إن ممارسة إختصاص تفسير نصوص الدستور حسب نص المادة (93/ ثانيا) منه ، دون الأخذ بإمكانية السلطة المركزية الحاكمة وقدرتها على توجيه التفسير بإتجاه تحقيق مصالحها ، مهما بلغت حجة خصوم السلطة أو معارضيها السياسيين ، أو كلما تقاطعت نتائج التطبيق والتنفيذ مع توجهات الحكومة أو الكتلة أو الحزب الحاكم ، مسألة تحتاج إلى الدعم المباشر بتحريم تدخل أي سلطة في شؤون العدالة والقضاء بنص قانون ملزم ، يفرض العقوبة الرادعة على من يخالفه ، (( لأن الدستور الأداة القانونية الفاعلة للسلطات الثلاث ، وينبغي على المشرع وهو بصدد صياغة القواعد القانونية وخاصة منها الجنائية ، إن يحرص على أن يكون النص واضحا جليا ، تيسيرا لوجوب تطبيقه ، إما إذا كان النص غامضا ويثير التساؤل عما إذا كانت بعض الوقائع أو الأمور تدخل في إطاره أو لا تدخل ، لزم اللجوء إلى التفسير ، أي إلى البحث عن قصد المشرع لجعل النص صالحا للتطبيق ، وهذا يحيلنا إلى أمرين ، أولهما أنواع التفسير وثانيهما قواعد التفسير وكما يأتي :-
أولا- أنواع التفسير- يمكن تقسيم أنواع التفسير حسب إختلاف الجهة القائمة به أو وسيلته أو نتيجته إلى :-
1- تفسير تشريعي :- ويقوم به المشرع ذاته حينما يستشعر غموضا في النص ، ويجري هذا التفسير عن طريق النصوص القانونية مثل المقصود بالمال العام .
2- تفسير قضائي :- هو التفسير الذي تقوم به المحاكم في معرض فصلها في القضايا المطروحة عليها ، بغية التوصل إلى قصد المشرع من أجل تطبيق النص أو عدم تطبيقه .
3- تفسير فقهي :- هو الذي يقوم به الفقهاء وشراح القانون ، وغالبا ما يستعين القضاة بهذا التفسير ، وغالبا ما يكون له الأثر البالغ على المشرع لتدارك ما فاته .
أما من حيث وسيلة التفسير فينقسم إلى :-
1- وسيلة التفسير اللغوي : وهي ما يدل عليه المصطلح أو التعبير المراد تفسيره من معنى ، وهو أول ما ينبغي على المفسر اللجوء إليه .
2- وسيلة التفسير المنطقي : وهي البحث عن قصد الشارع بالبحث في المصادر التاريخية أو الأعمال التحضيرية السابقة ، من حيث نتيجة التفسير المقرر ، حين تكون عبارة النص واضحة الدلالة ، ولا ينبغي الخروج على هذا المدلول وإن كان هناك وجه مقيد للتفسير .
وعندما يكون النص غامضا ويفيد ظاهره أكثر مما أراده الشارع ، فيلتزم المفسر بالقيد الظاهر لما أريد له التفسير بالتوسع ، وذلك بعكس التفسير المقيد أصلا ، مثل عدم جواز القياس في نصوص التجريم ، لأن فيه إختلاق لجريمة جديدة لم يفرد لها المشرع نصا ، وهي تتنافى مع مبدأ لا جريمة ولا عقوبة ولا تدابير أمن إلا بنص ، وجواز القياس فيما عدا نصوص التجريم كتفسير الشك في مصلحة المتهم ، كما إن هنالك أعراف في التفسير هي :-
1- عرف المفسر : وهو الذي يهدف إلى تفسير نص من نصوص الدستور ، وليس إنشاء أو تعديل قاعدة دستورية ، وإنما بيان كيفية تطبيق قاعدة معينة غامضة ، إلا أن هذا التفسير يصبح جزءا من الدستور فيكتسب صفة الإلزام .
2- العرف المكمل : وهو الذي ينظم موضوعات لم يتناولها الدستور ، لسد الفراغ الموجود فيه ، ونظرا لكونه كذلك ، فإنه يختلف عن العرف المفسر في كونه لا يستند على نص دستوري ظاهر ، مثل نشوء قاعدة في فرنسا تمنع من إبرام عقد قرض عمومي إلا إذا صدر قانون يأذن بذلك .
3- العرف المعدل : ويراد به تلك القواعد العرفية التي تغير أحكام الدستور بالإضافة أو بالحذف ، ومن أمثلة العرف المعدل بالإضافة ، ما جرى به العمل في الإتحادات الفيدرالية من زيادة في سلطات الحكومات المركزية على حساب السلطات المحلية )) . (1)
إن من أمثلة العرف المعدل بالإضافة ، هو أن يتولى رئاسة كل سلطة من السلطات الثلاث ، شخص من أحد مكونات الشعب الرئيسة أو الأكثر عددا من غيرها ، كما هو جار في تبؤ مسؤولية السلطات العراقية حاليا ، رغم أن الدستور لا ينص على تلك الثلاثية المقيتة ، فجاء العرف بها مكملا لما في الدستور .
