في لحظات .. لا تسمع فيها أزيز الرصاص .. هذا يعني انك في هدنة .. وهي استراحة محارب .. ومنها تبدأ حسابات وحجم الخسائر والبدائل .ان مجابهات أسبوع كامل من الانتفاضة الباسلة .. قد أفرزت وجود لاعبين بفريقين .. فريق يمتلك المال ، والسلطة ، والسلاح ، والمكر والخداع .. لكنه عار من غطاء الوطن والشعب .. وفريق ثان لايمتلك سوى الإرادة الوطنية المكتسبة من القهر ، والحرمان ، مع تراكم في الوعي ، وحقوق الانسان .
في لقائي المتلفز مع قناة T R T التركية ( عربي) الذي اجري قبل أسبوع .. ذكرت جملة من المعطيات الجديدة .. اذكر منها الان بالتفصيل والإضافة .
اولا/ .. ان سر نجاح الايّام السبعة ، التي هزت الحكومة والبرلمان ، وأدهشت وسائل الاعلام .. تتلخص بوعي تراكمي ، وتحدي جريء ظهر على سلوك الشباب الثائر . . مما جعل الرؤوساء ، والوزراء ، والنواب في حالة ذعر وارتياب ، خوفا وارتباكا ، خضوعا وانقيادا .. لارضاء المتظاهرين بقطعة ارض ، أو عقد عمل ، وكأن المتظاهرين باتوا من المتسولين والضالين ، وهم الذين تميزوا بالقدرة على صبر السنين .
كنت أصغي .. الى الشبان الثائرين ، وهم يتحدثون عن انتفاضتهم ، بحماسة وثقة قل نظيرها .. في زمن من الارتخاء الوطني ، والميوعة السياسيةً ، حتى خَيل لي ان هؤلاء الفتية نزلوا من كوكب اخر .. أو من فضاء سيبراني لا يقتصر على تكنولوجيا الاتصال بعوالمه الافتراضية .
ان جعل المظاهرات ، في حالة حراك متنقل ، تنتهي ( بمظاهرات مناطقية ) فكرة ذكية .. لان تركها تتجمع في ساحة التحرير ، بوقت عسير ، و بعلم و وبموافقة الحكومة ، لا يخدم القضية .. كما ان استمرارها في حالة تنقل دائم .. يعد تحولا نوعيا و مهما ، جعل المتظاهرين في حل من موافقات السلطة ، فهم الان يتحكمون في الزمان والمكان ، بما يناسب تجمعهم وانسحابهم .. وهذا وحده ينهك السلطة واجهزتها الأمنية .
هؤلاء الفتية من الشبان الثائرين .. ولدوا وامامهم صورة نمطية / لسياسيين فاسدين و لصوص ، تناوبوا على صناعة الظواهر السياسية .. استثمروا المذهبية عقيدة ، ثم الطائفية ذريعة ، وأخيرا لعبوا على حبل الديمقراطية نهجا مزيفا .. واتخذوها هزوا ، كي يحافظوا على امتيازاتهم وفسادهم .
ثانيا / ..سبب مهم ، يكمن في التغيير الجذري في عقول وفكر الشباب الثائر ، نضجت معه قناعة راسخة باسقاط ( المقدس ) الذي كان يقودهم وفقا لأجنداته ، وغيبياته ، ونزواته .. وقد أعلنوا فك هذا الارتباط المقدس صراحة .. مع الذين لم يقفوا معهم ، في ساعة العسرة / يوم جرفت بيوتهم الواهية ، وسحقت بسطياتهم البالية .. وما من معين ، و لا من منقذ أمين .
ان معظم المتظاهرين من خريجي الكليات .. وجدوا أنفسهم يقطنون داخل عشوائيات ، و مصدر رزقهم من البسطيات .. ولم تلتفت اليهم جميع الحكومات .. ولا الى إمكانية تعيينهم ..حالهم حال الآلاف من اولاد المسؤولين في الداخل والشتات .
ثالثا / لم يخرج الفتية هذه المرة للمطالبة بالخدمات .. انهم خرجوا لتغيير بنية النظام وتفكيكه .. وتشكيل حكومة جديدة باستفتاء مباشر من الشعب .
البعض .. ظل يتحدث عن ضرورة وجود البديل .. أظن ان التغييرات السياسية والاجتماعية الكبيرة ، تفرز معها وبسرعة البدائل المناسبة .. وما يميز العراق كثرة العقول العلمية ، و ضخامة الموارد الطبيعية .
اخيراً .. ان الثورات العظيمة تبدأ بسلسلة من الانتفاضات القوية .. و اليو م لم يعد الوقت في صالح حكومة عبد المهدي .. فهناك فكرا سياسيا بدأ يتجذر .. مقابل سلطة ضعيفة تتبخر .
حكومة عبد المهدي ، سقطت بأول امتحان شعبي قاس .. لم تستطع معه الحفاظ على شرعية وجودها وتوازنها امام الإعصار الشعبي الذي هز أركانها .. حتى تركت أمور الدولة لفصائل مسلحة ، لا تفكر الا بأحكام السيطرة على المرافق الاقتصادية ، وشل عَصّب الدولة ومؤسساتها السياسية .. والقتل العمد لمعارضيها ..فظهرت الحكومة وهي في حالة يرثى لها .. لاتستطيع حماية نفسها ، ولا حماية مواطنيها .. لهذا أصبحت الأفكار جاهزة للتغيير .. واصبح الخلاص شعارا لإنهاء هذا الواقع المرير .