آخر تحديث:
بقلم:علي الكاش
تصور البعض إن قلب صفحة وزارة الخارجية العراقية التي إستوزرها وزير الخارجية السابق المهووس إبراهيم الجعفري قد طويت بكل ما إحتوته من مواقف مخزية على الصعيدين العالمي والعربي والمحلي، فقد كان إختيار الجعفري لهذا المنصب من أسوأ خيارات رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، والحقيقة ان العبادي لم يجرأ خلال اربع سنوات عجاف من حكمه ان يوجه نقدا واحدا لوزير خارجيته، والأغرب منه ان الجعفري نفسه لم يكن يعترف بالعبادي ولا يوليه أية أهمية كرئيس وزراء، فقد كان ينظر اليه نظرة دونية، لذا لم يكن يحضر جلسات مجلس الوزراء، وكان يلقي خطاباته في المحافل الدولية والعربية دون مناقشة الأمر في مجلس الوزراء، فقد جير وزارة الخارجية لحزبه العميل.
الطريف في الأمر، إنه في ذروة الحرب مع تنظيم داعش الإرهابي، كان حيدر العبادي يبحث عن وزير خارجيته كي تواكب الوزارة الإنتصارات المتحققة على داعش، فعلم انه ليس في العراق، فقد كان يؤدي فريضة الحج للمرة الخمسين ـ على إعتبار إنه عمله الساق كان حملة دار ـ، ولم يجرأ العبادي عللى العتاب وذلك أضعف الإيمان.
وعندما طرح إسم وزير الخارجية العراقي الجديد (محمد علي الحكيم) وهو من الأحزاب الإسلامية وعرف عنه رفض مصافحة السيدات كالدواعش تماما، كما فعل مع السيدة (نادية مراد) التي حازت على جائزة نوبل، والحقيقة أن وزارة الخارجية لا تليق بأي شخص يتنمي الى حزب ديني، وان من أول صفاته أن يكون علمانيا ويعرف أكثر من لغة وله باع طويل في العمل الدبلوماسي. وهذا الوزير الذي شغل منصب ممثل العراق الدائم في جنيف في الأمم المتحدة، لم يُسمع عنه أي نشاط فاعل، بل أن معظم العراقيين لا يعرفون ممثلهم في هذه المنظمة الدولية، ومن عرفه فقد عرفه من خلال رفض مصافحة السيدة نادية مراد لا غيرها.
لذا كان إختبار الحكيم لوزارة الخارجية العراقية بفرمان إيراني، لأن الحكيم من إصول إيرانية، ولقب الحكيم هي مهنة كان يمارسها جدهم الأكبر، ولقبهم الحقيقي (الأصفهاني)، وكان الجانب الإيراني يصر على أن يتولى وزارة الخارجية العراقية عميل لهم يكمل المشوار الذي بدأه إبراهيم الجعفري، الذي كان بحق وزير خارجية إيران وليس العراق، وبالرجوع الى مواقفه الشاذة في الجامعة العربية، فقد كان هو ووزير خارجية دويلة حزب الله ممثلين حقيقيين لولاية الفقيه، ومع هذا كان العبادي بكل حماقة يطالب بالتقارب مع الدول العربية، في الوقت الذي لم يغادر وزير خارجيته الحضن الإيراني، ويبدو أن وزارة الخارجية الإيرانية على إستعداد لتبديل حفاظات وزراء الخارجية العراقية كلما أفرغوا قاذوراتهم في الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي.
كان الإختبار الأول لوزير الخارجية الجديد هو التصرف السفيه لممثل ولاية الفقيه السفير (ايراج مسجدي) الذي إنسحب بطريقة شاذة من حفل أقامه حلفائه الموالين لولاية الفقيه (تحالف البناء) خلال الإحتفال بيوم النصر على تنظيم داعش الإرهابي، بعد أن طالب شاعر عراقي بالقيام إحتراما للشهيد العراقي. والبعض إعتبر أن هذا الإنسحاب يمثل خطئا بروتوكوليا لا أكثر، وهذا غير صحيح البته، بل هو تبسيط لمشكلة كبيرة، لو حدثت في أية دولة تحترم نفسها لحصلت أزمة دبلوماسية كبيرة، فهناك فرق كبير بين الإهانة المتعمدة والخطأ غير المقصود.
وهذه أهم الملاحظات عن الهروب المفاجيء للسفير من الحفل.
-
إنسحاب السفير الإيراني لا يعتبر إهانة للشهيد العراقي فحسب وإنما هي إهانة للحضور، والحفل والشعب العراقي بأكمله، ولأن السفير يمثل رئيس دولته في الدولة المعتمد فيها، لذا فهي إهانة رسمية بكل معنى الكلمة للعراق.
-
من المعروف برتوكوليا بأنه عند إقامة مثل هذا الحفل الكبير، سيما بحضور السفراء، يقدم منهج الإحتفال الى الحاضرين قبل إقامة الحفل بأيام أو على أقل تقدير قبل بداية الحفل، بمعنى ان السفير يعرف بأن الحقل لم ينتهِ بعد، كما جاء في تبرير السفارة الذي لا يقل تفاهة عن تصرف سفيرها فقد جاء عبر وكالة أنباء مهر الإيرانية شبه الرسمية بأن ” السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، حضر الحفل منذ البداية، وأتم جميع فعالياته التي كرّمت الشهداء العراقيين، ثم قرأ سورة الفاتحة على أرواحهم، وغادر في لحظة قيام الحضور، دون الانتباه إلى أنه كان قيام دقيقة صمت، وليس ختاماً للحفل”.
