قبل توزير رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، كان الحديث عن العراق همّ وغم. فساد، اختلاس، تراكم ديون،مليشيات وقحة، سلاح منفلت، قتل في الشوارع، اختطاف، عمالة علنية، إهانات متلاحقة يوجهها قادة أحزاب ومليشيات لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والبرلمان ولكل الدولة العراقية، علنا، ودول أجنبية تصول مخابراتها وجواسيسها وسفراؤها وتجول، وكلمتها هي الفاصلة الفاعلة في رسم سياسات الدولة، وخاصة علاقاتها بجيرانها ودول العالم المختلفة.
ثم، وتحت ضربات الانتفاضة التشرينية قبل اغتيالها، زفوا لنا مصطفى الكاظمي، وهو الخارج من نفس البيضة الفاسدة، باعتباره الفارس الهمام الآتي على حصانه الأبيض لينقذ هيبة الدولة، ويرفع الظلم عن المواطن، ويعيد إليه أمنه ورزق عياله بعدالة ومساواة. وكان كل عراقي ساذج يتوقع أن يكون أول ضرباته البطولية أن يجمع كبار الفاسدين في في ليلة واحدة، وضربة واحدة، فيجبرهم على إعادة ما سرقوه قبل إطلاق سراحهم، ثم بعد ذلك يجر قتلة المتظاهرين من رقابهم إلى ساحات القضاء العادل المستقل، ويكون وطنيا حقيقيا فيوقف استهتار الأحزاب الكردية وانتهازيتها وابتزازها التي لا تكتفي بما تنهبه من موارد نفطية وإيرادات جمركية وضريبية واتصالات ومنافذ حدودية، بل تنهب من دولة المركز رواتب موظفيها المدنيين والعسكريين الذين لا يعرف إلا الله والغارقون في العلم أعدادهم الحقيقية، ثم يعيد الوطن، أخيرا، إلى أهله سالما ومعافى ثم طال الانتظار.
وفي أشهره الستة نكتشف أنه جالس في حضن المليشيات الوقحة، علنا ودن وخوف ولا حياء، بل هو فخور بها، ويهدد بقطع يد كل من يتكلم عنها بسوء، وأنه مخلص في تنفيذ أوامر الولي الفقيه وتوجيهاته، وأنه يحترم الفاسدين ويقدرهم ويتشاور معهم، وأنه لطيف ورقيق وكريم مع جماعة كردستان، فقد اقتطع من الدولة العراقية سنجار وقدمها هدية متواضعة لصديقه وحليفه كاكه مسعود البارزاني، وفي ذروة الأزمة المالية يحوّل إليه ثلاثة مليارات ونصف المليار من الدولارات وليس الدنانير، في مخالفة صريحة للدستور والقانون، مجاملةً ولكسب دعمه في أيامه القادمة، ووفاءً لإقامته عنده حين كان موظفا بصفة مدير إداري لمجلة الأسبوعية التي يملكها كاكه برهم صالح براتب ألفي دولار أمريكي فقط لا غير.
يقول عدنان الزرفي، وهو الذي رُشح، قبل الكاظمي، لرئاسة الحكومة ثم تمّ رفضه إيرانيا، إن العراق يحتاج في الشهر القادم إلى خمسة مليارات دولار لتسديد الديون الداخلية والديون الخارجية والنفقات السيادية ورواتب الموظفين، ومع انخفاض أسعار النفط فإن ما سيدخل لخزينة الدولة هو فقط ملياران، وبذا سيكون العجز ثلاثة مليارات.
وفي عز هذه الأزمات المالية، ناهيك عن الأمنية والغذائية والدوائية، نكتشف أن وزارة التخطيط اقترحت، ووزارة المالية أيدت، ومجلس الوزراء أقر، والبرلمان صادق على منح رئيس الوزراء مليون وثلاثمئة وخمسين ألف دولار، لا سنويا ولا شهريا ولا أسبوعيا، بل يوميا، نعم يوميا، تحت بند منافع اجتماعية ينفقها كما يشاء، لا يسأله عنها أحدٌ.
ويقول نائب عراقي سابق إن هذا لم يفعله، قبله، حتى صدام حسين الذي كان هو الرئيس والحكومة والحزب والبرلمان. والذي فعلها فقد هارون الرشيد.
ولكن لو كان رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي من بقية أهل هارون الرشيد لقلنا إنه ورث خصلة الولع الفطري بنثر الدنانير. ولكن لأنه من فئة الكارهين لسلالة هارون الرشيد،والحاقدين عليه، وطلاب الثأر من أي شيء يُذكرهم بما فعله بأشقائهم البرامكة فليس هناك تفسير لما يفعله بأموال العراقيين، رغم أن الدولة العراقية تحولت، بجهوده وجهود أسلافه غير الصالحين، إلى دولةٍ شحّادة يقودها شحّادون.
هذا طبعا عدا راتبه الشهري وتكاليف حمايته ورواتب مساعديه ومستشاريه ومرافقيه، وعدا أيضا ما خوله به نظام مجلس الوزراء من حقوق في توقيع العقود وأوامر الصرف الأخرى.
ولطمأنة العراقيين أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء عن إقرار قانون الاقتراض لدفع رواتب الموظفين. أليست حكاية من حكايات أيام هارون الرشيد؟.