إن المشكلة العراقية تتركز في سؤال واحد مهم، هو هل إن الذين تمكنوا من انتزاع تمثيلالطائفة الشيعية في دولة المحاصصة واحتكاره يمثلون المواطن الشيعي بجدارة وإخلاص؟. الانتفاضة التشرينية الكاشحة الكاسحة ترد على ذلك.ثم، هل اختارت الطائفة السنية، بحرية وشفافية، أؤلئك السياسيين السنة الذين سطوا على حصتها في السلطة، وادعوْا تمثيلها والسعي لإخراجها من أحزانها ومصائبها ومآتمها التي أغرقتها بها حكومات حزب الدعوة وإيران وحشدها الشعبي وجائحة داعش وجرائمُها التي لا تمحوها عشراتٌ من السنوات القادمة؟.
لا دليل على ذلك. واسألوا مئات آلوف العوائل المهجرة داخل محافظاتها، والأخرى التي كمم أفواه رجالها ونسائها أؤلئك السياسيون بحاميهم وراعيهم سلاحِ الحشد الشعبي (الإيراني)، وبالمال الحرام الذي أتقنوا جمعه وتشغيله في شراء النفوس الضعيفة وأصوات الانتهازيين المعروضين للبيع وللإيجار في كل انتخابات مغشوشة، علنا وعلى رؤوس الأشهاد. وفي ضوء الأجوبة الصحيحة الملموسة على كل هذه التساؤلات المريرة المزعجة يتعين علينا أن نجد جوابا لسؤال آخر مهم، هو، هل الملايين من السنة العراقيين أقلُّ وعيا وشجاعة وروحا ثورية ووطنية وحبا في الاستقلال والحرية والنزاهة والعدالة من الملايين الشيعية الشريفة التي انتفضت على الأحزاب والتنظيمات التي حكمت وسرقت وخانت وظلمت باسمها وباسم مظلوميتها؟.
أبدا وتاريخ ثوراتهم وانتفاضاتهم شاهد على ذلك، من أيام الاحتلال البريطاني وحتى أيام الغزو الأمريكي، ثم زمن القتيل قاسم سليماني، فأيام نوري المالكي الذي فعل بهم ما لم يجرؤ أحد قبله على فعله، لا قريب ولا غريب.
والدليل أن بعضا من هؤلاء السياسيين السنة الذين يحكمون اليوم، باسم الطائفة، ويتاجرون بمصائبهم، ويرتزقون بآلامها وأحزانها، يخاف أن يزور محافظته، ناهيك عن العيش فيها، خوفا من غضب أهلها الممتلئين ثورة ونقمة.
أما بعضهم الآخر فتحميه بنادق الحشد الشعبي الإيراني الحاكم الفعلي فيها، وتمنع أهلها من الثورة عليه في يوم من الأيام.
وأصغر أبناء المحافظات السنية الست وأكبرُهم يعلم بأنهم باعوا أهلهم وعترتهم، ورموا كراماتِهم في سلال زبالة الإيرانيين والأمريكيين والأتراك، وربما الإسرائيليين، وصاروا إيرانيين أكثر من إيرانية هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي ومقتدى، وأمريكيين أكثر أمريكيةً من ترمب، وعثمانيين أكثر من أردوغان.
فمن كان يستمع، بالأمس، إلى خطاباتهم وهم يهددون بغزو بغداد وتحريرها من المحتلين الإيرانيين ومنحكومات حزب الدعوة، ومن يتابع، اليوم، معاركهم الدامية فيما بينهم على وزارات (اللقمة) السمينة في حكومة مصطفى الكاظمي المُولدَّة في أحضان اسماعيل قاآني وأولاده، العامري والمالكي والخزعلي والفياض، لا يملك إلا أن يلعن هذا الزمن الرديء الذي جاء بهؤلاء الانتهازيين الذين استبدلوا مهنة التهريب بمهنة الموالاة لإيران، أو لأمريكا، أو لتركيا، زعماء يصنعون وزراء وسفراء ومدراء وقادة جيوش.
ألم يقامروا بأرواح شباب المحافظات الست في لعبة اعتصامات 2013، ويدفعوا بهم إلى موتٍ مجاني محقق في مناطحةٍ غير عقلانية وغير منطقية وغير مقبولة مع جيش نوري المالكي وحكومته وأموالها وسلاحها، ثم في النهاية جلسوا معه في منزل هادي العامري وتحت خيمة الولي الفقيه؟.
ألا ترى بعضَهم على شاشات التلفزيون والفيس بوك وتويتر يفاخر، علنا، بالعمل من أجل خدمة مشروع (الإمام) الخميني، وبعضَهم الآخر الذي دوخنا بالثرثرة، أمس، عن مقاومة الغزو وقتال المحتلين الأمريكيين يطالب اليوم ببقاء القواعد العسكرية الأمريكية في العراق؟.
تراهم من الخارج وطنيين أصحابَ مباديء وكرم وخلق وشهامة، لكنهم من الداخل صغار خاوون وخالون من أي انتماء لوطن أو رجولة أو آدمية، ومتهالكون على السلطة، حتى لو جاءتهم مع الذل والصغار والهوان.
لقد خدموا جميع الأنظمة الحكومية المتعاقبة في العراق، ثم كانوا أسرع الناس في نقلالولاء من حاكم لآخر، وتحويل البندقية من كتف إلى كتف ولا يستحون.
وبدون الحاجة لذكر اسمائهم فهم معروفون ومكشوفون لكل ذي عقل سليم، بأنهم احترفوا القبض من كل عاطٍ وكل شارٍ، أيا كانت هويته وأهدافه ونواياه. فقد تعودوا علىالاستعطاء من السفارات وأجهزة المخابرات العربية والأجنبية، بذريعة خدمة المهجرين والمشردين والأيتام والمتضررين من أبناء الطائفة، ثم يحولون تلك الصدقات والهبات والمساعدات إلى قصور وعمارات باذخة، وسيارات مجنحة فارهة، وفضائيات وإذاعات وجرائد، وسهرات فاجرة في عمان ودبي ولندن وبيروت، وأولادُهم وأصهارهم وأبناء أعمامهم وأخوالهم وأفراد حماياتهم يحتكرون تجارة الغذاء والدواء، والماء والهواء، وكأن ما يكسبونه من العمالة والخيانة والاختلاس من أموال الدولة، ومن الإيرانيين ووكلائهم،ومن السفارات والمخابرات الأجنبية، لا يكفيهم، فيسطون على أرزاق الفقراء من أنباء طائفتهم بالظلم والقهر والعدوان.
ويظل المهجرون مهجرين، والمعدَمين معدَمين، والبائسين بائسين، واليائسين منهم ومن أحزابهم وشعاراتهم يائسين، في انتظار الفرج الآتي القريب.
ومهما طال الزمن فإن موعد ثورة السنة العراقيين على لصوصهم قريب، فقط حين تزول غمة كورونا، وتغور عن محافظاتهم وعن مدنهم وقراهم جيوشُ الحرس الثوري العراقي الذي نشرته إيران لتكميم أفواه معارضيهم، ومنع الثائرين أبناء جلتهم من أن ينزلوا بهم حكم القصاص، ولكل أجَلٍ كتاب. وسوف نرى.