بقلم:خضير طاهر
من الضروري القيام بمحاولات جادة لفهم أسباب مأساتنا مهما كانت النتائج قاسية على نرجسيتنا الوطنية فلابد من تأصيل أسباب الأزمات والمشاكل السياسية المزمنة في العراق منذ تأسيس الدولة عام 1921 ولغاية الآن ، لماذا دائما نحن نكرر مشاكلنا ونعيد إنتاجها ونفشل في إصلاح أمورنا خصوصا طبيعة هذه المشاكل معروفة وحلولها متوفرة، وأيضا لدينا نماذج لتجارب دولية سياسية ناجحة يمكننا الإقتداء بها والتعلم منها .
حسب مضمون نظرية التطور (*) ، وبعيدا عن عقيدة الخلق التي جاءت بها الأديان ، نحاول تناول المعضلة السياسية من منظور الأنثروبولوجيا التي تعني علم الإنسان الذي يشمل الجوانب: اللغوية ، والإجتماعية ، والبيولوجية ، والثقافية ، وما يهمنا الفرع المختص بدراسة الجانب البيولوجي وتطور الإنسان ومختلف وظائف الجسم ومن ضمنها وظائف الجهازين النفسي والعقلي وما ينتج عنهما من سلوك، وخلافا للنظرية التقليدية القائلة : ان جذور جميع البشر تعود الى الجد (( الأفريقي )) أي أنجب و عاش في قارة أفريقيا ثم إنتشر أحفاده في بقاع الأرض ، النظرية الأخرى المغايرة نقضت ماسبقها وقالت : ان اصول البشر تعود الى أجداد مختلفين وليس واحدا حيث ولد عدة أجداد للبشر الأوائل ، أولئك الأجداد كانوا في أماكن مختلفة من الأرض وأنجبوا أحفادهم الذين شكلوا سكان الكرة الأرضية ، وطبيعي ان هذا الإختلاف في أصل الأجداد وتكوينهم ينتج إمكانيات وقدرات متنوعة لدى الناس ، وهذا التشخيص ليس له علاقة بالعنصرية ، بل هو توصيف لواقع تاريخي – بيولوجي موجود وقد عبر عن نفسه بإختلاف المجتمعات والدول من حيث الأداء الفردي والجماعي والنجاح والفشل ومعيارنا في الحكم هنا هي التجربة ، علما النجاح العسكري وغزو الدول وإقامة الإمبراطوريات لايدخل ضمن معايير النجاح .
ماذا عن العراق ؟ .. إذا كان المعيار هو النجاح في النشاط الجماعي وتطور الدولة الشامل .. فإن العراق هو إمتداد للمجاميع البشرية الفاشلة في الدول العربية وقارات :أفريقيا واللاتينية وأسيا – بإستثناء كوريا الجنوبية واليابان – ومعلوم ان تطورهما حصل بفضل أميركا .. ولاحظ ان جميع هذه الدول تعاني من المشاكل السياسية المزمنة وفشل أبناؤها إدارة شؤونهم بأنفسهم رغم ان تاريخ هذه الدول يعود الى آلاف السنين ، بينما نلاحظ دول ( أوربا الغربية حصرا) كيف شقت طريقها في سلم التطور الشامل ، وكيف نجح أبناء أوربا تحديدا في بناء الولايات المتحدة الاميركية وجعلها أعظم دولة على وجه الأرض ونفس الأمر فعله المهاجر الأوربي الغربي في كندا وأستراليا .. ولاحظوا أيضا كمية العلماء الذين حصلوا على جوائز نوبل من أصول أوربية حتى الأميركان منهم ، وتكاد تخلوا الجوائز من أبناء الدول الأخرى الذين درسوا وعاشوا في أوريا وأميركا ، إذ ان المهاجرين العرب والأفارقة واللاتينين والأسيويين الذين هاجروا منذ عشرات السنين الى أروبا وأميركا وكندا وأستراليا وحصلوا على نفس مستوى تعليم وثقافة أبناء هذه الدول ، لكنهم لم يتميزوا مثلهم ، بل إحتفظوا بنفس مستوى تخلفهم النفسي والعقلي و سلوكهم -غالبا- مضاد للمنطق والعقل والحضارة ومصالح البلدان التي هاجروا اليها ، وظهر ان مشكلة تخلفهم ليس لها علاقة بالتعليم والثقافة والبيئة ، بل تعود الى عوامل تكوينية في أصل الخلقة بحسب التجربة التي امامنا !
هل يوجد أمل للعراق على ضوء هذا الكلام ؟.. نعم يوجد أمل بشرط مساعدة دولة كبرى لنا مثلما حصل مع دول الخليج العربي التي إستعانت ببريطانيا وأميركا ، وأصبحت دولا ناجحة ومستقرة ، والعراقي يمكنه فعل هذا في حال تنازل عن الكبرياء الفارغ ، وإعترف بفشله في إدارة شؤونه بنفسه وبحاجته لمساعدة دولة كبرى مثل أميركا .