آخر تحديث:
بقلم: علي الكاش
قال رجلٌ لأبي تمّام: لم لا تقول ما نفهم؟ فقال: لم لا تفهمون ما أقول؟”. ( أخبار الظراف).
كما وعدنا الأخوة القراء بأننا في نهاية حلقات الإنتخابات العراقية التي نشرت مؤخرا، سندلو بدلونا في هذا البئر العراقي الوحيد، الذي يكتال منه جميع العراقيين رغم ضحالة وعسر مائه. سنوضح بعض الحقائق للناس، ورأي الكاتب ملزم لنفسه فقط وليس للآخرين، فهو تعبير عما يجول في خواطره من أفكار قد تصح او تخطأ، فنحن لا نكتب معادلات رياضية لا تقبل الخطأ، بل مجرد آراء. سألنا البعض عن المشاركة في الإنتخابات من عدمها؟ ومن ستنتخب لو هُيئت لك الفرصة؟
بلا أدنى شك ان هذه المسألة معقدة للغاية وتحتاج الى التروي، لأن العراقي يشعر كأنه بالع موسا، لا هو قادر على ان يتركة، ولا هو قادر عن إخراجه، ففي كلا الحالتين ستسبب له جروحا كبيرة. لذا ليس من السهل أن تختار من سيقودك، ولأنك أنت الذي أخترت، فليس من حقك ان تلعن ذلك اليوم الذي إنتخبت فيه قائدك، إذا تبين انه خارج المواصفات الوطنية ولم يكن سوى طاغة أو لص أو إرهابي، ولأن الإنتخابات حالة جماعية لا تتوقف عليك فقط، فعذا يعني ان الجريمة جماعية، وانت تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، ناهيك عن المؤثرات الأخرى الداخلية والخارجية. فليس من المعقول ان تستوز الخراف ذئابا لقيادتها، لأن النتيجة محسومة، وهذا ما حصل خلال الإنتخابات السابقة، فقد تعاملت الأحزاب الحاكمة من المواطنين كقطيع لا حق لهم سوى حق الذبح.
سنلقي نظرة موجزة عما جرى في الإنتخابات السابقة.
-
خلال الإنتخابات التي جرت عام 2010 فازت كتلة أياد علاوي، لكن تحولت رئاسة الوزراء الى نوري المالكي في مهزلة قضائية جعلت العراق إضحوكة للعالم، وفي إنتخابات عام 2014 فاز المالكي (بالتزوير)، وأبعد عن رئاسة الوزراء، وسلمت الى غريمه حيدر العبادي.
ما يعني هذا؟ بلا شك هذا يعني ان أصوات الناخبين لا قيمة لها، وليست العنصر الرئيس في إختيار قيادة البلد، إذن لا قيمة للعملية الإنتخابية، ولا تمثل الإنتخابات أي سمة من سمات الديمقراطية، والدستور عاطل عن العمل.
-
جرت في الإنتخابات السابقة حالات تزوير لا يمكن تصديقها، بإعتراف جميع الكتل الفائزة والخاسرة منها، وكانت مفوضية الإنتخابات الفاعل الرئيس في تزوير الإنتخابات لصالح الأحزاب الحاكمة، سيما حزب الدعوة الحاكم. وتمثلت المهزلة بأبشع صورها عندما حقق رئيس الوزراء السابق نوري المالكي 98% من أصوات الناخبين في مناطق حزام بغداد التي هجر أهلها (لحد الآن لم يعودوا لمناطقهم) وحرق بساتينهم وجرفها، وصادرت ميليشياته الأراضي والمعامل والبيوت، ونهبت ممتلكات المواطنين، مع هذا حقق أعلى الأصوات فيها! لكن كيف؟
الجواب عند المفوضية السافلة للإنتخابات.
-
عندما فاز أياد علاوي في انتخابات عام 2010 وحُرم من رئاسة الوزراء، سُئل عن السبب الذي يقف وراء إبعاده؟ فأجاب ان النظام الإيراني رفض ان يتولى رئاسة الوزراء. بمعنى أن نظام الملالي هو من يقرر رئيس الوزراء وليس أصوات الناخبين. وهذا ما قاله بصراحه ووقاحة علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني خلال زيارته الأخيرة للعراق موضحا أن نظامه وحده من يقرر نتائج الإنتخابات القادمة، وهو يرفض ان يتولى الليبراليون والشيوعيون الحكم في العراق، بمعنى فتح الباب أمام الأحزاب الإسلامية الشيعية فقط. فما قيمة صوت الناخب أمام هذه الصلافة الإيرانية؟
-
من المعروف ان رئاسة وعناصر المفوضية السفلى للإنتخابات رُشحوا من قبل الأحزاب الحاكمة وفق نظام المحاصصة الطائفية، وهم يحصلون على إمتيازات لا تصدق، لذا فهو خواتم بإصابع أحزابهم، يحركونهم كما يريدون، لذا ليس من المنطق والمعقول ان لا يميلوا الى أحزابهم ويزورا لصالحهم كما جرى في الإنتخابات السابقة، علما ان الأحزاب الحاكمة رفضت بحزم تغيير رئاسة وعناصر المفوضية وأختيار عناصر مستقلة ونزيهة.
