دبلومسية الفأر مع ايران وتركيا ودبلوماسية الأسد مع السعودية
آخر تحديث:
بقلم:علي الكاش
الأعراف الدبلوماسية واضحة، ومن يجهل بعض الفقرات منها، يمكنه الرجوع الى إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ويفترض على أي موظف في وزارة الخارجية سواء كان من السلك الدبلوماسي أو الإداري ان يحفظها على ظهر قلب، ليعرف أولا حقوقه وواجباته عندما يعمل في الدول الأخرى، وثانيا ليعرف حقوق وواجبات البعثات الدبلومسية الموجودة في وطنه، ويبدو ان هذه المعلومات والإتفاقية بحد ذاتها هي الأبعد فهما عن وزارة الخارجية العراقية وموظفيها،سيما بعد أن أبعد وتقاعد معظم الدبلوماسيين القدامى، وبقي فيها الطائرون من الوزير الى السفراء وحتى أصغر موظف في الوزارة. لذلك ترى إن فعالية عمل وزارة الخارجية تكاد ان تكون أقل من الصفر، فهذه الوزارة أشبه برئيس الجمهورية العراقية برهم صالح مجرد ديكور لا معنى له، بل ان يشوه منظر العلاقات الدولية.
بعد المساجلات العدائية بين السفيرين التركي والإيراني في العراق حول سنجار، حيث تحاول الدولتان المعاديتان للعراق أن تستأثرا بهذا القضاء الإستراتيجي لأهداف معلنة، فقد صرح والي العراق السفير الإيراني (إيرج مسجدي) في لقاء تلفازي” نرفض التدخل العسكري في العراق، ويجب ألا تكون القوات التركية بأي شكل من الأشكال مصدر تهديد للأراضي العراقية أو احتلالها. وإن على الأتراك أن ينسحبوا إلى خطوط حدودهم الدولية وينتشروا هناك وأن يتولى العراقيون بأنفسهم ضمان أمن العراق”. وهي كلمة حق أريد بها باطلا. وعلى الفور رد السفير التركي (فاتح يلدز) على نظيره مسجدي، بالقول إنه ” سيكون سفير إيران آخر من يلقي محاضرة على تركيا حول احترام حدود العراق”. وهي كلمة حق أريد بها باطلا. فالدولتان لهما أطماع معلنة في العراق، ويمكن الرجوع الى تصريحات المسؤولين في الدولتين لكشف مخططاتهما التوسعية، وأطماعهما في العراق.
فتركيا التي تتحجج بمحاربة عناصر حزب العمال الكردستاني الإرهابي المعارض، تغض النظر على أعضاء الحزب نفسه الموجودين في أيران، ولم تقم بأية عملية عسكرية ضدهم، على العكس من العمليات الكثيرة التي شنتها عليهم في العراق، ودفع المدنيون الأبراء ثمنها. طالما ان حزب العمال الكردي مصنف ضمن قوائم الإرهاب، فلماذا تحتضنه ايران ولا تحاربه تركيا؟
الجواب: بسيط جدا لأن تركيا لا تجرأ على فعل هذا، انها تنفذ عملياتها في العراق لأن العراق بلا سيادة، ورئيس حكومته يصرح بين آونة وأخرى بالفزات، كلما فز من نومه أطلق تصريحا لا يختلف عن إطلاق الريح من معدته، ورئيس الحكومة لا يختلف موقفه وتصرفه عن فتاة خجوله في أول أيام عرسها، بل ينطبق عليه المثل (أبرد من … السقا). أما مجلس النواب فقد نذر نفسه لتلبة رغبات الولي الفقيه فقط، وهو لا علاقة له بالشعب العراقي، لذا صدق عليه القول (برلمان الجنرال سليماني).
على أثر المساجلات بين السفيرين، إستدعت وزارة الخارجية التركية يوم 28/2،2021 سفير طهران لدى أنقرة لإستنكار تصريحات السفير الايراني وسلمته مذكرة إحتجاج، بالمقابل قامت الحكومة الايرانية باستدعاء السفير التركي في طهران وسلمته مذكرة إحتجاج. وجاء في المذكرة ان” ما ننتظره من إيران هو دعم تركيا في مكافحتها للإرهاب وليس الوقوف ضدها”. وعادة ما تتبع هذه الخطوات في العلاقات الخارجية، إذا رأيا وزارتا خارجية البلدين ان لهما مصالح مشتركة في البلد المعتمدين فيه، وليس من مصلحتهما تعميق الخلاف.
