عندما سئلت آنا بيرنز، مؤلفة رواية (بائع الحليب)، التي وصفت الاضطرابات في ايرلندا وحازت على جائزة البوكر عام 2018، عما إذا كانت الكتابة فعلا سياسياً، فوجئتْ بذلك قائلة: “بكل صراحة؟ هذا النوع من الأسئلة لا أدري ماذا أفعل به. إنها ليست الطريقة التي يعمل بها عقلي”. في نهاية الأمر أقرت بأنه إذا كانت السياسة تتعلق بالسلطة، نعم، حسنا، فإن عملها كان سياسيًا. هذه الهواجس لم تردع حكام تدشين جائزة أورويل للرواية السياسية عن منح بيرنز جائزة أخرى. أشاد توم ساتكليف، رئيس اللجنة التحكيمية برواية (بائع الحليب) لتصويرها “كيف أن الولاءات السياسية تسحق وتشوه ولاءاتنا الغريزية الإنسانية”.
مثل بقية القائمة القصيرة لجائزة أورويل، كان ثمة موضوع في رواية (بائع الحليب) أكثر مما هي أجندة. دائمًا ما يكون المجال في هذا النوع من الرواية السياسية رحباً، يمكنه من استيعاب مؤلفين أمثال ألي سميث، راشيل كوشنر، بول بيتي، وجوناثان كو. وكما كتب جورج أورويل: “لا يوجد كتاب خالٍ بصدق من التحيّز السياسي. إن الرأي القائل بأن الفن يجب أن لا يكون له علاقة بالسياسة هو موقف سياسي بحد ذاته”. ومع ذلك، من الصعب العثور على مثال على ما يمكن للمرء أن يسميه “رواية الحملة السياسية”: تلك المجموعة الفرعية التي تضم كلاسيكيات من قبل أمثال تشارلز ديكنز وإميل زولا، جنبًا إلى جنب مع البيانات المصاغة أدبياً، المذكرات، والتحقيقات الصحفية. إن ما يوحدهم هو الرغبة العاطفية في استخدام الشخصية والسرد لجذب انتباه القارئ إلى بعض العلل الاجتماعية وتعبئة الجهود لمعالجتها. وكما وصف النهج سام ليث، محكّم جائزة أورويل بقوله: “انظروا إلى هذا، أليس مُريعًا؟”.
عندما أعلن ساتكليف القائمة الطويلة في شهر مايو، قال إنه “يُسلم بأنه يمكن العثور على السياسة في كتابٍ ما بين السطور، أكثر مما فوقها”. اعتبر كو الذي لم تفز روايته عن حالة الأمة (إنجلترا الوسطى) في القائمة الطويلة، على أنه “توبيخ ضمني” للكتب ذات الأجندة الصريحة. يقول: “قد يكون رد فعلي في بعض الأحيان أنه سيكون هناك وقت للتحدث بصوت عال وواضح. وعلى أية حال، كما يقول دوغ أنديرتون، إحدى شخصياتي في رواية (نادي البغيضين): الدهاء هو مرض إنجليزي. أعتقد أنه لأمرّ غريب في اللغة الإنجليزية، هذا النكوص عن رواية تبدو رسالتها السياسية علنية للغاية. في فرنسا، على سبيل المثال، يستطيع الكتّاب الحصول على نقاط إضافية لكونهم “ملتزمين”. حتى في اسكتلندا، يُعتبر أمثال جيمس كيلمان وألسدير جراي أبطالاً قوميين إلى حدّ ما بسبب المحتوى السياسي لأعمالهم. لكن في إنجلترا يبدو ذلك مبتذلاً نوعًا ما”.
لطالما أثارت الروايات السياسية الصريحة قدراً من الارتياب. فقد صنّف أورويل كما هو معروف رواية هاريت بيتشر ستو المعادية للرق (كوخ العم توم، 1852) باعتبارها “كتابًا سيئًا جيّدًا” ـ الجلافة ما زالت فعّالة حتى الآن ـ ونبذ ميلان كونديرا بدوره عمل أورويل (ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون، 1949) “باعتباره فكراً سياسياً متنكّرًا بهيئة رواية”. في مراجعة مدمرة، قال ويتاكر تشامبرز: إن تحفة آين راند الفلسفية الهائلة (أطلس هزّ كتفيه، 1957) يمكن وصفها بأنها رواية فقط من خلال تخفيض قيمة المصطلح … قصتها بكل بساطة تنفع الآنسة راند في جلب الزبائن إلى داخل الخيمة، وكصندوق صابون فارغ تستخدمه كمنصّة لنقل رسالتها.
مقاومة الرسالة لم تزد إلاّ شدّة منذ ذلك الحين. يعتقد لييث أن المد والجزر للموضات الأدبية تركت رواية الحملة السياسية عالية وجافة. يقول: “لقد أسكرتنا جميعًا فكرة أنك لا تكافئ كتابًا على أهمية موضوعه بل على حرفته الأدبية. ففي حين أن اتساق الاستعارات هي لعبة عادلة، فإن قيمة أفكارهم أقل من ذلك”. هذا التركيز النقدي على الشكل واللغة يكافئ كتابًا استثنائيًا مثل كتاب “بائع الحليب”، لكنه يخلق مناخًا صقيعيًّا لأيّ مؤلف له أجندة إصلاحية صارخة.
“عندما تدرس الأدب، تتعلم الشعار القائل بأن الفن العظيم ليس سياسياً”، كما تقرّ جوانا كافينا، التي تُعتبر روايتها الأخيرة (Zed) هجاءً ساذجاً حول انحلال عملاق التقنية المتخطي للحدود القومية. «أنت تقرأ بأن الأفكار عبء على الخيال بطريقة ما. لكن بمجرد خلق شخصية أو كتابة قصة، فإنك ستكون في صميم فكرة عن المجتمع سواء أعجبك ذلك أم لا». تفضّل كافينا، التي تأثرت بكافكا وغوغول و»تقاليد القلق»، نشر السخرية للتعبير عن غرابة الحياة الحديثة. فالرواية الوعظية، كما تقول، أكثر عرضة للرفض باعتبارها دعاية. «مؤلفون مثل وليام موريس يمكن أن يكونوا واثقين للغاية: هذا هو برنامجي السياسي، وأنا أريد هذه النتائج. لقد كانوا متأكدين جدًا من أنفسهم ومن مكانهم في المجتمع. عالمنا أكثر تقلبًا والجمهور أكثر تطوراً. الناس مرتابون جداً من الجدال الفظ ـ عن حق ـ لدرجة أننا نتساءل عن دوافع كل شيء طوال الوقت».
لم تكن القضية دائمًا هي أن القراء نكصوا عن الرواية التبشيرية. خذ على سبيل المثال رواية (النظر إلى الوراء: 1887 ـ 2000، 1888). غلّف منشوره من أجل اشتراكية أمريكية داخل حكاية أرستقراطي من بوسطن ينام لمدة 113 عامًا ويستيقظ في يوتوبيا مساواة، أنتج الصحفي إدوارد بيلامي كتابًا هائلاً من الكتب الأكثر مبيعًا قيل إنه جلب المزيد من الأميركيين إلى الاشتراكية أكثر مما فعله كارل ماركس. امتد نفوذ رواية (النظر إلى الوراء) ليشمل حق المرأة في الاقتراع، الشعبويين، هـ. ج. ويلز، موريس، فرانكلين د. روزفلت، وكليمنت أتلي، الذين أخبروا بول، نجل بيلامي، أن حكومة حزب العمل بعد الحرب كانت «طفلاً لمُثُل بيلامي العليا». لم يغيّر بيلامي العالم إلى الحد الذي كان يأمل فيه، لكنه بالتأكيد تركه مختلفًا إلى حد ما. تستهدف روايات الحملات السياسية كتب التشريع، وبين الفينة والفينة تصيب هدفها. رواية أبتون سنكلير التي تقلب الأمعاء (الأدغال، 1906)، والتي تفضح محنة العمال المهاجرين في مصانع تعبئة اللحوم بشيكاغو، دفعت الرئيس تيودور روزفلت إلى تأسيس إدارة رائدة للأغذية والعقاقير، رغم “خيبة أمل سنكلير” في تحسين حقوق العمال. رواية (القلعة، 1937)، أكثر كتب أ. ج كورنين مبيعًا، التي تدور عن طبيب مساوِم أخلاقيًا في بلدة تعدين ويلزية، أثرت على خطط صديقه أنورين بيفان في هيئة الخدمات الصحية الوطنية. كما أطلقت رواية (كوخ العم توم) لبيتشر ستو حركة إلغاء الرقّ. رواية (المحسنون ذوو البناطيل الرثّة، 1914)، شبه السيرة الذاتية لروبرت تريسيل التي وصف فيها الفقر والاستغلال في بلدة إنجليزية صغيرة، كما قال النائب العمالي دان كاردين مؤخراً، “منحت الحركة الاشتراكية في عصرنا الحاضر قصة تدعم قضيتنا”.
في الطرف الآخر من الطيف السياسي، شكّلت رواية راند الرمزية، التحرّرية العنيفة (المنبع، 1943) وروايتها (أطلس هزّ كتفيه) تفكير الحواريين الأقوياء بمن فيهم رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق بول رايان، وقاضي المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية كلارنس توماس، والخبير الاقتصادي آلان غرينسبان، ومستشار وزارة المالية البريطانية ساجد جاويد. رواية الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي البارزة والمعادية للاستعمار (الأشياء تتداعى، 1958)، كانت الرواية المفضّلة لرئيس حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين وباراك أوباما، ومدوّنة الغولاغ* التاريخية التي كتبها ألكسندر سولجينيتسين (يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش، 1962) نبّهت جمهور القرّاء في العالم إلى الظلم الفادح الذي يدور في نيجيريا والاتحاد السوفياتي بالتعاقب. هذه بعض الأمثلة التي أحدثت ثلماً خطيرًا في المشهد السياسي؛ روائيون كثر اعتقدوا أن الأمر يستحق المحاولة. لكن رواية الحملة السياسية أضحت مفارقة تاريخية. نوع معين من الأصوات الملحّة الخفيّة أخلد إلى الصمت.
يشير جان سيتون، مدير جائزة أورويل، إلى أن هناك بعدًا سياسيًا لاضمحلال رواية الحملة السياسية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. العديد من أغلب الروائيين الفاعلين في مرحلة ما قبل الحرب كانوا من الاشتراكيين الذين زعزعت الستالينية مكانتهم الأخلاقية. إصرار ستالين على الواقعية الاشتراكية أثار جدلاً وريبة جمالية وأخلاقيّة. يقول سيتون: “الفظاظة حدثت بسبب الشيوعية، لأن الشيوعية تخبرك بأنه يجب عليك كتابة روايات تتضمن رسائل سياسية، وكنا جميعًا إلى جانب فاسيلي غروسمان الذي لم يكتب مثل تلك الرسائل. الفظاظة كما تبدو أيديولوجية”.
إنّ أيّ كاتب روائي ما يزال يرغب في تحفيز الإصلاح السياسي، ولجم النقّاد، يتوجب عليه أن يحسب حساب طبقة سياسية تهتم بالخيال الأدبي بدرجة أقل بكثير من جيل كليمنت أتلي وأنورين بيفان. يستذكر سيتون قضاءه بعض الوقت مع عضو مجلس الوزراء في حزب العمال، روي جنكينز، خلال فترة الستينيات من القرن الماضي: “كان يأخذ بالأفكار ويتمثّلها. هناك شيء ما عن الحياة التي يحياها الآن كبار السياسيين ورجال الإدارة ممن لا يكافئون المناطق النائية عن المدن ولا يمنحونها وقتًا للتفكير”. إنها حلقة فاسدة سارية المفعول، يفقد فيها السياسيون الاهتمام بالرواية السياسية، ويفقد الأدباء إيمانهم بقدرتهم على التأثير في السياسة.
أحد الاستثناءات البارزة هو نائب زعيم حزب العمال البريطاني توم واتسون، الذي شملت معاييره (النظر إلى الوراء) وعمل آرثر كويستلر الذي فتح العين على الاضطهاد الستاليني، (ظلام عند الظهيرة) (1940). يقول واتسون: “إن أفضل السياسيين هم الذين يأسرهم الخيال، وكذلك تفعل كل الروايات العظيمة، لأن بإمكانها لمس الذات العاطفية وكذلك الذات العقلانية، كما يمكنها تحفيز التفكير الداخلي. رواية (ظلام عند الظهيرة) منحتني نظرة ثاقبة حقيقية حول كيفية استخدام الأيديولوجيا للقمع”.