السؤال المثار: لماذا رفضت الأحزاب الحاكمة تغيير رئاسة وعناصر المفوضية على الرغم من الرفض الشعبي لبقائها؟ علما انه تظاهر مئات الآلاف من العراقيين مطالبين بتغييرها. بمعنى ان المفوضية مرفوضة شعبيا، ومرغوبة حزبيا. اي إرادة السياسيين فوق إرادة الناخبين! فكيف يطمئن الناخب لهذا الوضع المزري؟
-
لم يحترم السياسيون في البرلمان والحكومة الشعب العراقي، بل لم يحترموا الدستور ولا القوانين التي صاغوها بأيديهم القذرة الملوثة بدماء وثروات الشعب المنهوبة، فهم يرفضون تشريع كل ما يكشف عورتهم أمام الشعب، فقد رفضوا تشريع قانون من اين لك هذا؟ ورفضوا الكشف عن ذممهم المالية، واجلوا القانون الى الدورة النيابية القادمة. ورفضوا تشريع قانون ازدواج الجنسية لأن معظمهم أجانب، وتؤمن لهم الجنسية الأجنبية الحصانة والفرار من القضاء عند المساءلة.
-
تلعب ما يسمى بلجنة المساءلة والعدالة دورا مشبوها في إستبعاد العديد من المرشحين بحجة إنتمائاتهم الى حزب البعث، بمعنى إنهم يَملون على الناخب شخصيات معينة دون غيرهم، علما ان حزب البعث ليس له أي صوت على الساحة العراقية في الوقت الحاضر، مجرد بعض من المسؤولين السابقين يدلون بتصريحات اعلامية لا صدى لها عند العراقيين، ومع هذا ما زالت هذه اللجنة المشبوهة تتحكم بترشيحات الناخبين. والطريف انهم يستبدلون البعثيين النزيهين ويقبلون ترشيح اللصوص والفاسدين والذين أدينوا من قبل القضاء وحكموا عن جرائهم! ماذا تسمي هذا الوضع؟
-
صحيح ان بعض وجوه الناخبين جديدة على الساحة، ولكن رؤساء الكتل والأحزاب هم هم، لم يتغيروا، وكلنا يعرف ان المرشح الجديد سيكون أسير رئيس حزبه، وينفذ أوامره حرفيا، يعني خروج الأحزاب الحاكمة من الباب ودخولها من الشباك. فاذا خلع رئيس الحزب قناعه، وإستبدله بآخر، هل سيتغير شخصه وشخصيته؟ بالطبع كلا!
-
على الرغم من فضائح السياسين بكل أطيافهم، وإنكشاف عوراتهم أمام الشعب، لكن النفس الطائفي والعنصري هو العامل الفاعل في الإنتخابات السابقة والحالية، صححيح هناك نخبة من المثقفين والواعين، لكن أصواتهم محدودة، وصداها يكاد أن يكون معدوما، في ظل دولة فيها ما يزيد عن خمسة ملايين أمي، كيف لك أن تضمن إنتخابات نزيهة تلعب فيها المواطنة ومصلحة الشعب الدور الرئيس؟
-
ما الذي سيحقق النواب للشعب في ظل ميزانية خاوية، وديوان بما يقارب (130) مليار دولار، وعجز في موازنة عام 2018 بما يقارب (12) مليار دولار في حال إستقرار أسعار النفط الحالية. علاوة على إيقاف التعيينات في دوائر الدولة، وإاقاف النرقيات والعلاوات، وعدم تخصيص أموال لتعمير المناطق المدمرة، وعدم تخصيص أموال لإعادة النازحين والمهجرين الى ديارهم. ولا حلول للبطالة، ولا إعادة تشغيل المعامل المتوقفة عن العمل، وعدم وجود أية إستثمارات داخلية أو خارجية.
