معايير إعفاء و اختيار القيادات في وزارة التعليم العالي ؟؟
آخر تحديث:
بقلم:باسل عباس خضير
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ليست مثل كل الوزارات ، ورغم إنها ليست وزارة سيادية أو من وزارات ( أم الخبزة ) فان إشغالها يخضع للضوابط السارية في تعيين الوزراء لان قانون الوزارة رقم 40 لسنة 1988 وتعديلاته حدد شروط إشغال مناصب رؤوساء الجامعات والعمداء ولكنه لم يتطرق إلى مواصفات الوزير ، وتكمن خطورة وأهمية وزارة التعليم العالي في كونها توظف أعلى الكفاءات وتهتم بتهيئة أجيال المستقبل الذين سيتولون أمور الدولة التنفيذية أو القيادية من خلال إعدادهم علميا ومهنيا ووطنيا في الدراسات الأولية والعليا ، وهي الوزارة المعنية بمواكبة التقدم العلمي ونقل آخر التقنيات وتطبيقاتها كما إنها مسؤولة عن رعاية الإبداع والمبدعين والنهوض بالبلد علميا إلى أعلى المستويات من خلال التعليم والبحث العلمي لأنها تجمع بين الاثنين ، والمهام الملقاة على عاتق الوزير كبيرة وجسيمة وهي مسؤولية ثقيلة بالفعل لأنها تتعلق بجوانب متعددة لدرجة إن الوزير يبقى في ذاكرة التاريخ ، ومهامه تتوسع في ظل تكاثر مؤسسات التعليم العالي بعد أن أخذت تجمع بين التعليم الحكومي والأهلي وبمستويات تبدأ من الدبلوم التقني وتمتد إلى دراسات الدكتوراه في التخصصات كافة لكي تلبي الحاجة ( الفعلية ) للمجتمع ، وفي ظل الازدياد الكبير بعدد تلك المؤسسات وانتشارها في عموم العراق أصبحت إدارة هذه الوزارة غاية في التعقيد في ظل تواضع التخصيصات المالية التشغيلية والاستثمارية للتعليم من الموازنة الاتحادية مما وضع نسبة تخصيصات التعليم في مستويات متدنية من إجمالي تخصيصات الإنفاق الحكومي في الموازنات الاتحادية قياسا بما هو مطلوب فعلا للإيفاء بالالتزامات أو للتوسيع أو بما تنفقه الدول الأخرى بما فيها الدول الفقيرة على التعليم العالي ، وان من نتائج الأداء غير الكفء للوزارة منذ عدد غير قليل من السنوات واللجوء لاعتماد المؤشرات الكمية في تحديد المدخلات للجامعات فقد نتج عن ذلك ارتفاع نسب ومعدلات البطالة للخريجين حتى لخريجي الدراسات العليا وتذيل جامعاتنا لنتائج تقويم الأداء الذي تعده سنويا المؤسسات والمنظمات الدولية ذات العلاقة بالتعليم ، وفي ظل هذا العرض غير المسر للعراقيين المخلصين ، نجد إن هناك حالات لم تحصل في اغلب الدول ، فبدلا من إعانة الوزير لكي ينهض بهذا القطاع المهم والخطير فقد تم إلغاء وزارة العلوم والتكنولوجيا ودمجها بوزارة التعليم دون صدور قانون أو نظام مما أضاف عبئا على المجهودات ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تم تكليف الوزير السابق بمهام وزارة المالية والتنسيق مع البنك الدولي وصندوق النقد لمواضيع خارج اختصاصه ولم يقبض منها التعليم أي دينار ، كما تم تكليف الوزير الحالي بمهام وزير التربية ورئاسة جامعة بغداد وكأن هموم التعليم قليلة وهناك حاجة لإشغال فراغ الوزير رغم ما يتطلبه عمله في تركيز اهتماماته بشؤون الجامعات .
ونجاح إي وزير في وزارة مثل التعليم العالي لا يمكن أن يتم إلا من خلال الاختيار الدقيق للقيادات الجامعية من رؤوساء الجامعات وعمداء المعاهد والمراكز والكليات ، فهم ليسوا موظفين اعتياديين وإنما ثروة البلد من الكفاءات المحلية التي يتوجب أن تتوفر فيهم الشروط الموضوعية لتولي هذه المناصب المهمة لغرض قيادتها للوصول إلى الأهداف التي تتبناها الوزارة ، وقد يعتقد البعض إن هيئة الرأي في الوزارة من الممكن أن تعين الوزير إلى ما يصبوا لتحقيقه من خلال الوزارة ولكن هذه الهيئة تتألف من رئاسات الجامعات والقيادات في الوزارة مما يعني إن رصانتها هي نتيجة الاختيار الصحيح للقيادات ، ومن البديهي أن يكون اختيار هذه القيادات مبنيا على مجموعة من المعايير ، ولكن هذه المعايير غير مدرجة في قانون الوزارة عدا ما يتعلق بالشهادة والمرتبة العلمية وهذين العاملين يمكن توفرهما في عشرات التدريسيين عندما يشغر موقعا معينا مما يتطلب وضع توصيف محدد لمن يتم اختياره أو ترشيحه من بين الموجودين ، ولعدم وجود هذه المعايير أو عدم شفافيتها على الأقل فقد لجأ الوزير السابق لفتح نافذة للتنافس ، إذ تم الإعلان عن المناصب الشاغرة على موقع الوزارة الالكتروني ويتم التقديم من خلاله ثم تتم غربلة الطلبات ومقابلة أصحاب اعلي النقاط وبعد المقابلة يتم الترشيح ثم المصادقة والتكليف ، ولم تحظى هذه الطريقة بقناعة الكثير ظنا من البعض إن هناك اختيارات مسبقة وان التقديم هو الغطاء ، وقال البعض إن ( طالب الولاية لا يولى ) كما اعتقد آخرون إن الكفوئين ينتظرون من يسعى ورائهم لتكليفهم واعتبروا إن الجري وراء المناصب فيه نوع من الإحراج لذلك عزفوا عن الترشيح ، وعندما استوزر الوزير الحالي صدرت توجيهات لإلغاء العمل بالوكالة وإنهاء تكليف من مضت على تكليفه 5 سنوات ، وأصبح لزاما على الوزير تطبيق ما ورد في البرنامج الحكومي وما نص عليه قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2019 ، لهذا فقد وعد بإجراء التغييرات وجعل هذا الموضوع من الأسبقيات .
