من حيث المبدأ ، كل عمل مهما كان ( سياسيا دينيا ) يخضع للنقد والأخذ والرد والتقييم ، وكذلك الشخصيات ( سياسية ودينية ) ، لا وجود لمعصوم بيننا هذا الزمان ، ولا أنبياء ومرسلين يخاطبوننا ويحاوروننا ، لأن زمن الوحي قد إنتهى .
رجل الدين أو المعمم ، هو إنسان مثلنا ، درس وتعلم ، حصل على المعارف الدينية ، فمهما إجتهد أو بقي طالب علم ، فهو في النهاية إنسان ، لا فرق بينه وبين غيره ، ولا يميزه عن الناس إلا الخرقة التي وضعها فوق رأسه ، سواء كان لونها أسودا أو ابيضا ، وربما نجد مثقفا يتفوق عليه في علوم الدين ، النقد مطلوب لتقييم الامور في بلدنا العراق .
الخطاب الديني يختطفنا جميعا ، ويحاول دفننا أحياء بملابسنا لانه خطاب مبطن ، يشعرنا بالقصور والجهل ، وياليته خطابا دينيا بالمعنى الحقيقي ، بسبب العوق الفكري والجهل والتخلف لمن يطلقه ويبثه سموما للناس لتجهيلهم ، وعلينا كبشر في العراق ، أن نواجه هذا الخطاب التدليسي ، الذي يستهدفنا جميعا ، ويعود بنا إلى الوراء ، ويصورنا أننا في حالة تخلف وجهل ، وعلينا أن نستمع ولا نرد ونناقش ، ونقبل بأن تكون صفة الجهل ملازمة لنا ، تحت ذريعة ( الراد عليهم راد على الله ) وهذا منطق شوفيني شمولي إستبدادي ، يصادر الاخرين لصالح ثقافة المقبرة ، نواجهه بخطاب حضاري يرفع من مستوى الوعي السياسي والثقافي عند الناس .
عندما خرجت من القرية الظالم أهلها بلدي العراق ، منذ ثلاثين سنة ، ولأول مرة أصطدم بحراس العقيدة والتقليد والدين ، لسبب بسيط هو حرماني من حق السؤال ، عندما كنت في العراق لم أختلط برجال الدين الاختلاط الذي يسمح لي بمعارضتهم ، وهم كانوا بعيدين عن هذا ، بدأت المواجهة بيني وبين العمامة وبقوة عام 1994 ، نتيجة لسؤال فقهي ، يخص التقليد ، لم يجيبوا على سؤالي سلبا أو إيجابا ، ذهبوا إلى تكفيري وتسقيطي ، على نفس الطريقة التي هدر بها دم غيري ، ووضعوني في خانة سلمان رشدي مؤلف رواية الايات الشيطانية ، فما كان من الخميني إلا أن يفتي بقتله ، ويهدر دمه ، بسبب عجزهم عن تفنيد رواية تستهدف القرآن الكريم ، لست معجبا بطريقة رشدي ، وأعتبرها إهانة للمسلمين ، لكن طريقة الرد عليها ، أعتبرها إسلوب العاجز الذي يلجأ الى خيار الدم لمقابلة الفكر ، وهذا يخالف سيرة أهل البيت ع ، في التعاطي حتى مع شاتميهم .
منذ اليوم الاول لإحتلال العراق من قبل أمريكا ، وترحيب المؤسسة الدينية في النجف وكربلاء بالمحتل الامريكي ، وتوظيف النصوص الدينية في خدمة مشروع الاحتلال ، علينا أن نقف وقفة شجاعة أمام المرجعية الدينية ، ونواجهها بكل جرأة ، لأنها تخلت عن مهامها كمؤسسة دينية ، تأمر بمعروف وتنهى عن منكر ، ولا تتدخل في الشأن السياسي والاقتصادي ، وإذا كنا نبرر لأتباعها أن يحرموا علينا نقدها عقائديا ، فلا يمكن أن نقبل بأي تبرير ، وهي داخلة في مستنقع السياسة ، ويعد خروجا من المقدس إلى المدنس ( السياسة ) وهنا يحق لنا نقدها ، لانه لاتوجد سياسة بلا نقد .
في زمن آليت على نفسي أن أوجه النقد بقوة للمؤسسة الدينية ، ولشخص المرجع الأعلى للشيعة في العراق ، وترك التلميح والذهاب إلى التصريح ، واجهت معضلة عدم فهم من كثير من الناس ، وهم الغالبية من العراقيين ، أن إبتعد عن نقد المرجعيات الدينية ، ولك حق النيل من السياسيين ( الاحزاب ) ، قسم من المعترضين أقاربي واصدقائي ، والكتاب والمثقفين والاكاديمين الذين ربطتني بهم علاقات طيبة عن طريق النت ( العالم الافتراضي ) وكذلك اصدقاء في الواقع ، أجمعوا على أن أبتعد عن المؤسسة الدينية نهائيا ، والتبريرات متباينة بين التقديس وبين عدم إزعاج أتباع المقدس .
كانت فكرة هذا المقال تدور في ذهني منذ عقد من الزمن ، وتنام في عقلي الباطن ، تتكدس أوراقها في ملفاتي وأوراقي داخل مكتبتي ، حتى علاها الغبار ، بسبب الظروف التي لاتسمح لي بتناولها ، كثر الالحاح الصادر من اصدقاء ، أن أكتب عن دور المرجعية الدينية لكن بدون نقد لاذع ، وإنشغالي بالكتابة لمجريات الثورة العراقية ، ومتابعة ما يجري على الساحة العراقية ، والتصدي للاعلام المأجور ، تأخرت الكتابة عن هذا الموضوع ، حتى يوم لقائي برئيس صحيفة كبيرة ، ودار الحديث حول نقد المرجعية الدينية ، ونصحني بالإبتعاد عن نقدها ، حتى لاأستفز أتباعها .
