منذ خطوتي الأولى في عالم الصحافة في العام 1976 في جريدة صوت الفلاح وجدت نفسي منخرطا في العمل النقابي في إحدى لجان النقابة.عام 1977
ومنذ ذلك التاريخ وأنا حاضر في جميع فعاليات النقابة، وملازم لزملاء أعزاء في مجالس النقابة.
وفي العام 1981 أسندت إليّ مهمة إدارة النقابة وفعالياتها الإدارية ونهضت بها حتى عندما فزت بعضوية مجلس النقابة عام 1988
وأتاح لي موقعي في النقابة بالاقتراب من ثلاثة نقباء خلال العقود الثلاثة التي سبقت الاحتلال وهم: المرحومان سعد قاسم حمودي وطه البصري والدكتور صباح ياسين ومعاصرتهم، ووجدت في مسيرتهم ما يدعو للفخر بهم وتميزهم بمواقف مشهودة في خدمة الأسرة الصحفية وإعلاء شأن الصحافة، فضلا عن سجيةٍ جمعتهم وهي الإخلاص.
ومن المناسب ونحن نحتفل بعيد الصحافة العراقية الذي يصادف الخامس عشر من حزيران من كل عام أن نستذكر دور ومسيرة الفرسان الثلاثة :
سعد قاسم حمودي :
تعرفت إلى المرحوم أبي محمد نقيبا ورئيسا لاتحاد الصحفيين العرب وإنسانا نبيلا ونزيها ومخلصا في أداء مهمته، وقبل ذلك صحفيا متميزا من بيت صحفي كان والده المرحوم قاسم حمودي صاحب أشهر جريدة في العراق. هي الحرية
وعاصرت الراحل في أكثر من موقع إضافة إلى النقابة واتحاد الصحفيين العرب ومؤتمر القوى الشعبية العربية وسافرت معه في عدة أقطار عربية كان الراحل حاملا هموم العراق وقضيته، لاسيما استمرار الحصار الجائر الذي كان مفروضا على العراق.
ويتمتع المرحوم سعد قاسم حمودي بذاكرة جيدة ويتدخل بأدق التفاصيل في الاجتماعات والتحضير للفعاليات النقابية والسياسية، إضافة الى امتلاكه للحس الصحفي الذي لم تنل منه مهامه السياسية والحزبية، فكان حريصا على إنجازها بشكل يدعو للفخر.
والنقيب المرحوم سعد شغل موقع النقيب أطول فترة في تاريخ النقابة، وعندما حان الوقت ليسلم الراية إلى رفيق دربه المرحوم طه البصري لم يتمالك نفسه وبكى ليس حزنا على موقعٍ غادره وإنما على لحظة قد تُبعده عن وسطه الذي أحبه وترعرع فيه عقودا من الزمن.
كما أن تجربة الراحل في رئاسته لاتحاد الصحفيين العرب كانت غنية وأعطى لهذه المؤسسة القومية ثقلا ودورا عربيا وعالميا بعد أن أصبحت بغداد مقراً للاتحاد، وكان ساعده الأيمن عميد الصحافة العراقية سجاد الغازي أطال الله في عمره.
وعندما نتحدث عن مسيرة صحفي وإنسان كبير مثل سعد قاسم حمودي فإننا نتوقف عند إنجازاته عندما كان رئيسا لأكبر وأهم مؤسسة صحفية في العراق وهي دار الجماهير للصحافة التي تصدر صحيفة الجمهورية ومجلة ألف باء وصحيفة هاو كاري وملاحق متنوعة على مدار الأسبوع.
طه البصري :
يتميز المرحوم أبو نوفل بالبساطة والطيبة والأخلاق العالية سريع البديهة دقيق في متابعة أي قضية صغيرة كانت أم كبيرة.
عاصرت الراحل طه البصري فوجدته كفئاً ومحباً للخير وحريصا على مساعدة زملائه في مملكته (واع) التي أحبها، وعمل الكثير لإعلاء شأن وكالة الأنباء العراقية حتى غدت عنوانا في عالم الصحافة، لإنجازاتها.
ورغم أن البصري غادر (واع) مؤقتا في فترة معينة فإنه عاد إليها ومنحها وقته وجهده ونال على ذلك حب وتقدير العاملين فيها.
المرحوم طه البصري تعرفت إليه عندما كان نائبا أولا لنقيب الصحفيين وكان يحظى باحترام النقيب وأعضاء مجلي النقابة لمكانته الإعلامية، حيث كان الراحل سعد قاسم حمودي يأخذ برأيه في اجتماعات مجلس النقابة.
