الجذور التاريخية والاجتماعية لإنتشار اللصوص والعملاء في العراق ؟
آخر تحديث:
بقلم:خضير طاهر
لماذا هذه الأعداد الكبيرة من لصوص المال العام والعملاء الذين أنتجهم المجتمع العراقي لدرجة وصل الأمر الى مستوى الكارثة الوطنية؟حالة السقوط الأخلاقي سياسيا ليست جديدة ، بل كانت موجودة بدرجات متفاوتة ، ولها جذورها التاريخية -الإجتماعية التي تغاضينا عنها .
سرقة المال العام :
فيما يخص لصوص المال العام للأسف في الثقافة الشعبية العراقية وخصوصا الريفية قديما كانت السرقة والسطو ليلا تعد من صفات الرجولة والشجاعة وموضع فخر وليس عارا ، وفي تعاملات البيع والشراء بمختلف أنواعها داخل المجتمع العراقي يستشري الكذب والنصب والإحتيال وينظر اليه على انه نوع من الذكاء والشطارة ، وطبعا هذا يعتبر نوعا من السرقة زائد نضيف عامل آخر لأسباب سرقة المال العام هو ضعف أو غياب مشاعر الإنتماء الوطني والخلط ما بين الدولة والحكومة وعدم وضوح مفهوم الدولة لدى عامة الناس .. هذه الجذور الإجتماعية -التاريخية للغش والسرقة التي تم ترحيلها الى حقل السياسية وأخذت شكل الفساد وسرقة المال العام في الوقت الراهن !
العملاء :
بشأن العمالة للدول الخارجية .. المشكلة ليست جديدة ، بل رافقت بدايات تأسيس الدولة العراقية العراقية عام 1921 ، فقد بدأت العمالة على يد الحزب الشيوعي في العهد الملكي حينما كان مرتبطا بالإتحاد السوفيتي تنظيميا وفكريا بوصفه أحد أدوات السوفيتي الذين كانوا يستخدمونه ضد الشعب العراقي وحكوماته وسياساتها الخارجية وعلاقاتها مع الدول الأوروبية وأميركا ، وكان الشيوعيون يتسترون على عمالتهم بغطاء كثيف من الشعارات الطنانة مثل : (( الوطنية ، والأممية ، والعدالة ، وحقوق الطبقة الفقيرة )) .
ثم جاء التيار القومي وتحت الشعارات الأخوة العربية والدم الواحدة .. كان هذا التيار مرتبطا في العلن بسوريا ومصر يتلقى الدعم والأوامر منها والتنسيق في التحركات ضد الحكومات العراقية والدولة ، وحتى في القيام بالإنقلابات العسكرية ، وهي كلها ينطبق عليها وصف العمالة.
ثم جاء عهد التيار الإسلامي بعد عام 2003 عقب تغيير النظام ، والأسلاميون عقائديا مثلهم مثل الشيوعيين والقوميين لايوجد مكان في أيديولوجياتهم وفكرهم السياسي ( للوطنية ) بل على العكس توجهات هذه التيارات مضادة للوطنية وتدعو الى : الأممية ، والقومية ، والأمة الإسلامية .. وكانت بداية الإسلام السياسي الشيعي في الخمسينات على يد شاه إيران حيث أنشأ جهاز المخابرات /السافاك حزب الدعوة ، ثم توسعت التنظيمات الإسلاميين بعد تسفير الإيرانيين من العراق وتم إنشاء عدة أحزاب في إيران و استهلت نشاطها في حمل السلاح وقتال الدولة العراقية وليس نظام صدام في الحرب العراقية الإيرانية ، وكانت جريمة خيانة وطنية يندى لها الجبين حينما كان الإسلاميون العراقيون يقتلون أبناء شعبهم في جبهات القتال ، ويمارسون التعذيب والإعدامات للجنود العراقيين الأسرى !
بعد تغيير نظام صدام جاءت التنظيمات الإسلامية من إيران الى العراق بدافع الإنتقام من الشعب العراقي والدولة عموما لأخذ ثأر انتصار الجيش العراقي في الحرب على ايران ، لهذا كان أول قرار سعت الى إصداره هو حل الجيش العراقي الى جانب تأييد الأحزاب الكوردية لهذا القرار بدافع إضعاف الدولة العراقية والهيمنة عليها ، ثم رأينا لأول مرة بتاريخ العراق أعداد كثيرة وبشكل علني تتفاخر بعمالتها لإيران وتعمل ضد العراق ، بل تم تسليم سيادة البلد وقراره وثرواته الى طهران !
وتجاوز الإسلاميون كل قيم الكرامة والرجولة وتنازلوا عن كل شيء لدرجة أصبحت إيران هي من ينصب للعراق رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان وباقي مناصب الدرجات الأولى والأدنى منها .. لقد غاب الشعور بالعار عن الإسلاميين وحل محله الخنوع والذل والإنبطاح تحت الجزمة الإيرانية !
السؤال الصادم الذي لم يطرحه العقل السياسي العراقي على نفسه لغاية الآن هو : هل بمقدور المجتمع إنجاب ساسة وأحزاب أفضل من تلك التي أنجبها ؟
الجواب هو : مضى على تأسيس الدولة العراقية الحديثة 99 عاما ولم ينجب المجتمع تجربة سياسية وطنية ناجحة على صعيد الأحزاب والأفراد .. أين هو الحزب الوطني الحقيقي الذي مر على العراق ؟ لايوجد .. أين هم الساسة الوطنيين الشرفاء الذين يصلحون قدوة لتاريخنا السياسي ؟ أيضا لايوجد ، والأسماء الحزبية التي ظهرت وتعرضت للإعتقال والإعدام هذه لا تندرج في خانة المناضل الوطني ، بل هم مناضلون من أجل الحزب الذي ليس بالضرورة يمثل طموحات الشعب وربما تكون بالضد من مصالح البلد كما هو الحال مع التنظيمات : الشيوعية والقومية والإسلامية .* هامش : راجع مقالنا المنشور في موقع كتابات / محاولة لتأصيل التخلف .. أنثروبولوجيا مشاكل العراق السياسية