والحق يقال إن اغلب العاملين في قطاع التعليم العالي بشقيه الحكومي والأهلي استبشروا خيرا بهذه الوعود على أمل إجراء تغييرات ايجابية تأتي بأفضل القيادات وان يتم استثمار الكفاءات القيادية الحقيقية التي لها تاريخ وانجازات واغتنام هذه الفرصة لقطع خطوات للأمام بما في ذلك التخلص من المحاصصة المقيتة والمحاباة والمناطقية لأنها لا تصلح للتعليم العالي ، فالتعليم العالي يفترض أن يكون مصنعا للمبادرات والإبداع والتجدد ، وبعض القيادات التي خدمت خلال ال16 سنة الماضية ربما استنفذت مخزونها من التجدد ( إن كانت بهذا الوصف فعلا ) كما إن بعضها ربما بحاجة إلى التغيير في المستوى أو المكان ، والقصد من ذلك ليس رئاسات الجامعات فحسب وإنما العمادات وحتى الأقسام فليس من المعقول أن يبقى أحدا بموقعه 15 عاما وقد تبدل أكثر من 6 وزراء وتباين أدائهم بين هذا المستوى أو ذاك ، وعند ولادة أولى التغييرات ولغاية اليوم والتي شملت العديد ن المواقع والحالات لا تزال التساؤلات تطرح حول المعايير التي اعتمدت في :
. إنهاء تكليف بعض القيادات وتحويلهم إلى تدريسيين في الجامعة نفسها
. إنهاء تكليف البعض من موقع ا وتكليفه بموقع بنفس المستوى أو أعلى
. التكليف بمهام قيادية لمن لديهم خدمات سابقة تزيد عن الخمس سنوات
. تكليف تدريسيين للمرة الأولى بمهام معينة وليست لديهم خبرات سابقة
. إنهاء تكليف قيادات قبل انقضاء مدة الخمس سنوات وتثمين جهودهم
واغلب الأوامر الوزارية التي تناولتها ونشرتها وسائل التواصل الاجتماعي كسابقة في إجراء التغييرات الجامعية ، تشير إن التكليف الجديد هو لمدة ثلاثة أشهر على أن لا تترتب عليه أية التزامات مالية عن المنصب أي انه تكليف مؤقت ، وإذا كان بهذا المسمى فهل إن رئيس الجامعة ( المؤقت ) سيختار العمادات ورئاسات الأقسام أم أن الوزارة هي من تختار أم ينتظرون الأصيل ليقوم بالترشيح أو يختارون قم يبدلهم الأصيل ، فمن الضروري التذكير بان إعفاء الأعلى بسبب الفشل مثلا فربما البعض من معيته تتحمل تبعات ذلك ، وإذا كان المعيار هو الاقدمية فهناك مساعدين وعمداء قضوا أكثر مدة زمنية تكليفا من الرئيس ، والأمر الآخر الذي يثير التساؤل أيضا هو لماذا خلت الإعفاءات من النقل إلى خارج الوزارة أو الإحالة إلى التقاعد أو الإحالة إلى النزاهة إذا كانت لأسباب أخرى ، وان ما نذكره ليس طعنا بإجراءات الوزير وإنما استفهامات بحاجة إلى توضيح ، ومسألة الشفافية حالة وجوبية في الدول الديمقراطية والدستور العراقي اقر هذا المبدأ في نصوص عديدة ، ولا يعني ذلك أن تقوم وزارة التعليم العالي بتبرير كل تغيير تجريه في القيادات لان هذا شانها وللوزير الكلمة الفصل بضوء المعايير المتبعة ، ولاشك إن منتسبي الوزارة وتشكيلاتها وعموم الجمهور بحاجة لكي يطلعوا على معايير إعفاء وتكليف أو تعيين القيادات الجامعية لكي يكونوا جزءا من التغيير ويؤيدونه عندما يكون على وفق القياسات ، باعتبار إن التعليم العالي وزارة تهم كل العراقيين وان العاملين فيها من مستويات مختلفة وبعضهم بأعلى الاختصاصات ومن الدرجات العلمية التي يهمها الاطلاع والاطمئنان لكي يبتعدوا ويبعدوا حالات القيل والقال ، اخذين بنظر الاعتبار إن عدد من يشملهم التغيير في مركز الوزارة و العمداء ورؤساء الجامعات في القطاع الحكومي ربما يصل إلى 500 وقد يزيد عن ذلك إن شمل الجميع ، وفي كل الأحوال نتمنى التوفيق لمن انتهى تكليفه القيادي لأته سيعود تدريسيا في خدمة الأجيال ، كما نتمنى النجاح لكل من شملهم التكليف لأنهم سيتحملون مسؤوليات جسام ، وآخر الأمنيات هو اعتماد الكفاءة والنزاهة والابتعاد عن المحاصصة لأنها لا تصلح أو تليق بقطاع التعليم العالي قط .