب المشاطئة وكماشة التاثير
إيران الفارسية الدولة الطامعة منذ قرون بالعراق وجواره العربي , تمارس غسيل الدماغ الطائفي كوسيلة حربية إستراتيجية , وترفع يافطات طائفية لتصدير مشروع الأمة الإيرانية , وكانت خطيئة غزو العراق قد مكنها من التمدد جنوبا باتجاه الخليج العربي عبر العراق , وتأسيس لرأس جسر ثلاثي معكوس في الكويت والبحرين واليمن الصومال , وغربا الى الاردن ومصر والتغلغل بخلايا نائمة ضمن حرب المشاطئة التي تضمن النفوذ في الخليج والأحمر والمتوسط , وبذلك أصبح العراق منصة لانطلاق مشروع الأمة الإيرانية , وباستخدام ذراع التشيع السياسي المسلح الزاحف للسلطة , وكذلك التنظيمات الارهابية المسلحة , وركوب موجة المتغيرات السياسية في مصر ودول اخرى , ويمكن وصف غسيل الدماغ وشراء عناصر التاثير , وقادة الرأي في العالم العربي, وتطويع الحكومات بكماشة التاثير السياسي الزاحف , ويلاحظ حجم الحرب الإعلامية , وتعدد وسائل الاتصال والتي بلغت أكثر 250 وسيلة اتصال فاعلة تعمل على هيكلة العقول في المجتمعات العربية , وتحرض المجتمعات سلبا ضد دولهم وهذا جوهر الاستهداف في حروب تمزيق للدول العربية.
العراق مسرحا للتصدير
يدخل العراق في شبكة أنفاق مهلكة تستهدف وجوده وهويته ومكانته في ظل التشوه السياسي , وطوئفة القانون الذي يتمترس خلفه الطائفيون الوافدون على بساط الغزو, وهم يشكلون خارطة العنف العراقي الملتهبة , وتؤكد الواقعية السياسية بان لوجود للديمقراطية في العراق الا في افواه حاشية السلطة , ونشهد انسلاخ النظام السياسي العراقي من نظرية الدولة والإجماع الوطني , إلى التسلط الطائفي وتطويع القانون واحتكار السلطة , وطوئفة القوة داخل السلطة وخارجها , وتعاظم مظاهر عسكرة المجتمع , حيث تذل فيه الهوية الوطنية وتتعالى فيه الهويات الفرعية المرتبطة بالخارج , وأصبح العراق يقاد بحكومة طائفية قمعية تمارس القتل خارج القانون بلا رادع , وقد قتلت عشرات المتظاهرين العزل خلال الحراك الشعبي العراقي الذي انطلق نهاية العام الماضي وتخطى 77 يوما , والمطالب أعاده رسم النظام السياسي , وتوطين القوة بدلا من طوئفتها , وتحقيق العدالة الاجتماعية ودولة المواطنة ,وخلافا لذلك فان العراق اضحى مسرحا ايرانيا لتصدير ثورة الملالي الهدامة .
يؤكد الواقع السياسي أن العالم العربي في أسوء أحواله , ويخوض حروب مركبة أفقية وعاموديه في ظل الفوضى الهدامة الزاحفة , ويبدوا أن التجارة الطائفية أصبحت مربحة للمنتفعين وراكبي موجة السياسية الطائفية , والتي تعد “السلاح السري لتفكيك العالم العربي ” وبصماته الرقمية في العراق وسوريا ولبنان والسودان والصومال وليبيا ومصر مخيفة ومرعبة للمتابعين , والمعضلة كما يبدوا في الجري خلف الرغبات والدراسات المجافية للواقع العربي والمنطلقة من اجندات هدامة , ونلاحظ غياب التحسب الاستراتيجي والتقهقر في الحروب الإيديولوجية التي تركت المجتمعات العربية فريسة للتأثيرات الفكرية المنحرفة الوافدة , ونحتاج اليوم إلى استعاده المبادأة وبإرادة صلبة وعقيدة ناجعة , والإيمان بقدسية الفرد وحرمة الدم , وتوعية المجتمع وإدامة التماسك العربي من جديد , وتطوير السلوكيات الذكية التي تحاكي التطور ومظاهر العولمة وتطويعها لخدمة شعوبنا وعدم تركها سائبة , ولابد من تحقيق القدرة العسكرية الدفاعية لتكون عامل ردع ضد الأطماع الإقليمية , ناهيك عن أعاده ترسيخ المنظومات القيمية لمعالجة الهندسة الفكرية المعكوسة التي استخدمت لتفكيك الشعوب والمجتمعات العربية لدوافع سياسية وحربية مخابراتية , ولابد من حملة شاملة لإيقاف النزيف العربي وحشد الموارد والعودة للعقل المسؤول .