الكتابة للكبار بلغة فكريّة ورمزيّة تحمل دلالات عميقة وإحالات لموضوعات سياسيّة واجتماعية واقتصاديّة هذا ما رغب به الكاتب المسرحيّ المبدع الرائد “محمد حسين عبد الرزاق” الذي عمل لأكثر من – 50 عاما – بالمسرح برع فيها بالأداء الكتابيّ والتمثيليّ؛ لذا جاءت نصوصه عن حرفيّة، ودراية تامة.. بالحوار.. والتخيل للمشاهد.. وجمال الموضوع فتكاملت تلك المسرحيات سواء الموجهة للكبار (مسرحية هلوسة) من ص 3-55 ومسرحياته الأخرى الأجراس /الرسم على الماء من ص 58-140 .. المسرحية الأولى “هلوسة” عبرت عن العلاقة بين الملك وأفراد المملكة.. وقد فضح الأسلوب القسريّ للظلم الذي يمارسه الحاكم المتفرد المستبد برعيته.. وكيف يعيش ملذاته الخاصة على حساب الفقراء الذين يكدحون لأجل لقمة عيشهم .. وجنود، وشرطة، وحرس الملك، وحاشيته.
الملك: وطموحاته، وتنمره، وتجبره وغروره، وجوقة المنافقين الذين يسخرون مقدرات الشعب لصالح رغبات الملك، وهذا يحيلنا إلى حكام الشرق والاستبداد السياسي الذي غادرته أوربا من قرون ومازال يمكث بشرقنا وأمتنا.. كانت كل عبارة بالحوار أٌستثمرت بعناية من المؤلف “محمد حسين عبد الرزاق” وبشكل مشوّق، وبراعة الوصف للحالات الإنسانية داخل المملكة التي تسخر كل الطاقات لأجل تحقيق الرغابات الذاتية الملكية.. ورغم الظلم تجد: الصمت.. الرعب يلف المكان من الراعي الذي تؤخذ أغنامه عنوة، والبقال، وكل أصحاب المهن الذين همهم إرضاء الملك المبجل بالظلم والمدجج بحرسه وحمايته الذين يبطشون بالشعب.. حتى حين مرض يتهامس الجميع خوفا منه لا أحد يجرأ على ذكره .. تبدأ المسرحية بوصف للشخصيات ص4 :
(ملك: في السبعين من العمر، يحب الحياة، ويعيش لذة البذخ والترف والتمتع من دون النظر الى مايعانيه الناس من عوز، يبطش بكل من يعارضه. أمنيته أن يمتد عمره أكثر ليغتصب أكثر).
شخصيات المسرحية المرعوبة من عنف وسادية الملك، العارفة، زوجة العارفة، حارس عدد 2، الراعي، الطبال، الطباخ، بعض المارة، الأخرس وشخصيات أخرى.. استطاع “المؤلف” التحكم بحركتهم وحواراتهم بشكل شيّق.. وكيف يتم التبرع. الدفع.. السخرة صراع للبقاء بين ملك مستبد وشعب غُلب على أمره على مضض وينتهز الفرصة المؤاتية لاسترداد كرامته. في المشهد الثاني ذروة الأحداث بالتوتر والنمو حين يمرض الملك حبكة متناهية بالحوار بين العارف وبين الملك على وسيلة للشفاء بعد أن جلبه الحراس وهو عارٍ بسبب غسل ملابسه من زوجته، وقد ماطل العارفة بالإجابة حينما طلب منه الملك العلاج.. وكان يراوغ بالحوار.. حتى الحراس بهتوا لماذا لايبادر له بالعلاج، لماذا اللف والدوران بعد ذلك أجاب وأخبر الملك :
وهو مطأطئ رأسه الشفاء لديّ أن أبصق بوجهك أمام الشعب وهو يضمر إذلال الملك والثأر لكرامة المظلومين بهذه الطريقة المهينة..!! بُهِتَ الملك وقال كيف لي ذلك!؟ أجابه العارفة لاسبيل للشفاء إلا ذلك لترجع تحكم مملكتك بالسعادة! وبعد مداولات ومراجعات وافق الملك.. وقد تم ذلك أمام الشعب الذي تجمع أمام القصر..فيما تناول بمسرحياته الموجهة للأطفال (الأجراس / الرسم على الماء).. بلغة تتناسب مع عمر الطفولة، ورغباتها وبأسلوب وعظيّ تعليميّ جماليّ قصص من حيواتنا اليومية عن الصراع بين القويّ والضعيّف، واِتخذ من مكر القط الذي يطارد ثمانية فئران في بناية قديمة متهرئة حيطانها، وبمكر القط الذي يريد إلتهام تلك الفئران التي بشقوق الجدران ويحاول استدراجها لإفتراسها، والفئران تبحث عن مهرب لكي لايفترسها القط.. رمزية عالية بتناول هذا النص الذي يُدين الظلم والهيمنة والعدوان وضرب طوقا للاستحواذ على الفئران دلالة على سلب الحياة من القوي للضعيف، ومحاولات الفرار الخلاص من هذا الجحيم. فيما كانت مسرحية الرسم على الماء حياة الغابة فيها جميع الحيوانات والأشجار والحوار بين الحمار والذئب وحكمة النخلة التي تتسم بالعقلانية والبحث عن العدل ودور القاضي وقد أنسنن الموجودات بالغابة لتصل مدارك الأطفال وقد برع الكاتب بالحوار والمؤالفة بتلك المسرحية ص 14 :
(القاضي: ولتعرف أن الجدل مع الجهلاء كالرسم على الماء. أحدهم 1: العاصفة ((موسيقى طبل سريع، الحركة ثابتة وصلدة ومتينة)… أحد الحيوانات 2 ((كي لاتنحني رؤوسنا، ونقف هكذا كما الشجر))..