قال تعالى في سورة البقرة 11ـ 12 (( وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحن مصلحون إِلَّا إِنَّهُم هم المفسدون وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ))
الموصل من خريف داعش، الى خريف الميليشيات المسلحة.
لحد الآن لم يتطرق اي من المسؤولين العراقيين الى إسم المستمثر للجزيرة السياحية ولا إسم صاحب العبارة، ولا الجهة المسلحة التي تحمي الجزيرة. البعض ومنهم نواب في البرلمان سابقا وحاليا يتحدثون عن فصيل مسلح مشارك في عقد إستثمار الجزيرة، ولا أحد يجرأ ان يقول ان هذا الفصيل المسلح هو الحشد الشعبي ومكاتبه الإقتصادية في نينوى، لا أحد يجرأ ان يقول بأن المحافظ الفاسد نوفل اليعكوب مسند من قبل الإرهابي الدولي ابو مهدي المهندس، بل ان زيارة الأخير للموصل ولقائه باليعكوب دون التصريح بأي شيء عن الفاجعة، بل لم يكلف نفسه ان يقدم التعازي لأهل الموصل، زيارته كانت لغرض إعلان وقوفه بجانب المحافظ الفاسد، وتحذيره وغيره من التطرق الى ان الحشد الشعبي مشارك في عقد الإستثمار بصورة غير قانونية، الغريب ان محافظ الموصل عندما كان بصحبة رئيس الوزراء خلال تفقده الطب العدلي كان يلبس الربطة الحمراء ويوزع الإبتسامات، كأن يحضر إفتتاح معرض فني وليس إفتتاح مقبرة جديدة. مهما كان الإنسان حقيرا فإنه في مكان يضم الموتى يترتب عليه ان يبدي شيئا من الإحترام، فالموت له طقوس وتقاليد مثيرة للحزن والأسى وليس الضحك، لا أعرف على ما يضحك هذا الأرعن؟ العجيب انه الوحيد من الحضور الذي كان يضحك! ماذا تسمون من يضحك أمام حوالي مائة ضحية؟ انه شيء من الصعب وصفة، حتى الرعونة هي محاولة تبسيط لفعله الدنيء، ينطبق عليه قول الشاعرُ:
كأنَّهُ من سُوءِ تَأْدَبِهِ … تَعَلَّم فِي كُتَّابِ سُوءِ الْأَدَب
يقول هذا الدعي المنافق” سأمتثل لأي أمر يصدر من السيستاني”، ولا نفهم ما علاقة السيستاني بوضعه والفاجعة، اليس القضاء هو الفاصل في هذا الموضوع، انه لا يمتثل للسلطات الثلاث بل للمرجع الشيعي. وهو ليس من أتباع السيستاني. سبق أن انكر العاكوب علاقة الحشد بالجزيرة، وبعد ان وقع الفأس في الرأس، تبين ان ميليشيا عصائب أهل الحق هي التي تشارك المستثمر في أرباحه، على حد قوله، “ان مدير الجزيرة السياحية مدعوم من ميليشيا عصائب أهل الحق، وهو موجود في دهوك”، كان العاكوب في هذا التصريح فقط أشجع من كل نواب الموصل، ونواب أهل السنة عموما الذين كانوا يخشون تسمية العصائب بالقول (فصيل مسلح)، لاحظ مستوى ضعفهم وهشاشتهم! بل أن أحد إرهابي العصائب (عدي عواد) بعد أن تكشفت الحقيقة هدد ” ان المتنزه والعبارة في الموصل من قنواتنا المالية، ولن تخضع للحساب والمساءلة، لن تستطيع أية جهة محاسبة العصائب، ولن تخرج مكاتبنا من الموصل”.
اين رئيس البرلمان ورئيس الوزراء والمدعي العام من هذا التصريح، وهل العصائب تخضع لأمرة رئيس الوزراء فعلا كما يدعي؟ انه تحدي سافر وعنجهية فارغة عرفت عن الفرس وأقزامهم في العراق مثل هذا الدعي، يا أهل الموصل وضع هذا الإرهابي النقاط على الحروف، وعليكم الباقي، ولانظن انكم تجهلون الحل، هو بأيدكم ولا تنتظروا شيئا من البرلمان والحكومة والقضاء.
البعض من العراقيين يترحمون على عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وقالت امرأة عراقية حكيمة لأحد السياسيين” صدام حسين سود عيشة العراقيين، وانتم بيضتم وجهه”، وأقولها بصراحة أخشى ان يأتي اليوم الذي يترحم به أهل نينوى على تنظيم داعش الإرهابي، فهم إنتقلوا من مرحلة إرهاب داعش الى مرحلة إرهاب الحشد الشعبي. لا أعرف ما سر بقاء الحشد الشعبي في الموصل سوى العامل الإقتصادي والإستثمار وفرض الأتاوات على أصحاب المحال، والا لماذا يفتح الحشد الشعبي مقرات إقتصادية في الموصل؟ علاوة على العامل الطائفي المقزز الذي يتجسد في تعامل القوى الأمنية مع أهل الموصل.