ومع ذلك، فإن السياسي العادي لن يكون مخطئًا في افتراض أن الرواية السياسية تفتقد القدرة على جذب الناخبين، ولذلك يوجد احتجاج يضيّق على اهتمامهم. ليس ثمة كتاب حديث يقترب إلى ما بلغ إليه (كوخ العم توم)، أو (النظر إلى الوراء)، أو تراجيديا قصعة الغبار* التي كتبها جون شتاينبك (عناقيد الغضب، 1939): جميعها انطلقت كأكثر الكتب مبيعًا التي تطلبت نوعاً من رد الفعل من قبل السياسيين. وهذا يعكس خسارة الرواية الواسعة للأولوية الثقافية. منذ قرن مضى، كان لا يزال الشكل السائد في رواية القصص، لذا فإن أي كاتب لديه رسالة سياسية لينشرها كان يميل إلى منحها فرصة. اعتقدَ كتّاب الحملات السياسية أن القشرة الروائية، مهما كانت رقيقة، تُعد ضرورية لتزيين الرسالة. ومع ذلك، فإن تطور “الرواية غير الخيالية” بعد الحرب العالمية الثانية أزال حاجة الصحفيين إلى التنكر كروائيين. ربما كان على سنكلير في القرن الحادي والعشرين أن يقرر تأطير كتاب مثل (الأدغال) باعتباره ريبورتاجاً مباشراً، في حين أن عملاً مثل (النظر إلى الوراء) في العصر الحديث قد يكون على الأرجح بيانًا رسمياً على غرار أسلوب كتاب (ما بعد الرأسمالية، 2015) الذي كتبه الصحفي البريطاني بـول ماسون. لقد أدت شعبية الروايات التجارية في الأسواق العامة إلى تخفيف الضغط التجاري القديم لطحن الجدال السياسي وتحويله إلى شكل مصطنع. جون لانشستر، الصحافي والروائي البريطاني، على سبيل المثال، يتناوب بين الأدب الروائي الرصين والأدب الشعبي وفقًا لما يريد قوله.
لماذا نتمسك أصلاً بالصفحة المطبوعة؟ دايفيد سيمون وصف مؤلَّفه (السِّلك) بأنه “رواية للتلفزيون”، ورد النقاد بالقول بإنها فعلت مع مدينة “بالتيمور” ما فعله ديكنز بلندن في العصر الفيكتوري. مثل سنكلير، بنى سيمون مجده كصحفي سياسي وجلب نزعة تعليمية معينة إلى (السلك). قال عن صالة الكتّاب: “لقد كنا مجلس تحرير، وكنا نصنع حججنا بأفضل ما نستطيع، مستخدمين الدراما السردية”. من الصعب التفكير برواية حديثة ذات حماس أخلاقي وتأثير سياسي لأفلام كين لوتش (كاثي تعود إلى البيت، 1966) أو (أنا دانييل بليك، 2016): ذهبت جائزة أورويل لأفضل مقال في تلك السنة إلى مقالة بعنوان (العدالة الإدارية في أعقاب “أنا، دانييل بليك”). ربما يكون الأمر جيدًا إذا كان سيمون هو ديكنز عصرنا الحاضر، ولوتش هو تريسيل. “ليست هناك ضرورة مطلقة للروايات من أجل التمتع بمكانة متميزة في الثقافة”، كما يقول لييث، “فمن حيث كيفية نشر الأفكار، فإن أية وسيلة اتصال تبلغ الناس تكون هي الوسيلة المهمة.”
حتى الآن، ما زال هناك عدد قليل من الروائيين الذين يحاولون الامساك بتلابيب القرّاء. يشيد سيتون بالسخرية اللاذعة لوادي السيليكون الذي قام بها ديف إيغرز في روايته (الدائرة، 2013) لبلورتها المخاوف بشأن وسائل التواصل الاجتماعي على شكل فيلم إثارة والتسبب بتموجات في عالم التكنولوجيا والسياسة. يقول فرانك كوترل بويس، وهو مؤلف للأطفال وكاتب سيناريو، إن أدب الخيال الموجّه للشباب، بغرابته الطبيعية وجمهوره المثالي، يمثل أداة للأفكار السياسية مبخوس حقّها، ويشبّه الروائية الرحّالة إليزابيث ليرد “بمراسلة أجنبية عاطفية ومتعاطفة بشكل خاص، ترسل تقاريرها من العالم الواسع”. لكنه يشعر بالقلق لأنه، منذ نجاح سوزان كولنز في (مباريات الجوع، 2008)، فإن المستقبل المظلم قد خسف المستقبل المشرق.
