دولة المكونات ودولة المواطنة

دولة المكونات ودولة المواطنة
آخر تحديث:

 بقلم:صلاح الزبيدي

انهيار الدولة العراقية بكيانها ومؤسساتها وهويتها بعد الاحتلال الأميركي عام ٢٠٠٣, أسس نمطا جديدا من العلاقات بين مكونات الشعب الواحد, فمن المعروف ان الشعب العراقي يتكون من تعددية قومية ومذهبية ودينية حاله حال الشعوب الأخرى, الاان الاحتلال اعتمد أسلوب الاستقطاب الطائفي في عملية بناء الدولة العراقية التي تمثل اللبنة الثانية بعد الدستور وتشكيل معظم القوى والأحزاب السياسية على أساس ولائها

للمكون وليس الانتماء الوطني, وهذا انعكس بطبيعة الحال على الحكومات العراقية التي جاءت بعد ذلك, مما أضعف الوحدة الوطنية وامتدت هذه الظاهرة لتشمل جميع شرائح ومؤسسات الدولة حتى باتت الطائفية هي السمة الغالبة على كافة أوجه الحياة في العراق الجديد.

الواقع أن سياسة المحتل الاميركي التى رسخت نهج المحاصصة الطائفية والتخندق الطائفي لم يكن من فراغ, بل كانت فكرة تقسيم العراق للمكونات مدروسة ومخطط لها من قبل الاحتلال لغايات سياسية واقتصادية مستقبلية لإخضاع المكونات الثلاثة لارادتها اسهل من إخضاع دولة واحدة, كما وأن دول الجوار الإقليمي لها دور كبير في افشال العملية السياسية وبناء الدولة المدنية, حيث لعب الإعلام دورا في هذا المجال من خلال التصدي لقيام الدوله المدنيه وتزييف وعي المواطنين وتشويه مفهوم الدوله المدنيه من خلال المنابر الإعلامية والجيوش الالكترونيه لجعل مفهوم الدوله المدنيه من المفاهيم الدخيلة على الإسلام والملغومة بالمحرمات ,وهذا التخويف والتوظيف المشوه للدوله المدنيه هي لسيطرة احزاب الاسلام السياسي على البلاد وثرواتها وبمساعدة الدول المرتبطة بها.

وظهرت ثقافة طائفية وعرقية للكتل السياسية عبرت عنها عن طريق القنوات الفضائيه التابعه لها فظهر الخطاب الطائفي وغياب الخطاب الوطني العراقي وأصبحت هذه الكتل تعمل على تعريف ذاتها بعيدا عن فكرة المواطنة وقبول الآخر, اذ ان جميع الكتل والاحزاب السياسية لم يعملوا على بناء الدولة والحكومة على أسس وطنية تعيد انتاج الولاء الوطني الجامع, ولذلك لا يبدو مستغربا بأن مجلس الحكم لم يطلق اي مشروع للعدالة او مبادرة للمصالحه الوطنيه في وقت كان العراق بامس الحاجة لطرح هكذا مشروع او مبادرة تأسيس الدولة العراقية على أرضية سليمة وعادله وخاليه من سلبيات الماضي واليوم معا.

استمرار نهج المحاصصة في الحكومات العراقية التي حولت الوزارات الى اقطاعيات حزبية وعائلية مصدرا ماليا لها عبر طرق مختلفة مثل الاستفادة من العقود والمشاريع و ميزانية الوزارة نفسها ,مما ادى الى تعميق الفجوة بين الطبقه الحاكمه وبين مختلف شرائح المجتمع العراقي,هذا السلوك السياسي حول العراق الى دولة فاشلة وفي ظلها انتهكت السيادة العراقية وسلب القرار الوطني المستقل بسبب ضعفها وتدخل الإرادات الدولية والإقليمية,النظام السياسي القائم على المحاصصة السياسية تتجمد فيه الأحزاب وتتعامل مع مواقفها ومناصبها وامتيازاتها وكانه من الأملاك الشخصية ولا يفرقها عنها الا الموت ,فان هذه النظم ستعاني الكثير على صعيد تراكم الأخطاء والإضرار بالصالح العام التى تحول دون ممارسة العمل الإداري والسياسي بما ينسجم ومتطلبات بناء الدوله المدنيه وخدمة الصالح العام.

الدوله المدنيه باعتبارها المفتاح الاساسي للمواطن لابد ان تكون الدولة هي الحاضنة للتنوع الديني والثقافي وتعميق ثقافة التسامح الفكري وروح المبادرة, مما يعزز الثقة بين المواطن والدولة, بحيث يقف الوعي الوطني والتمسك بالواجبات الدينية والوطنية في مواجهة المصالح الطائفية والحزبية الضيقة.

لهذا وبفعل فشل النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية, فثمة حاجة فعلية لبناء أحزاب سياسية وطنية بعيدا عن التخندق الطائفي والعرقي,وبناء نظام سياسي محوره إعادة الاعتبار للهوية الوطنية من خلال التأكيد على روح المواطنة وتغلبها على الولاءات الفرعية, بحيث تصبح الدولة للجميع وهذا لا يتم إلا عبر بناء الدوله المدنيه.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *