جرف الصخر تلك الناحية الزراعية الواقعة جنوبي بغداد والتي تضم عشرات القرى بموقعها الاستراتيجي المطل على محافظات بابل جنوبا والأنبار غربا من جهة عامرية الفلوجة ومن ثم وكربلاء والنجف وصولا إلى منفذ عرعر بين العراق والسعودية ، تكاد تكون هذه المنطقة اليوم بؤرة عسكرية بالكامل منذ استعادة ميليشيات الحشد السيطرة عليها قبل نحو أربع سنوات وتحديدا في تشرين الأول عام 2014 من قبضة تنظيم الدولة بعد معارك عنيفة حملت عنوان “عملية عاشوراء” شارك وأشرف عليها قائد جيش القدس الإيراني قاسم سليماني وفقا لتصريحات منسوبة لقيادات في ميليشيا حزب الله.
الناحية أغلقت بالكامل ومنع سكانها البالغ عددهم نحو 140 ألفا من العودة إليها ، بل واصدر أعضاء في مجلس محافظة بابل يمثلون إئتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي وعلى لسان “أحلام راشد” عضو المجلس قرارا بمقاضاة أي جهة سياسية أو فرد يطالب بعودة المهجرين إلى جرف الصخر لأسباب أمنية كما وصفتها ، حيث استغل حزب الدعوة الذي حكم العراق ثلاث دورات متتالية الظروف الشاذة بالتحشيد طائفيا ضد هذه المنطقة وغيرها من تلك التي تجاور بغداد ليقول بأنه لولا حزب الدعوة لما استطاع الشيعة من زيارة مراقد “الأئمة” والسير من بغداد إلى كربلاء .
الميليشيات التي تسيطر على ناحية جرف الصخر هي “كتائب حزب الله والنجباء وسيد الشهداء” ، وكلها فصائل ترتبط بشكل وثيق مع إيران ، كما وإنها أول من بادر وأعلن الرفض التام لقرار رئيس الوزراء بشأن إعادة هيكلة ميليشيات الحشد وإخلاء مقارها المنتشرة في المحافظات وأكد زعمائها بأنهم سيدافعون عن إيران علناً حال تعرضت لهجوم أمريكي ولمحوا لسقوط أو إسقاط حكومة عبد المهدي خلال أسابيع إن تواطأت مع واشنطن ضد طهران ، وبلغت الجرأة ببعضها للقول بإنها تمتلك معسكرات سرية لا يجرؤ أحدا على غلقها ، وبرهان ذلك هو ما أقر به النائب عن محافظة بابل “هيثم الجبوري” حين أكد أن الدخول إلى جرف الصخر بالقوة يعني صداماً مسلحاً مع القوى التي تسيطر عليها ، فيما كشف رئيس حزب “الحق” العراقي “أحمد المساري” عن اختطاف مليشيات تسيطر على جرف الصخر لوزير الداخلية السابق “محمد الغبان” حين حاول الدخول إلى الناحية وقد أفرج عنه بعد تدخل جهات في الدولة تفاوضت مع الميليشيات من أجل إنهاء خطف الوزير وتجنب إحراج الحكومة وإظهارها أمام العالم بأنها ضعيفة وعاجزة ، وهو واقع لطالما حاولت بغداد تجنب الحديث عنه ، إلا إن رئيس الوزراء السابق “حيدر العبادي” أكد لصحيفة التايمز البريطانية في وقت سابق من هذا العام وجود أجنحة مسلحة فاسدة لا تستطيع الحكومة السيطرة عليها .