قررت أن أترك ما بيدي وأتفرغ للكتابة عن هذا الموضوع ، وهذا أول مقال .
كتاباتي ( مقالاتي ) عن المرجعية الدينية ، تختلف عن غيري من الكتاب ، بسبب دراستي للعلوم الشرعية ، ومعرفتي بتأريخ الحوزة والمرجعيات الدينية ، وكذلك ما يسمى ( الحركات الإسلامية ) ، وكلاء المرجعيات الدينية ، يعتبرون كتاباتي مؤذية ( للمذهب ) بسبب توغلي في قضايا عقائدية وفقهية وتأريخية لكشف المستور ( المسكوت عنه ) ، لايعرفها من لا يهتم بأمور المرجعيات الدينية ، فعندما أكتب عن الآلهة البشرية التي يطلق عليها بعض الكتاب ( الاصنام البشرية ) أكتب بأرقام وأدلة ، ولست عابثا ولا منحرفا ، ولا أتعمد الإساءة أو التصعيد اللغوي إتجاه ( المراجع العظام ) ، نعم الإحترام مطلوب لكنه لايعني الطاعة ، ولا عدم إظهار باطل وفساد الطرف الأخر .
وكما قلت ( من حيث المبدأ ) علينا أولا معرفة ماهية الدين ورجالاته ( رموزه ) والتكليف الشرعي للمرجع الأعلى ولكل مجتهد منهم ( معمم ) ، وماهي حدوده ، طبعا حسب المقاييس الشرعية ، التي كتبها فقهاء السلف ، وصححها خلفهم ، وهي في نظري بديهيات ، لاتحتاج إلى تأويل وتفسير ، فرجل الدين عنده مهام وتكليف شرعي ، وحدود لايمكن أن يخرج عنها ، وإلا فيعد منحرفا حسب متبنايته التي ألزم الأمة بها ، وما عدا ذلك ، نوقفه عند حدوده ، وفي الأولى يحق لنا توجيه النقد إليه ، والثانية ( خروجه عن الحد ) يكون النقد لاذعا .
مهمة المرجع الأعلى للشيعة في العراق :
لا نريد الحديث عن إستنباط الحكم الشرعي من مصادره الأربعة ( القران والسنة والاجماع والعقل ) ، حديثنا في هذا المقاوم عن مهمته وتكليفه الشرعي إتجاه الأمة ، تحديد الحلال من الحرام ، والحفاظ على منظومة القيم والأخلاق ، وما يجوز وما لايجوز ، وإن إنحرفت الأمة ، فواجب المرجع الأعلى إعادتها إلى جادتها ، وإن تعرضت لغزو فكري او عسكري أو ثقافي ، أو ضربت في الصميم ، ايضا عليه أن يتدخل ويحمي الأمة التي تعتبره أبا روحيا لها ، وبمنطق الحوزة ( العلمية ) في النجف منصب المرجع الاعلى مقدس ، وعليه واجبات مقدسة .
وبمعنى آخر : نلزم المراجع الدينية ووكلاءهم بما ألزموا هم أنفسهم به ، وهو ( رسائلهم العملية ) التي كتبوها للناس ، كبرنامج عمل حياتي يومي ، وإذا تخلوا عما كتبوه للإمة ، وناقضوا أنفسهم ، وتنكروا للعقيدة التي يدينون بها ، وذهبوا إلى غيرها ( السياسة والاقتصاد ) فلابد لنا من كلمة ، ولايمكن أن نجمد عقولنا في ثلاجاتهم ، ونقبل بما يصدر منهم ، حقا أو باطلا ، وتتحول الأمة إلى جيوش ترقص فوق جثثها ، ودينها أن تهتف لسماحته وجنابه ، ومحرم عليها مساءلته ، لانه مقدس ، وتقبل مقولة ( الراد عليه راد على الله ) ؟.
حقيقة لم أجد العقيدة والدين ولا رجل الدين في زماننا هذا ، وما يوجد ماهو إلا إدعاء بدون دليل ، لا إسلام ولا تشيع ، ولا مرجع أعلى ولا غير ذلك ، والأمر سالب بإنتفاء موضوعه .
فعندما يثبت لي وجود دين وتشيع ومذهب ومرجع أعلى يخاف الله ، ( طائعا لمولاه عاصيا لهواه ) ، حينئذ يحق للأخر أن ينصحني بالإبتعاد عن نقد المؤسسة الدينية ، وربما أستجيب في تلك الحالة أولا ، حسب الظروف ، لان النقد والتقييم مطلوب في حياتنا ، ومنها الدينية ، ولا أحد يمتلك الحقيقة ، وللجميع حق الإدلاء بدلوهم في جميع القضايا .
السؤال الجوهري المنطقي لكل عاقل أن يذهب إليه ، ويبحث عن إجابة له ، لماذا يحرمون علينا محاورة رجل الدين ؟.
وماهي فائدة الدين في حياتنا اليومية والسياسية ؟.
ومن هم الأقربون إلى الله ؟.
ولماذا تخشى المؤسسة الدينية من لقاء الأمة ؟.
والسؤال الأهم الآخر : أين هو المرجع الأعلى ؟.
أنا اشكك بوجود دين ومرجع أعلى ، وهذا حق لي ، وأطالب بلجنة تحقيق دولية تذهب إلى النجف لكشف وجوده من عدمه ، وفي حال وجوده ، هل هو سليم العقل ، حتى يستمر في منصبه ؟.
وماعلاقته بالعراق والحياة السياسية ، ولماذا توجد في العراق دولة دينية ، فوق الدولة العراقية ، وفوق المجتمع والقانون ؟.