الرئاسات الثلاث خلال إجتماعها بعد الفاجعة بتأريخ 22/3/2019 خرجت علينا بتوصيات لا تتناسب مطلقا مع قوة الفاجعة، فما جدوى تعويض الأهالي بمبالغ نقدية مقابل أرواح أبنائهم، أو تشكيل لجنة، اين هي نتائج الآلاف من اللجان التي شكلت منذ عام 2003 ولحد الآن؟ بل اين نتائج سقوط الموصل بيد تنظيم داعش الإرهابي؟ واين نتائج مجزرة سبياكر؟ وجريمة جامع مصعب بن عمير والآلاف من الجرائم، التي مضت دون أن يكشف اللثام عنها. الم يكن من الأفضل ان تكون توصيات الرئاسات الثلاث صدى لقوة الحادثة كتجميد مجلس محافظة نينوى على الفور، وسحب يد المحافظ وتجميده واحالته الى القضاء، وسحب يد قادة القوات الأمنية جميعا، وسحب الحشد الشعبي من داخل المدن.
لاحظ عندما تكون هناك مناسبة شيعية تقوم الحكومة قبل عدة اسابيع بتحضر خطة أمنية، ويتم إيقاف إجازت الضباط والجنود، وتوضع الحواجزـ وتشدد الإجراءات الأمنية، فلماذا لم تعلن خطة أمنية في الموصل، سيما ان ذلك اليوم صادفت فيه مناسبتين مهمتين هما أعياد الربيع وعيد الأم العالمي التي نحرت فيه الأم الموصلية قربانا في محراب حكومة الفساد. اليس مثل هذا الحشد من الناس بهاتين المناسبتين يتطلب اجرءات أمنية مشددة خشية من تنظيم داعش الإرهابي الذي يستغل مثل هذه المناسبات، على أقل تقدير؟
نينوى تعاني من المئات من المشاكل التي تم رصد معظمها في تقرير لجنة تقصي الحقائق ومع هذا فإن رئيس الوزراء يريد ان تتم العملية وفق سياقات بطيئة لا يمكن ان يُحسن الظن بها، سيما ان بعضها يتعلق بالحشد الشعبي ومكاتبه الإقتصادية، وتعاونه مع الإجهزة الأمنية والعسكرية في فرض إجراءات تعسفية على أهل الموصل، فلا يمكن ان تراجع اي دائرة ولا أن تتسلم راتبك ولا تسافر ولا تغير عنوانك ولا تقوم بأية حركة إلا بعد الحصول على تصريح أمني، ربما حتى دخول المرافق الصحية لاحقا يتطلب تصريحا أمنيا! بمعنى ان جميع أهل الموصل دواعش في نظر الحكومة والحشد الشعبي، فهم فقط الوطنيون الشرفاء، وجميع أهل الموصل دواعش؟ انت موصلي هذا يعني انت داعشي، حتى لو لم يعلن ذلك جهارا، لكن هذا ما يمكن ان تستقرأه من تصرفات الحكومة المركزية واجهزتها القمعية في الموصل، إنتهى داعش الإرهابي وبدأ داعش الحكومة.