تبعية ملف جرف الصخر والمتحكم فيه أكده عام 2017 نائب رئيس الجمهورية العراقية آنذاك “إياد علاوي” وخلال تصريح متلفز شاهده الملايين حين قال إن عودة نازحي جرف الصخر بيد إيران وقيادات في لبنان حصرا ، تصريحات ومواقف تعطي انطباعا واضحا كيف أن هذه المنطقة باتت خارج سيطرة الدولة العراقية وإن الميليشيات التي تديرها تستلهم قوتها من خلال ارتباطها المباشر بالحرس الثوري الإيراني ، وبغض النظر عن وفرة المياه وخصوبة أرض ناحية جرف الصخر التي تؤهلها لتكون عاصمة اقتصادية تمول الميليشيات نفسها من مواردها ذاتيا ، فإن وجود عدد من المنشآت والمصانع الحربية هناك والتي كانت تابعة لهيئة التصنيع العسكري المنحل عام 2003 ، وفرت الظروف ليقع عليها الاختيار في أن تكون قاعدة إيرانية متقدمة ضمن جبهة ما بات يطلق علية بـ”خط المقاومة والممانعة” الممتد من طهران مرورا بالعراق حتى شواطئ البحر المتوسط لسوريا ولبنان .
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط قال في تقرير له إن مقرات ميليشيا حزب الله في العراق أصبحت مضيفًا للصواريخ البالستية الإيرانية ومنها منطقة جرف الصخر والتي يمكن أن تستهدف من هناك إسرائيل أو المملكة العربية السعودية أو قواعد تابعة للقوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة حال اندلعت الحرب بين طهران وواشنطن ، التقرير أكد أيضا أن الميليشيات طورت ممرات وخطًا من الاتصالات مع الحرس الثوري عبر محافظة ديالى المحاذية لإيران كبوابة لباقي مناطق العراق وهو ما سمح لها بنقل الصواريخ والمعدات بسهولة ، حتى أن نائب رئيس الوزراء الأسبق “بهاء الأعرجي” علق على مخازن السلاح التي بعهدة ميليشيات الحشد والتي باتت تنفجر مؤخرا بالتتابع بعد تعرضها لغارات تؤكد مصادر مختلفة أن الطيران الإسرائيلي هو من ينفذها ، قال في تغريده له على توتير أن تلك المخازن تحوي أسلحة أمنتها دولة مجاورة “في إشارة لإيران” لدى العراق ، لافتا إلى أن حجم الانفجارات الهائل يشير إلى كون هذه الأسلحة ليست بالتقليدية بتاتا .
وكالة رويترز هي أول من كشف بأن أزمة جرف الصخر لم تعد مسألة نازحين وإشكالية إعادتهم لمنازلهم ، بل هو تحول الناحية إلى منطقة عسكرية معزولة ، حيث نقلت الوكالة في تقرير لها نشر في أغسطس عام 2018 تصريحات عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين ومصدران في المخابرات العراقية ومصدران بمخابرات غربية ، أكدوا فيها أن إيران نقلت صواريخ باليستية قصيرة المدى لحلفائها في العراق ، وقال خمسة من المسؤولين إن خبراء في الحرس الثوري الإيراني يساعدون تلك الجماعات على البدء في صنع الصواريخ ضمن خطة بديلة حال تعرضت طهران للهجوم ، والصواريخ المعنية هي “زلزال وفاتح وذو الفقار” ويتراوح مداها بين 200 و700 كيلومتر ، تم تخزينها في منشآت ومعسكرات بمنطقة الزعفرانية شرقي بغداد وجرف الصخر شمالي بابل ، وهو نشاط وتدفق صاروخي يتم بعلم الحكومة العراقية رغم نفيها وفقا لتقرير صادر شبكة غلوبال نيوز الكندية .
ووسط عجز حكومي ونفوذ إيراني متزايد ، فلا ملامح لأن تحل أزمة جرف الصخر على المدى القريب أو حتى البعيد بعد تأكيد مصادر محلية أن عمليات تجريف وتغيير ديموغرافي تجري هناك على قدم وساق فضلا عن عمليات توطين عائلات عناصر الميليشيات في المنطقة حتى بات ما يطلق عليه بـ”جرف النصر” وكأنه كيانٌ محتل مدجج بالسلاح ومحاطٌ بأسوار يقوده جنرالات كبار من الباسيج الإيراني ، ومقتل القائد في الحرس الثوري الإيراني “أبو الفضل سرابيان” في قصف على مخزن سلاح لميليشيا الحشد في “معسكر آمرلي” بمحافظة صلاح الدين مؤخرا لهو خير دليل