-
لو إفترضنا جدلا ان السفير لم ينتبه الى مراسم (القيام دقيقة صمت)، فكيف قام مع الجميع، وفهم الطلب، وكيف غادر وحيدا دون أن يلتفت الى بقية الحضور، وهو يدرك بأن الحفل لم ينتهِ بعد، اليس من المفرروض أن يرجع الى مكانه معتذرا، وسيكون الموقف طبيعيا، ويتجاوز الخطأ البروتوكولي.
-
السفير الإيراني يجيد اللغة العربية، وهو فهم جيدا ما قاله الشاعر العراقي بالوقوف إجلالا للشهداء، كما إن الشاعر لم يلقِ قصيدته بعد، فكيف فهم بأن الحفل قد إنتهى؟ ولو افترضنا جدلا بأن السفير لا يعرف اللغة العربية، فمن المفروض ان يرافقه مترجم السفارة، ويجلس قريبا منه، عادة خلفه، ليقدم خدماته للسفير في حال عدم تفهمه مسألة ما.
-
في مثل هذه الإحتفالات عندما تنتهي، يعلن مقدم الحفل عن إختتامها، ويقوم السفراء عادة بتقديم الشكر لأعلى جهة حكومية أقامت الحفل أو حضرت اللقاء، وهذا عرف برتوكولي لا يجهله أي دبلوماسي، ولا يكون الخروج أشبه بهروب، لم يحدث في تأريخ الدبلوماسية أن يغادر السفير موقع الحفل بهذه الطريقة السخيفة.
-
عادة في مثل هذا الحفل يغتنم السفراء والضيوف هذه الفرصة للقاء نظرائهم وكذلك المسؤوليين الحكوميين لتبادل وجهات النظر في مسائل عامة، وكذلك التعرف على من لم يلتقوه مسبقا، وهذا ما شذ عنه السفير الإيراني.
-
يفترض أن يحضر مثل هذه الإحتفالات ممثلا عن دائرة المراسم في وزارة خارجية الدولة المضيفة (العراق)، طالما هناك سفراء يحضرون الحفل، ويكون ممثل الوزارة في إستقبالهم وفي توديعهم لغاية الباب الخارجي، وهذا ما لم نشهده في هذا الحفل.
-
بما إن تصرف السفير يمثل إهانة لحكومة العراق وشعبه، يفترض أن تقوم وزارة الخارجية العراقية بإستدعاء السفير الإيراني، وتقديم مذكرة إحتجاج الى نظيرتها وزارة الخارجية الإيرانية، كما هو متعارف عليه، وهذا لم يحصل لسبب لا يُخفي عن لبيب.
-
لا يجوز لوزارة الخارجية العراقية أن تكتفي بتبرير قدمه الملحق الإعلامي للسفارة الإيرانية، بشأن تصرف السفير المسيء للعراق، ولا عن بيان صادر عن وكالة إيرانية شبه رسمية (وكالة مهر)، وإنما أن يكون عبر وزارة الخارجية الإيرانية فقطـ، من خلال بيان أو مذكرة رسمية.
-
من المعيب جدا أن تدين وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية تصرف السفير الإيراني، وتصمت وزارة الخارجية العراقية كأن الأمر لا يعنيها، فقد ورد عن طريق فريق التواصل التابع لوزارة الخارجية الأمريكية تعليقا مع عرض فيلم هروب السفير الإيراني من الحفل بأنه ” لا يمكن وصف مثل هذا التصرف بأقل من عدم الإحترام للشعب والدولة المضيفة، إن لم يكن خروجا فاضحا عن الأعراف الدبلوماسية”. وهو في الحقيقة خروجا عن الأعراف الدبلوماسية، بل والأخلاقية. وتساءلت الوزارة ” ولكن متى اعترف النظام في إيران باي عرف دبلوماسي؟”. هذه هي الحقيقة.
-
من المعروف أن مسجدي من قادة الحرس الثوري الإيراني، وشارك في الحرب العراقية الإيرانية، وتجرع كأس السم مثل إمامه الخميني المقبور، لذا فهو والولي الفقيه وأقزامه في العراق لا يعترفون بشهداء حرب القادسية الثانية، وهذا ما عبر عنه وزير الداخلية العراقي الأسبق باقر صولاغي بأنهم (قتلى حرب) وليسوا شهداء. لذا كان من الأجدر بأقزام إيران في العراق أن لا يوجهوا دعوة حضور لهذا السفير المعادي للعراق، تقديرا لحساسية الموقفـ، وكراهيته المميتة للعراق، على الرغم من أتباعه هم من يحكمون العراق اليوم.
-
كان موقف وزارة الخارجية العراقية إختبارا جديا لمعرفة إتجاه بوصلة السياسة الخارجية للعراق في حكومة عبد المهدي، وهل سيكون الوزير الحكيم، حكيما في مواقفه السياسية، ام سيكون نسخة طبق الأصل من الوزير السابق إبراهيم الجعفري؟ لقد بانت الصورة بوضوح، وعلى الدول العربية خصوصا أن تفهم وتعي أن سياسة العراق الخارجية مرتهنه بالقرار الإيراني، فلا يعولوا على وزير الخارجية الجديد.
-
لنرسم صورة خيالية للحفل، وهي ان السفير السعودي أو التركي إنسحبا من الحفل بمثل طريقة السفير الإيراني.
كيف سيكون موقف البرلمان العراقي، ورئيس مجلس الوزراء، ووزارة الخارجية العراقية منه، ناهيك عن موقف بقية النواب وزعماء الميليشيات التابعة لولاية الفقيه؟
-
لترسم صورة أخرى وهي إنسحاب السفير العراقي في ايران من حفل رسمي أقامته الحكومة الإيرانية او الحرس الثوري لنفس الغرض، كيف سيتصرف نظام الملالي تجاه السفير العراقي والحكومة العراقية؟