على الإيرانيين ومن لف لفهم من العراقيين واللبنانيين والسوريين والفلسطينيين واليمنيين الذين صفقوا وهللوا وزغردوا لخسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أن يتمهلوا قليلا في أفراحهم، وذلك لأن أمامهم زمنا طويلا وهم ينتظرون الانقلاب الدراماتيكي الذي يتوقعون حدوثه في مواقف أمريكا من إيران على يدي الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن.لأن الواقع يؤكد استحالة العودة إلى ما قبل يوم تنصيب ترمب عام 2017، كما يحلم الرئيس الإيراني حسن روحاني، وذلك لعدة أسباب، أولها أن الأرقام الرسمية النهائية لأصوات الناخبين تؤكد حصول بايدن على 72مليوناً من مجموع المصوتين، مقابل 68.500.000 ألف صوت حصدها ترمب، أي أن نصف الشعب الأمريكي ليس مع بايدن، بدون شك.وتؤكد الحقائق المستجدة على الساحة الداخلية الأمريكية أن ترمب، في أربع سنوات رئاسته، تثبيت القناعة وتعميقها لدى نصف الشعب الأمريكب، إن لم نقل ثلاثة أرباعه، بأنالنظام الإيراني هو العدوّ رقم واحد الأخطر والأكثر من داعش تهديدا لمصالح أمريكا وأمنها وسلامة حلفائها.
وهذا ما يفرض على الرئيس المنتخب جو بايدن أن يحترم قناعات هذه الملايين من الأمريكيين، وأن يبذل جهوداًمضنية وطويلة لإقناعها بعكس ذلك، لو أراد.وها هو، وقبل أن يتسلم مهام منصب الرئاسة يحث مواطنيه على الوحدة والتمسك بالأمل في ظل الانقسامات العميقةعلى خلفية انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.وبهذا سيكون على النظام الإيراني أن يبقى ينوء بأعباء العقوبات الخانقة زمناً ليس بالقصير يصعب التكهن بما سيحدث خلاله من مفاجآت.مع العلم بأنه لم يُقصر في تقديم الدليل بعد الدليل على أن ترمب ومعاونيه على حق في تشخيص عدوانية هذا النظام، ومعاداته لأمريكا ومصالحها وأمنها إلى الحد الذي جعل الملايين من الأمريكيين تعتبر داعش أقل منه خطرا على أمن الولايات المتحدة والمنطقة والعالم، وتصفق لتنفيذ حكم الإعدام بقاسم سليماني.
ومن هنا أصبح على بايدن أن يُقنع هذه الملايين بأن المفاوضات المرتقبة، إن حدثت، لن تكون على طريقة أوباما،بل ستشمل العناصر الأربعة للخطر الإيراني، النووي والصواريخ والإرهاب والتدخل في شؤوون الدول المجاورة.وقد يكون هذا ما دفع به إلى أن يعترف بأن “الرئيس ترمب غيّر المشهد”، ثم يبشر الأمريكيين بأن “ولايته الرئاسية لن تكون ولاية ثالثة للرئيس السابق باراك أوباما“،وذلك لمعرفته بأن صيت أوباما وإدارته لا يحظى بالاحترام في نظر كثرةٍ كاثرة من مواطنيه.أما العامل الضاغط الآخر المهم جدا على الإدارة الجديدة، وسياساتها المتوقعة إزاء النظام الإيراني وإرهاب مليشياته في المنطقة، فهو العامل الإسرائيلي المتخوف من الإصرار الإيراني على مواصلة الأبحاث النووية، وعلى تطوير الصواريخ الباليستية، وسعيه إلى التوسع في سوريا ولبنان.
ثم، بالإضافة إلى أن الرئيس الجديد قال، صراحةً، بأنه لا يقل التزاما بأمن إسرائيل وتأييد سياساتها عن سلفه ترمب، فقد منح وزارة الخارجية ليهودي متعصب لإسرائيل،هو أنتوني بليكن، وهذا ما يؤشر إلى أن المخاوفالإسرائيلية من إيران ستكون العائق الثاني أمام احتمال رفع العقوبات أو تخفيها ثمنا لعودة النظام الإيراني إلى طاولة المفاوضات.مع ملاحظة استمرار الغارات الإسرائيلية المتكررة في سوريا وغرب العراق وفي إيران ذاتها في إطار (حرب الاستنزاف) التي تخوضها إسرائيل ضد إيران في المنطقة.وقد جاء توقيت تسريب خبر اغتيال مسؤول الإتصال بين القاعدة وإيران، أبو محمد المصري، مع ابنته أرملة إبن أسامة بن لادن، في قلب طهران من قبل وحدة (الحربة)التابعة للموساد الإسرائيلي تذكيراً لبايدن بأن إيران دولةداعمة للارهاب، وأنها تخفي في أراضيها الكثير من الإرهابيين المطلوبين للعدالة.
ثم يأتي اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زاده، أخيرا، في قلب طهران، ليشكل“ضربة قاسية وثقيلة لإيران”، وفق ما وصفه رئيس هيئة الأركان في القوات الإيرانية، اللواء محمد باقري.ولا خلاف على أن نتياهو يتمد إرسال هذه الرسائل المشفرة الى الإدارة الجديدة التي (ربما) تنوي اتخاذ خط تصالحي مع النظام الإيراني، يبلغها بها بأن إسرائيل عازمة على استمرار معارضتهالتوسع النظام الإيراني في المنطقة، مهما سيكونموقف الإدارة (الديمقراطية) الجديدة، وبأنها قد تضطر، لوحدها، لضرب المنشآت الحيوية الإيرانية ومنع أي تقدم في البرنامج النووي، خاصة في ظل دعوات المسؤولين الإيرانيين المتواصلة إلى محو إسرائيل من الوجود.
كما أريد بها أيضا مخاطبة الجمهور الأمريكي بأن إدارةترامب كانت شجاعة ونزيهة في محاربة الإرهاب، وأن أي تهاون من قبل الإدارة الجديدة في مواجهة إيران سيكون،في نظر الأمريكيين والإسرائيليين، تقصيرا في مواجهة الإرهاب، وإضرارا بالغا بالمصالح القومية العليا لأمريكا، وإسرائيل أيضا. والعائق الثالث القوي الآخر تمثله الاتفاقات التي وقعتهاإسرائيل مع الإمارات والبحرين، ولاحقا مع السعودية ودول عربية أخرى بالإضافة إلى مصر والأردن، والتي ستمنع إدارة بايدن، إلى حد بعيد، من العودة إلى سياسات رئيسه السابق، أوباما، التي سمحت بتشجيع النظام الإيراني على تهديد أمن السعودية ودول الخليج العربي الأخرى، بعد أن أصبحت، بجهود سلفه ترمب، حليفةً ليس لأمريكا فقط بل لإسرائيل التي لا يريد ولا يستطيع أن يهدد أمنها ومصالحها الجديدة في المنطقة.فهل بعد كل هذا سيواصل الإيرانيون وأتباعهم انتظار الفرج الذي لن يأتي إلا بعد عمر طويل؟؟