الجامعة المستنصرية كنموذج
في عام 1977 كنت قد تخرجت لتوي من جامعة بغداد و حصلت على الدبلوم العالي في التوثيق، و قبل أن ألتحق بالخدمة العسكرية كنت في زيارة إلى الجامعة المستنصرية و بالصدفة صادفت رئيس الجامعة في حينها الأستاذ الدكتور سلطان الشاوي أطال الله في عمره فذهبت للسلام عليه حيث كنت أعرفه من أيام كونه عميداً لكلية الإدارة و الإقتصاد في جامعة بغداد حيث كنت أحد طلبة الإحصاء فيها. و حين سألني الدكتور الشاوي عن أحوالي أخبرته بأني أكملت الدبلوم العالي و في طريقي للجيش فقال: و الله كنت أتمنى أن تبقى معنا لأن كلية الطب بحاجة لتخصصك فقد إتصل بي الأستاذ الدكتور داود الصانع عميد الكلية و طلب شخص بماجستير أو دبلوم عالي في علم المكتبات أو التوثيق، فرددت مازحاً: و الله دكتور أطلب تأجيلي من العسكرية و عيني. و إنقلبت المزحة إلى جد و تعينت في كلية الطب في الجامعة المستنصرية كمحلل أنظمة و مديرا للمكتبة و دار الكتب. و أبتدأت رحلتي مع هذه الجامعة الحبيبة منذ ذلك اليوم. فبعد أن أكملت الدكتوراه في فلوريدا و عدت تم تعييني كمدرس للبرمجة في الجامعة و هكذا إستمرت الرحلة لم يكن هناك إمكانية للوصول إلأى منصب عميد أو رئيس قسم إلا إذا كنت بمرتبة أستاذ، و كانت الجامعة تزخر بالأسماء اللامعة و العلماء الأفذاذ الذين كانت لهم مشاركات معروفة و خاصة في قطاع الإنسانيات الذي تفوقت فيه الجامعة المستنصرية على قريناتها من الجامعات العربية و الشرق أوسطية كان الإنتماء للجامعة المستنصرية فخر لا يستطيع الحصول عليه إي كان، فقط مجموعة من الأساتذة المتميزين الذين يشار لهم بالبنان، فما هو الحال اليوم؟
شكراً للإنترنت التي سمحت لنا بالوصول إلى المعلومات بسهولة و يسر. فتحت موقع الجامعة و دخلت إلى مواقع الكليات للتعرف على السادة العمداء ، فماذا وجدت
ليس هناك عميد واحد بمرتبة أستاذ مطلقا*
ليس هناك عميد واحد، ربما بإستثناء عميد الهندسة يزيد عمره على 45 سنة*
معظم العمداء من أصحاب اللحى*
جميع العمداء من طائفة واحدة حيث أن أسمائهم تدل عليهم*
هذه ليست المستنصرية التي نعرفها، أجل، لكل زمن دولة و رجالُ، و لكن الجامعات هي ليست سوح لإبراز العضلات الطائفية و لا روضات أطفال، إنها سوح للعلم و المعرفة. هل تصدقون أن الجامعة المستنصرية إضطرت لغلق بعض برامج الدكتوراه بعد أن هجرها الأساتذة؟ و هل تصدقون أن معظم أقسام الجامعة، إن لم تكن كلها، تحتوى على أسماء أعضاء هيئة تدريس تسبق أسمائهم “أستاذ دكتور” و لكنهم في الحقيقة يعيشون في الخليج و يدرسون في جامعاته، يعني: أسمهم في الحصاد و منجلهم مكسور كما يقول المثل العراقي. يأتون للجامعة أثناء العطل الصيفية في محاولة للحصول على التقاعد لكي يحول لهم إلى كندا و إستراليا و أمريكا
هذه هي المتنصرية و أكيد بقية الجامعات لا تختلف عنها بشئ: أنه داء الطائفية حين يدخل بلدة يحرقها و لا يترك لها إلا الرماد و الأوساخ