وعندما تسلم البصري الراية من سعد قاسم مشى على ذات الدرب الذي سلكه سلفه وكان لا يبرح غرفة إدارة النقابة بديلا عن مكانه المخصص له فيها كنقيب ليكون قريبا من الصحفيين وهمومهم مثلما يفعل، ويتصرف مع زملائه في غرفة التحرير في (واع)
وخلال فترته نقيبا أشرف أبو نوفل على أكبر معرض للصور العالمية برعاية النقابة وشارك في المسابقة نحو ألف مصور صحفي من عموم العالم برعاية منظمة الصحفيين العالمية.
وطيبُ الذكر طه البصري عاصرته واقتربت منه فوجدته زاهدا ومخلصا وساعيا للخير ونزيها وكفئا وحريصا على إنجاز ما يكلف به ما نال حبَّ وتقدير العاملين معه في النقابة أو (واع) أو عندما أصبح سفيرا.
ويسجل للراحل البصري دوره الكبير في تطوير (واع) وديمومة تألقها وأقامَ مع أبرز العاملين فيها علاقات عائلية عكست حبه وتقديره للعاملين فيها ناهيك عن تجربته كسفير مثّلَ العراق على أكمل وجه.
ويتذكر القريبون من البصري مبادرته في حمل أموال العراق التي كانت في خزنة السفارة التي كان يعمل فيها خلال فرض الحصار على العراق، وتسليمها إلى وزارة الخارجية في موقف يعكس حرصه على أموال العراق وعدم التفريط بها.
صباح ياسين :
تعود معرفتي بالدكتور صباح إلى ستينيات القرن الماضي عندما كان طلابا في متوسطة الجعيفر في كرخ بغداد، واستمرت هذه العلاقة حتى التقينا معا للعمل في جريدة صوت الفلاح، هو كرئيس لتحريرها وأنا أخطو أول خطوة في عالم الصحافة عام 1976 محررا في ذات الجريدة، ومن هذه البداية أذكر أنّ أبا مروان اصطحبني الى مبنى الإذاعة والتلفزيون لزيارة مديرها العام السيد لطيف جاسم، وعندما التقيناه اقترح عليّ العمل في صوت الفلاح وكانت بدايتي.
وإضافة إلى عملي مع طيب الذكر الدكتور صباح ياسين عملت معه في نقابة الصحفيين عندما كان أمينا لسرها في عدة لجان نقابية مع نخبة من زملاء أعزاء قدمنا الكثير لخدمة الأسرة الصحفية.
وعندما أصبحت مديرا لإدارة النقابة خلفا لسلفي الأخ سردار اقتربت أكثر من الصحفيين وحاولت أن أخصص مهمتي لخدمتهم والعمل على التواصل معهم وأنا فخور بهذه المهمة التي استمرت نحو أحد عشر عاما كرست إدارة النقابة لخدمة أعضائها.
ويتميز أبو مروان بالحيوية والنشاط وينحو للتجديد في العمل النقابي خلال عمله أمينا للسر وحتى انتخابه نقيبا للصحفيين.
وشهدت الفترتان نشاطا محليا وعربيا ودوليا، نهضت بها النقابة ومجلسها، ما وضعها في صدارة النقابات العربية في الدفاع عن حرية الصحافة وتعزيز وحدة الصحفيين العرب في مواجهة التحديات التي كانت تهدد أمن الأمة ووجودها.
وأعطى النقيب صباح ياسين للعمل النقابي دورا مهما في الحياة السياسية، لكونه مكملا للعمل السياسي، ونظمت النقابة مؤتمرات وندوات كرست لتعشيق الدورين خدمة العراق وإعلاء دورهما.
ولم تنل المواقع والمهام التي كلف بها النقيب من دوره كنقيب، عندما كلف برئاسة تحرير صحيفة الثورة وبعدها مديرا عاما للإذاعة والتلفزيون، وبقي على نفس الحماسة والمثابرة.
وربما تكون شهادتي مجروحة بصديق العمر صباح ياسين، لكنني خلال عملي معه طيلة العقود الماضية في عالم الصحافة أو في نقابة الصحفيين وجدته حريصا على إنجاز مهمته بأحسن وجه، وكان إنسانا معتدلا ووسطيا ومسالما ينزع للتغيير وحريصا على تشجيع المبدعين وتوفير فرص نجاحهم، فضلا عن منح العاملين معه الثقة والدور في إنجاز الأعمال المشتركة.
وأختم بالمعذرة لزميلاتي وزملائي الذين شغلوا مواقع نواب النقيب وأعضاء مجالس النقابة ولجانها المتخصصة وأقول: الرحمة للراحلين منهم، والمحبة والتحايا للأحياء منهم الذين كان لهم دور مشهود في الفترات التي تحدثت عنها، لكن شهادتي كانت بحق ثلاثة فرسان في مسيرة العمل النقابي كانوا مفخرة للعراق وللصحافة العراقية.