أما العرف المعدل بالحذف ، فمثله إمتناع رئيس الجمهورية السابق (جلال الطالباني) عن سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء السابق (نوري المالكي) سنة 2012 ، بشتى الأعذار والحجج ومنها عدم حصوله على عدد طالبي سحب الثقة بمقدار ( نصف +1) ، مع إن المادة ( 61/ثامنا/ ب/1) من الدستور تخوله ذلك الحق بالنص ، على إن ( لرئيس الجمهورية تقديم طلب إلى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ) ، ثم يكون قرار الحسم بالتصويت وليس برغبة رئيس الجمهورية المعبر عنها بطلب سحب الثقة ، التي لم يفرضها أو يطالب بها طوعا أو كرها حتى وفاته ، وقد كشف أحمد الجلبي وهو أحد أعضاء العملية السياسية البارزين حينها ، ومن على شاشة الفضائية البغدادية ( أن رئيس الجمهورية أبلغه وأمام مجموعة من زائريه في مشفاه في ألمانيا ، بأن إيران كانت المعارض الأساس في عدم سحب الثقة من المالكي ، وأن تشكيل الحكومة قد تم بموافقة وإشراف كل من إيران وأمريكيا ، وأن يكون المالكي رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية والدفاع ) ؟!. وليس كما يقال ويشاع من عدم معرفة مكونات العملية السياسية بذلك ، وهذا العرف المعدل بالحذف ، يؤكده عدم تطبيق نص المادة (67) من الدستور ، كونه أحد عناصر الرقابة الدستورية خارج إطار المحكمة الإتحادية العليا ، حيث ( رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ، يمثل سيادة البلاد ، ويسهر على ضمان الإلتزام بالدستور ، والمحافظة على إستقلال العراق ، وسيادته ، ووحدته ، وسلامة أراضيه ، وفقا لأحكام الدستور) ، والتي لم نلمس منها شيئا في عهد الرئيس السابق أو اللاحق (فؤاد معصوم) ، الذي تعرض لإنتقادات قوية على خلفية المبادرة التي طرحها في 16/9/2017 بشأن تأجيل الإستفتاء حول إستقلال إقليم كوردستان ، بدلا من أن يعلن عدم شرعية الإستفتاء ومخالفته لأحكام المادة (1) من الدستور العراقي الذي اشترك السياسيين الأكراد في صياغته . ولربما سيكون الرئيس القادم على خطى سابقيه ، لعدم ممارستهم لصلاحياتهم الدستورية على أساس رئاسة جمهورية العراق ، وإنما في إتخاذها جسرا للعبور إلى ضفة الإنفصال عن العراق ؟!. مع عدم مساءلتهم ومحاسبتهم عن ذلك وفقا لأحكام المادة (61/سادسا) من الدستور . ولكن لا يمكن لأي رئيس جمهورية رمزي المكانة ، مفروض بالعرف المعدل بالإضافة ، أن يكون بمستوى تنفيذ المهام المحددة في المادة (67) المذكورة أعلاه ، مادامت رئاسة الدولة خاضعة لإرادات أحزاب سياسية وتوجهات غير مهنية وإرتباطات خارجية ذليلة ، وما دام القانون الأساس للدولة مبرمج خارج إطار تحقيق المصالح العليا للشعب وحقوق المواطنة ، اللتان لم يتضمن النص الإشارة إليهما بشكل مباشر وصريح ، ولأن كل حالات وأنواع تداول السلطة في الماضي والحاضر والمستقبل ، لم ولن تخلو من المس المشين والمهين بشخص ومكانة رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء أو مجلس النواب ، لأن تجريدهما بعد ثوان من إنتهاء دور أي منهما في كرسي الرئاسة أو موقع الزعامة في السلطة وإتخاذ القرار ، من ضرورات التغيير التي تقتضيها متطلبات التسقيط السياسي في الداخل والخارج ، ليصبح على غير ما كان عليه من المكانة والهيبة اللازمة ، على خلاف ما يحصل في دول العالم المتحضر ، التي تختلف فيها مقاسات لبوس السياسيين عند ممارسة تبادل الأدوار في الحكم والسلطة ، حيث لا ينفع معها رنين كلمات وجمل وعبارات الإحتكام إلى الدستور ، الذي لا نجد لمبادئه مكانا في التطبيق في بلادنا ، لإفتقار السياسيين إلى مقومات الصدق في الأقوال قبل الأفعال ، وحنثهم وإنتهاكهم لكل شروط توليهم زمام الأمور ، بسبب ضعف القدرة والإمكانية والأهلية على تطبيق ما عهد إليهم به وتعاهدوا عليه ، حتى بلغ سيل التبرعات والهبات السياسية المتبادلة بين السلطة الإتحادية وإقليم كردستان ، وفيما بين أحزاب العملية السياسية عند توزيع إرث المغانم والمكاسب ؟!، حد الوصف بأن كل منهما ذو فضل على الآخر بمنح أي منصب مقابل للآخر ، قبل إعترافهم بحنثهم باليمين وإنتهاكهم للدستور ، حين يتم التمسك بالمناصب والإدعاء بإستحقاقها ومن ثم إحتكارها من غير سند دستوري أو قانوني ، وإنما على أسس المحاصة والمكونات العرقية والمذهبية ، باعتبارها من مكتسبات العملية السياسية بعد الإحتلال ، وإن تم عرضها بسوق النخاسة بيعا وشراء ، فنتج عنها وبسبب عدم رغبة رئيس الجمهورية في السهر على ضمان الإلتزام بالدستور ؟!، عدم اللجوء إلى سحب الثقة أو حل البرلمان لذلك السبب أو غيره مستقبلا .