لكل شيء في حياتنا،وفي افعالنا، له حدود، وله هوية،وإلا لما اكتسب الشيء صفة الشيئية أو كني باسم معين. ولكننا في عملية”الفهم” ,اضع كلمة”الفهم”بين قوسين، لا ننتبه لماهية الشيء ولا لدوره، لأننا لم نعين حدوده ولا هويته.وبالتالي سيكون تعاملنا مع الشيء عشوائيا وليس وفق سياق منطقي للتبادل بين ما نريده منه،وما يمتلكه من قدرات للإستجابة .
وللوهلة الأولى نحن أمام اربع قضايا، في فهم الشيء،اولا حدوده، فله حدان: حد داخلي يضبط شكله ومساجته وكيانه،وحد خارجي يعزله عن الآخر،ويتيح لهه الحوار مع الآخر وتبادل المعلومات والاتصالات ، وله هويتان أيضا، هويته كذات مستقلة خاصة بكينونته،وهي ما تعينه شيئا مسمى،وهويته العلائقية مع ما يشبهه أو ما يخالفه، ففي التشابه والتماثل تكوّن الجماعة الشيئية،وفي المخالفة تتكون الجماعات الاثنية،أو المختلفة.
هذان البعدان للحدود وللهوية، تجعل الشيء في حياتنا قابلا للمعايشة،والتبادل والحوار،وبذلك يمكن أن نخلق مساحة من التبادل المعرفي بيننا والأشياء. لايمكن مثلًا، ان تطلب من الشجرة انتاج ثمار نافعة، دون أن تعرف جنسها، اي هويتها، الخاصة،وهويتها عبر علاقاتها بما يماثلها او القريب منها،فالغابة متجانسة دائما بكونها عالم الاخضرار والإنتاج، كما لايمكن ان تستثمر الشجرة دون أن يكون لها تاريخ معرفي يمكنه ان يؤشر إلى علاقاتها مع البشرية، هذه المدونة واحدة من تنصيص خريطة النوع ضمن خرائط المعرفة،فالهوية ليست اسما بدون إنتاج، كما انها ليست تحديدا للجنس دون ان تجد النقيض لها، الحياة مؤلفة من زوجين ثنائيين، حتى في بنية وتركيبة بعض الكائنات الاحادية الجنس.
عمليا، تبدأ الحدود بممارسة تحديد الأنا والآخر، مهما كان الأنا شخصا مفردا أو غابة، سفينة أوميناء، جبلا أو سلسلة جبال،فالحدود تلغي هوية بعض الأشياء عندما تنتمي لجهة مضادة، الجبل ضمن حدود بلادي يحمل هوية البلاد، حتى لو تتشابه مادة مع جبل في بلاد أخرى، هذه الممارسة الحدودية تتغلغل في بنية الهوية، كما تتغلغل في اسمائها واستخداماتها.
ولو جئنا إلى الأدب،ووظفنا الأشياء في تصوصه، علينا أن ننتبه جدا، إلى حدود الشيء المحلية وهويته المناطقية، شخصيا اعتبر كل النخيل في العراق بهوية واحدة،ولكن النخيل الذي لايتحول ثمره إلى تمور بفعل قلة الحرارة خاصة في المناطق الباردة يفقد جزءا من هويته كنخيل، الهوية تولد كاملة وليست ناقصة، النخلة التي لا تتحول ثمارها إلى تمور، تكون بهوية ناقصة،وبحدود مفروضة عليها طبيعيا،وبالتالي يمكن الحديث عنه بما يخالف الحديث عن مثيلاتها في مدن الجنوب العراقي حيث الحرارة متكافئة وتعيين الهوية.
في النص الأدبي يجري الأمر ذاته، لايمكن للمؤلف ان يكتفي بمعرفته الذاتية عن الأشياء التي يستثمرها في نصه، عليه ان يعرف اركولوجية وجغرافية الشيء فتعيين هويته وحدوده يعني التمكين من معرفته بالكامل،وبالتالي وجوده في النص يعين وجودا مكتملا وليس وجودا ناقصا.
يلجأ بعض الأدباء إلى المغايرة،في تغيير وظائف الأشياء، مستفيدين من الغرائبية والسحر والمخالفة،وهو ما يرتبط بفعل الانتهاك للهوية،وتمديد الحدود لاحتواء ما يغاير الشيء، هذا النوع من التخييل مفيد، عندما يكون في درجة من الفنية،ويكون سطحيا وغير ذي جدوى، عندما لا يكون ممكننا .ولعل التخفي والاقنعة والتورية تعيننا على تلمس طرائق فنية تبدو مغايرة لهوية الشيء وحدوده،ولكنها مقبولة عندما تثير سخرية او تهكما،كما في افعال الأعياد والكرنفالات والتعازي والأفراح. هنا، ومن ناحية المخيلة، ثمة ما هو مقنع عندما تكسر حدود الأشياء لاغراض دنية فقط.