قد تكون سوءات الدنيا كلُّها في الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، كما يراه نصف الأمريكيين والأوربيين والروس والهنود واليابانيين والكوريين الجنوبيين والشماليين والأفارقة، وكلُ الروس وكل الصينيين، ولكن العراقيين، بغالبيتهم، يضعون أيديهم على قلوبهم،ويرتجفون خوفا من احتمال سقوطه في الانتخابات القادمة، بكورونا والبطالة والركود الاقتصادي، ويتعوذون بالله من الشيطان الرجيم من جلوس المدعو جو بايدن مكانَه على كرسي الرئاسة.
فمن الحقائق التي يصعب إنكارها أن الجالس في البيت الأبيض الأمريكي، أيا كان، ومن أي حزب و ملة كان، يملك القدرة على صنع جزء كبير من هناء البشرية أو شقائها.والعراقيون منهم، بل أكثرُهم عرضة للإصابة بما يرسله من خطايا أو عطايا، خصوصا منذ غزو أمريكا لبلادهم قبل سبع عشرة سنة، ولهم الحق.
فمن سوء حظهم أن تقع بلادُهم بين عدويْن مزمنيْن في ثياب جاريْن صديقين يتربص كلٌ منهما بهم من قديم الزمان. وساكنُ البيت الأبيض، شئنا أم أبينا، هو الأكثر مقدرة على ردعهما أو إعانتما عليه.
وفي الظرف العراقي الراهن، ومنذ أن سلم الأمريكان رقابهم لأصحاب العمائم الإيرانية المسكونة بالشياطين،أصبح الجندي الأمريكي المتواجد في العراق، هو الأهم، وربما الوحيد القادر على أن يخفف عنهم بلاويهم، أو يزيدها سوءً وشقاوة.
ورغم أنهم متأكدون من أن الرئيس ترمب لا يعادي النظام الإيراني من أجلهم وحبا بسواد عيونهم، ولا عشقا للعدالة وهياما بالحق والحرية والسلام، إلا أنهم يعرفون أن صراعه مع خصومه الديمقراطيين جعل موقفه من إيران ومعارضته لوجودها العدواني في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين سلاحه السياسي الانتخابي الشخصي الأشد فتكا وأذىً وإحراجا لمنافسيه الذين عُرفوا، على طول سنوات حكم المدعو باراك أوباما، بميولهم الإيرانية الإخوانية الإسلامية التركية القطرية اللئيمة التي ما زال العراقيون والسوريون والمصريون والسوريون واللبنانيون واليمنيون والليبيون يدفعون ثمنها الباهظ حتى يومن هذا وسيظلون يدفعونه في قادم الأيام.
فلو رحل ترمب وعاد باراك أوباما بثياب نائبه جو بايدن فلن تكون هناك قوة على الأرض تردع الولي الفقيه وتمنعه من احتكار الحكم في العراق، مباشرة، وكليا، وبالحرس الثوري الإيراني ورديفه الحشد الشعبي، وبسلاح الخرفات والجراثيم والمخدرات، فيثأر من كل عراقي هتف ذات يوم(إيران بره بره بغداد حرة حرة)، أو استنكر صواريخ حزب الله العراقي على القواعد الأمريكية، أو استسخف حصار السفارة الأمريكية، أو ترحم على أبي بكر وعائشة وعمر وعثمان.
ولسوف يبدأ الغزل الأمريكي الإيراني من جديد، وتباشر إدارة بايدن برفع العقوبات أو تخفيفها، وقد تعيد ترخيصها للنظام الإيراني باستعادة ملياراته المحتجزة أو المجمدة في أمريكا، وربما في أوربا كذلك، فتنتعش قدراته القديمة على تمويل جيوش القتل والخطف والاختلاس، وتحريكها وفق مخططاته، من جديد.
فقد كان عضوا في مجلس الشيوخ، فقط، عن ولاية دلاوير الأميركية في العام 2006، ولم يصبح نائبا للرئيس بعد، عندما اقترح تقسيم العراق إلى ثلاث كيانات ذات استقلال شبه ذاتي للشيعة والسنة والأكراد.
وحين سلطه أوباما على الملف العراقي بعد فوزه بالرئاسة عام 2009 جدد هذا الـ (بايدن) مواقفه المسمومة الغبية من العراق، وشكل حلقة الوصل الوثيقة بين رئيسه أوباما وإيران العراقية ووكلائها ومليشياتها، علنا وعلى رؤوس الأشهاد.
ثم حقق أحلامه كلها، في العام 2010 ، حين تمكن من فرض نوري المالكي رئيسا للحكومة، رغم موبقاته التي ارتكبها في دورة رئاستة السابقة للحكومة، ودعمه بكل ما يستطيع، وما تبع ذلك من احتلال الدواعش لثلث الدولة العراقية، وما تبع ذلك من حروب وكوارث، وما فعله المالكي والإيرانيون بالعراقيين المعارضين لولاية الفقيه.
وعلى غرار اتفاقية (دايتون للسلام) في البوسنة والهرسك التي ابرمت العام 1995، سعى بايدن إلى تفتيت الدولة العراقية إلى ثلاث دويلات تتمتع بحكم شبه ذاتي، مع ما يمكن أن تجره على ىالبلاد والعباد من خراب بيوت.
فالمحللون السياسيون المتخصصون بالشؤون الخارجيةيؤكدون أن مثل هذا التقسيم قابلٌ لأن يجر إلى سفكٍ هائل للدماء في العراق والمناطق المجاورة. فبينما يعيش السنة العرب في غرب العراق، والأكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب، تظل مدن العراق متميزة بتمازج كياناته الطائفية والقومية لا يمكن فصلها بسهولة. فبغداد وكركوك والموصل لا تمتلك خطوطا واضحة تفصل كل فئة أساسية عن غيرها.
ولكن الله سلم، ولم يفز هذا الـ (بايدن) بترشيح حزبه للرئاسة، وغلبته هيلاري كلنتون، ثم أخرجهما الجمهوريُالمعارض لخططهما، دونالد ترمب. وها هو يقاتلهم بمعاداة إيران، وبحصارها وحصارهم بها، دون هوادة.
والسؤال الآن هو: هل سينجو ترمب هذه المرة من كورونا ومما جرته عليه وعلى فرصه الانتخابية من كوارث، مثلما نجا سابقاً من مآزق سابقة أقل حجماً دبرها له خصومه الديمقراطيون لعزله ولم يتمكنوا؟
ورغم أن بايدن الذي أطلق عليه ترمب لقب الرجل النائم، ورغم الدخان الأسود الذي يحيط بسلوكه الشخصي السابق وما اتهم به من تحرش جنسي، وملف ولده (هانتر) وعلاقته مع أوكرانيا، بالإضافة إلى أن بايدن نفسه نقل إلى المستشفى أكثر من مرة بسبب تمدد في شرايينه الدموية، إلا أن كورونا قد تفعل فعلها، وقد تجيء به رئيسا، وقد يرى العراقيون في عهده الجديد ما رأوا في عهده القديم، وأكثر،والعياذ بالله.