يقول: “إنني أخشى من أن طوفان أدب الديستوبيا* (المدينة الفاسدة) قد غيّر من تعريف ما هو طبيعي، إذ جعل القرّاء الأحداث يتأقلمون مع أجواء الفساد والكذب. أعتقد أن أحد الواجبات المهمة التي يبدو أن الرواية لا تنجزها هو رسم صورة لما يبدو جيدًا. أفترض أنه لكي يكون العمل الفنّي سياسياً حقًّا ينبغي عليه أن يقدم على الأقل إمكانية التغيير وطريقًا للمضي إلى أمام”.
كل التقاليد الأدبية لها قمم ومنخفضات، لكن يبدو أن الرواية السياسية قد غرقت من جميع الجوانب، وغالبًا ما ُنظر لها بجفاء أو تشكّك من قبل الأدباء والقرّاء والنقّاد والسياسيين على حد سواء. يشعر جوناثان كو أن المؤلفين ذوي الدوافع السياسية سيظلون مجبرين على إيجاد طرق أكثر مواربة لجذب تعاطف القارئ، حتى عندما يفضّلون الدخول في صلب الموضوع.
“اثنتان من أكثر رواياتي السياسية مجاهرة هما (يا له من نحت!) و (الرقم II)، وكلاهما مخادع للغاية في مقاربته”، كما يقول، “تقريباً كما لو كان عليك الاعتذار عن الفحوى السياسي من خلال تغليفه بشيء “أدبي” لا يقبل الجدل”. كين لوتش قرأ (الرقم II)، كما يقول جوناثان، و”كتب لي خطابًا لطيفًا للغاية أشار فيه إلى أن كل المراجعات المقتبسة على الغلاف الورقي تبدو وكأنها تشيد بالجوانب الأدبية للكتاب ولم تذكر سوى القليل بأنها كانت رواية تحمل رسالة قوية مناهضة للتقشف. كان تعليقًا له رجع صدى في داخلي، جعلني أشكّ في أن أفضل ما يمكن أن تأمله الرواية في هذا البلد هو الإشادة بها بالرغم من سياستها، وليس بسببها”.
الهوامش:
* الغولاغ: هو الاسم الذي كان يطلق على معسكرات الاعتقال السوفييتية. يرجع تاريخه إلى عام 1918، أي بعد عام واحد من قيام الثورة البلشفية في روسيا القيصرية، لكنه صار من معالم عصر ستالين الدموي. كان الغولاغ في عهده عبارة عن معسكرات للعمل الإلزامي والسخرة، تعرض المقيمون فيه لكل أشكال القمع والتنكيل حتى يقال إن عدد ضحايا الغولاغ في عهد ستالين، منذ عام 1929 إلى 1953، بلغ حوالي 18 مليون مواطن، سقط منهم قرابة خمسة ملايين شخص.
* قصعة الغبار: أو (الثلاثينيات القذرة)، مصطلحان يُطلقان على فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، حيث سادت المنطقة الوسطى من الولايات المتحدة الأمريكية فترة من الجفاف الحادّ امتدت من 1930 ـ 1936، وفي بعض المناطق حتى 1940. أدى الجفاف الشديد والممارسات الزراعية السيئة إلى تدهور الغطاء النباتي وبنية التربة، مما ساعد على انتشار عواصف الغبار (ومن هنا جاءت التسمية).
* الديستوبيا Dystopia: أدب المدينة الفاسدة أو عالم الواقع المرير، وهو مجتمع خيالي فاسد، مخيف، أو غير مرغوب فيه بطريقة ما. وقد تعني (الديستوبيا) مجتمعاً غير فاضل تسوده الفوضى، فهو عالم وهميّ ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه الخراب والقتل والقمع والفقر والمرض، يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته ويتحوّل فيه المجتمع إلى مجموعة من المسوخ تنحر بعضها بعضاً.(من كتاب دوريان لينسكي: وزارة الحقيقة، سيرة رواية جورج أورويل 1984)