لقد كانت الموصل ومازالت شوكة في عيون الحكومات العراقية المتتالية منذ الغزو الأمريكي عام 2003 فهذا المدينة هي تاج العراق السياسي والإقتصادي والعلمي، فقد أنجبت نخب من القادة العسكرين والعلماء والمفكرين، وكانت نظرة العداء موجهة اليها، وهذا ما عبر عنه زعيم عصائب أهل الحق الإرهابي (قيس الخزعلي) عندما اتهم أهل الموصل بقتل الحسين بن علي، رافعا مسؤولية الجريمة عن أجداده من أهل الكوفة، والحقيقة إن هذه النظرة العدوانية لا تقتصر على الخزعلي وانما على زعماء كل الأحزاب الشيعية والميليشيات المنظوية تحت جناحها. وإلا كيف تفسر وجود الآلاف من الجثث تحت أنقاض الساحل الإيمن ولم ترفع لحد الآن؟ وكيف تفسر عدم تعمير أي من الهياكل الإرتكازية في المحافظة؟ وكيف تفسر عدم جود مستشفيات ومدارس وخدمات؟ وكيف تفسر بيع سكراب الأهالي من قبل المحافظ الى مستثمرين من الحشد الشعبي بأغطية مختلفة؟ وكيف تفسر إهمال تعمير الجسور والبعض منها سيؤدي الى فواجع لا تقل أثرا من فاجعة العبارة؟ وكيف تفسر التخصيص المخجل من ميزانية عام 2019 لتعمير الموصل؟ ان تخصيصات الحشد الشعبي تبلغ عشرة أضعاف تخصيصات محافظة نينوى، وكيف تفسر إستمرار مشكلة النازحين على الرغم من تحرير المدينة، بل كيف تفسر رجوع الأهالي الى المخيمات على الرغم من صعوبة العيش بها الا انها أفضل من المدن التي تخلو من الخدمات والماء والكهرباء وكل متطلبات الحياة الطبيعية؟ وكيف تفسر الإنفجار الإرهابي الذي تعرضت له نينوى قبل أيام من فاجعة العبارة؟ وماذا كانت تفعل القوات الأمنية والحشد الشعبي؟ هل انصرفوا الى التجارة وتركوا الأمن؟ وكيف تفسر وجود قارب إنقاذ واحد لدى الشرطة النهرية في الموصل؟ ماذا يعني هذا؟ هل هذه الأفعال عفوية أم مقصودة؟
الموصل تتعرض الى مؤامرة من قبل ايران واذرعها في العراق سيما الحشد الشعبي، هذه هي الحقيقة، وغيرها باطل، وعلى أهل الموصل الثأر لكرامتهم، يكفي من الذل والخضوع اليومي، يكفي الإهمال الحكومي المتعمد، يكفي معاناة الفقر والجوع والبطالة والتحقير. الكثير من النواب والسياسيين نبهوا الى أن الجسور المتبقية آيلة للسقوط وستنجم عنها كوارث قادمة، لكن الحكومة أقسمت على نفسها بأن لا ترجع الموصل الى سابق عهدها، ولن ترجع وفق إرادة الحكومة وأسيادها في طهران! طالما ان مجلس النواب والحكومة يسيران وفقا لتوجيهات الولي الفقية فكل المحافظات السنية لا تستعيد عافيتها مطلقا.
ما هو يا ترى رأي المرجع الشيعي علي السيستاني بالمقرات الإقتصادية للحشد الشعبي؟ هل تضمنت الفتوى تأسيس مكاتب إقتصادية للحشد؟ وهل لهذه المكاتب قدسية وتعتبر خطا أحمرا لا يمكن التجاوز عليها؟ إفتونا يا مرجعية؟ من المؤسف إننا لم نسمع من الزعماء الشيعة أي مواساة لأهل الموصل، اين مقتدى الصدر ونوري المالكي وحيدر العبادي وعمار الحكيم وبقية السياسيين الشيعة من الفاجعة؟ هل تشفوا ام عقدت السنتهم؟ لم نقرأ الا تصريح خجول مقتضب من المرجعية في النجف يطالب بمحاسبة المقصرين لا أكثر!! لا عزاء لكم أهل الموصل!
إنها سياسة طائفية تتماهى في المنظور الحالي للحكومة حول الغاء الآخر وتعميق ثقافة الكراهية والثأر.
قال الشاعر:
ألا أيها الركب العراقي بلغوا … أحباي قتلي واعظموا لهم الأجرا
وقولوا لهم إن غالني غائل النوى … فلا يجزعوا بل يحسنوا بعدي الصبرا
(الروض النضر1/78).
ممخضة القول
يا أهل الموصل إسمعوا الحقيقة وإنتفعوا، انكم تتعرضون الى مؤامرة طائفية بحتة، تنفذها الحكومة وفق أجندة ايرانية واضحة ممثلة بذراعها الحشد الشعبي، فداعش والفصائل الشيعية المسلحة المتواجدة في مدنكم، وما تعرضتموا له من تدمير بحجة التحرير، واختيار محافظ فاسد مدعوم من الحشد الشعبي، وحكومة محلية متواطئة مع الحكومة المركزية، واهمال متعمد في كل الجوانب الخدمية، وعدم غلق ملف اللاجئين والنازحين، وقلة التخصيصات للمحافظة في الموازنة، وتهريب النفط من قبل فصائل الحشد الشعبي، وفتح المقرات الإقتصادية للميليشيات الشيعية، وتنسيب قوات عسكرية وأمنية من غير أهالي نينوى، كل هذا وغيره يعني انكم تتعرضون الى مؤامرة حقيقية، ومن يظن ان الحكومة ستنقذ الموصل فهو على وهم كبير، تدمير الموصل وإفراغها من أهلها هو هدف الحكومة.
موهوم من يظن ان عبارة في الموصل غرقت، الحقيقة ان الموصل كلها قد غرقت.