-
إستهانة النواب بناخبيهم نحير العقل، فمعظم القرارات المهمة تؤجل من قبل مجلس النواب الى دورات لاحقة في فوضى عارمة، الغرض منها التهرب من المسؤولية، وحتى يعرف الناخب العراقي قيمته عند النواب، اقرأ ما صرح به النائب (صادق المحنا) في 30/12/2017 عن” وجود 100 نائب لم يحضروا أي جلسة لمجلس النواب نهائيا، ورئاسة البرلمان لم تطبق النظام الداخلي فيما يخص الغيابات”. أي ثلث أعضاء البرلمان فضائيين!
-
لم تتغير طريقة الإنتخابات (سانتليغو)، حيث ستبتلع الأحزاب الكبيرة الأحزاب الصغيرة، وستهيمن الكتل السياسية الكبيرة على المقاعد، فكأنك يا ابو زيد ما غزيت. علما ان الإنتخابات أصلا غير قانونية لأنه لا توجد إحصائية عن عدد السكان الحقيقي، ووزارة التخطيط تضحك على الذقون بإعتماد طريقة السلاسل الزمنية، وهي طريقة إفتراضية لتقديرهم لا تصح على العراق. فكيف تحدد عدد المقاعد البرلمانية وانت تجهل عدد السكان؟
-
لا يوجد من يفصل في حالة وجود اختلاف او تزور في نتائج الإنتخابات القادمة، لأن المحكمة الإتحادية مسيسة تماما، وبأمرة السلطة التنفيذية، اعطني قرارا واحدا من المحكمة الاتحادية خالفت فيه السلطة التنفيذية؟ لذا في ظل بقاء نفس الدستور المسخ، ومبدأ المحاصصة الطائفية، وتكرار نفس وجوه الفساد الحكومي، وعدم نزاهة مفوضية الإنتخابات، وتأثير نظام ولاية الفقيه على القرارات الحكومية، وفي ظل تأثير المرجعية الدينية على القرار السياسي والاقتصادي، وفي ضوء تسيس القضاء، من يضمن ان يكون الوضع بعد الإنتخابات أفضل من الوضع الحالي؟
-
أخطبوط الفساد الحاكم أحكم الأمور، وحصن نفسه لأن القرار بيده، لذا بغض النظر عن مستوى المشاركة في الإنتخابات حتى لوكانت 10% فإن نتائجها ستكون ملزمة للشعب، وهذه حالة فريدة في تأريخ الإنتخابات، بمعنى أن تشارك ايها الناخب أو ان لا تشارك فالأمر سيان! وإذا لم تعجبك نتائج الإنتخابات، فإنطح رأسك بأقرب جدار تصادفه!
هل تنتخب ؟ ومن تنتخب؟
طالما ان المشاركة وعدم المشاركة سيان، فإن الذي سيكسبه الشعب في حال عدم المشاركة في الإنتخابات، هو سحب بساط الشرعية من تحت أقدام النواب، لأنه لا يستطيع النواب أن يتحججوا ـ كما يقولوا الآن ـ بأنهم ممثلين الشعب، طالما هم لا يمثلوا الا نسبة قليلة جدا منهم. فهم في هذا الحال يمثلوا من إنتخبهم وليس عموم الشعب. وعلى الصعيد العالمي، فأن الرأي العام العالمي سينظر بعين الإزدراء الى الحكومة والبرلمان، ويعرفوا حقيقة الديمقراطية الممسوخة في العراق.
في ظل وجود أكثر من (7000) مرشح، يقف العراقي مصدوع الرأس من هذه الهجمة الإنتخابية، الكل يحلم يالمنصب، البعض منهم يرغب فعلا بالتغيير، وهذا أمل قابل للتحقيق من عدمه. والآخر يحلم بالمزايا والحمايات والمنطقة الخضراء، والحلم قابل للتحقيق من عدمه. والبعض الآخر من النواب السابقين متمسك بمنصبه، فالحياة في المنطقة الخضراء ومزاياها لا يمكن الإستغناء عنها، فشعاره القتال على المنصب حتى الموت. لذا الكل يحلم بالبرلمان ولكنهم لا يملكون برنامجا واقعيا يمكن أن يوضحوه للناخب، ما عدا كتل لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ممن لها برامج سياسية وإقتصادية واقعية كفيلة بإنقاذ العراق وهو على حافة الهاوية. والحق يقال أن أفضل الشخصيات المشهود لها على الساحة العراقية من رؤساء الكتل هم، السادة خميس الخنجر، فائق السيد علي، يوسف محمد، ومن الوجوه الجديدة التي يمكن الوثوق بها، يحي الكبيسي، فلاح المشعل، احمد الأبيض، القاضي عبد الله العمري، نجم الربيعي، نجاة الطائي، مؤيد الجحيشي، عمر الحميري هادي جلو مرعي وغيرهم. ومن الوجوه السابقة ممن أثبت كفائته صباح التميمي، شروق العبايجي، ناهدة الدايني وغيرهم.
ولو توقفنا قليلا عند محطات ؤرساء الكتل والأحزاب سنجد الآتي:
-
نوري المالكي، طاغية وطائفي لحد النخاع، عميل لإيران، سلم ثلث أراضي العراق لتنظيم داعش الإرهابي، بعد أن أطلق سراح (1200) عنصرا من سجن أبو غريب بإعتراف وزيره للعدل، وضاع في حكمه (800) الف مليار، يده ملطخة بدماء العراقيين المتظاهرين، مريض نفسي ما زال يعيش يعيش ظروف يزيد والحسين.
-
حيدر العبادي: رجل ضعيف وفاشل، لم ينفذ عشر ما أعلنه في خطته الرئاسية، كتحيقق المصالحة الوطنيه، ولم يقم بأي مشروع استثماري، لم يعمر ما دمره في المحافظات السنية، بحجة التحرير، لم يحارب الفاسدين، زاد من ديون العراق جراء القروض الخارجية، لم يتحرر من قيود حزب الدعوة، لم يتخلى عن جنسيته البريطانية، لم يتمكن من لجم أي من زعماء الحشد الشعبي الذي أهانوه وجيشه عدة مرات، تفاوض مع الإرهابيين الذين خطفوا القطريين (حزب الله العراقي)، وتفاوض مع خاطفي الاعلامية أفراح شوقي (عصائب أهل الحق). متردد، ليس له رأي ثابت، قال بحل الميليشيات ولم يفعل، قال بعدم دخول الحشد الإنتخابات وأخلف، لا يستحق ولاية ثانية، فقد جربه الشعب.
-
مقتدى الصدر: لا تعرف في أي جانب يتوقف، فهو مثل الأرجوحة لا يستقر، متذبذب، ضعيف الإرادة، جاهل لا ثقافة دينية ولا فكرية، ورط نفسه وجماعته في مواقف كثيرة، هو يوم مع ايران ويوم مع الولايات المتحدة، وآخر مع السعودية ويوم مع قطر، ثم يتهجم عليهم جميعا، انتقد المالكي كثيرا، وهو أول من دعمه وأعطاه مهلة المائة يوم وثبته في موقعه، في البداية منع تياره من الترشيح للإنتخابات، واعطاهم إستراحة لأربع سنوات، ولم يلبث كالعادة ان تراجع عن موقفه. إنسان بلا موقف ثابتة، مراوغ وكاذب لا يؤتمن جانبة.
-
قادة الحشد الشعبي، رغم ان الحشد شارك في معارك تحرير ضد داعش، لكنه عاث فسادا في كل المعارك التي خاضها، من نهب وسلب وحرق وخطف، ورغم ان العبادي يزعم انه قائده العام، لكنه لا يشتري العبادي بفلس، وقادته يعلنون انهم بأمرة الجنرال الإيراني سليماني ولا سلطة للعبادي عليهم. وولائهم لإيران وليس العراق بإعتراف كبار زعمائه كهادي العامري واوس الخفاجي وقيس الخزعلي وواثق البطاط، وفي معظم المواقف يخالفون حيدر العبادي، بل لا يحترمونه. وهم خليط غير متجانس، ومن ولائه للأجنبي لا يمكن الوثوق به. إنتخاب قائمتهم يعني الإعتراف بأن العراق صار ولاية إيرانية.
-
رئيس البرلمان سليم الجبوري، لطخة عار في جبهة برلمانات الدولة المتخلفة وليس المتقدمة، وهو أحد جحوش نظام ولاية الفقيه، واحد أبرز مدمري ومخربي العراق، قذر في تعامله، وحامي للفاسدين واللصوص، مصلحته الشخصية فوق كل شيء، وليس أكثر عار منه سوى من ينتخبه هو وقائمته.
-
إبراهيم الجعفري، رجل مهووس، ويفترض ان يكون ناخبيه محصورين في المصحات العقلية والنفسية، والسحرة والدجالين. مجرم عتيد، فجر الحرب الأهلية خلال تسلمه رئاسة الوزراء، وبرقبته دماء الآلاف من العراقيين الأبرياء، ملعون دنيا وآخرة، ربما يساهده مارد القمم في الإنتخابات، وليس العراقيين!
-
أياد علاوي، رجل يعاني من الزهايمر، وفقد شعبيته منذ ان تنازل عن رئاسة الوزراء لغريمه نوري المالكي، من الأولى به ان يغادر عالم السياسة، ويترك الأمر لمن هو أقدر منه. فقد أثبت إنه فاشل ولا خير يُرتجى منه.