بعد هذه التصريجات الهوجاء، التزمت وزارة الخارجية العراقية الصمت أزائها، وبعد ان تعالت أصوات الشعب عن دورها في الموضوع، وهي تتشدق بالسيادة وهيبة الدولة، أطلق الناطق الصحفي للوزارة (أحمد الصحاف) وهو من الطارئين على الوزارة ولا يفقه أبجدية العمل الدبلوماسي ـ جاء وفق المحاصصة الطائفية ـ بتصريح أغرب من الخيال، لأن الأمر يتعلق بسيادة البلد، ولا يمكن إنتهاك الأعراف الدبلوماسية بهذه الطريقة البشعة، يفترض ان تتخذ الوزارة خطوة جديو وسريعة، ولأن الأمر خطير فأن مذكرات الإحتجاج لا تنفع بهذا الصدد، السيادة خط حمر، ولا يجوز تجاوزها من قبل السفراء، والسفير كما هو معروف يمثل رئيس الدولة التي إعتمدته، والخطوة في مثل هذه الأحوال تكون بإرسال مذكرة الى الدولتين واعتبار السفيرين غير موغوب بهما ( Persona non grata) وإمهالهما (72) لمغادرة البلد. سيما ان تجاوزات السفير الإيراني على وظيفته قد تجاوزت كل الحدود والأعراف الدبلوماسية، ولو جرت هذه المساجلات في أية دولة محترمة لقطعت على الفور علاقاتها الدبلوماسية مع البلدين، ولا أحد يلومها على فعلها.
ما نطق به الناطق الخائب يثير الإشمئزاز، ويدل على الضعف الذي يعاني منه العراق في مجال العلاقات الدولية علاوة على جميع المجالات الأخرى، لم نصدق ان الوزارة خشيت حتى من إستدعاء السفيرين الى ديوان الوزارة وتسليمهما مذكرتي إحتجاج كأضعف وأخيب رد تقوم به الوزارة، وجاء تبرير البهلول الصحاف عن عدم استدعاء سفيري إيران وتركيا بعد تصريحاتهما بشأن السيادة العراقية بالقول” ان الخارجية العراقية اعتبرت موقف سفيري إيران وتركيا في بغداد انتهاكا للأعراف الدولية وهو مرفوض جدا، وإن جملة من الخطوات يمكن التعامل فيها مع هذا الموضوع من دون اللجوء إلى الاستدعاء، وأن هناك من يتصور أن الخطوة الأولى يجب أن تكون عبر الاستدعاء وتسليم مذكرة احتجاج، أن القضية يمكن أن تحل بسياقات دبلوماسية معتمدة خارج إطار الاستدعاء وتسليم مذكرة احتجاج”.
نسأل هذا الأمعي، كيف حلت المسألة، هل عبر الهاتف او ماذا؟ اليس تسليم مذكرات إحتجاج جزء من السياقات الدبلوماسية؟ وهل الوزير ووكلائه والسفراء جميعا لا يعرفون سياقات العمل عند إنتهاك السيادة الوطنية. لو سألت أصغر دبلوماسي عراقي من العهد السابق لأرشدك كيف يتم العمل في مثل هذه الظروف يا ناطق بالباطل.
من المؤسف ان تصل الخارجية العراقية الى هذا المستوى الضحل من التعامل الدبلوماسي، لكن الوزارة بكادرها الطاريء يمكن ان يأتي بما هو أسوأ من ذلك.
نسأل الناطق الجهبذ، لو كان السفير السعودي او الإماراتي قد نطق بهذه الكلام هل كانت الوزارة ستكتفي “بالسياقات الدبلوماسية”؟ ام كنتم تقيمون الدنيا وتقعدونها، ويمكن العودة الى موضوع السفير السعودي السابق في العراق السيد ثامر السبهان على سبيل الإستذكار ليس إلا؟
الغريب في الأمر ان جميع الكتل السياسية لاذت بالصمت كالمقابر، والسبب هو بالطبع السفير الإيراني، ولو كان السفير التركي فقط أطلق تصريحات تتنتهك سيادة العراقي، لأعتبروه شخص غير مرغوب به، لكن ما شفع له، ان خصمه هو والي العراق مسجدي، الحاكم الفعلي للعراق.
أما رئيس مجلس النواب المنصب من قبل مسجدي، فقد أطلق تصريحا عجيبا، بحيث ان لم يشر حتى الى سفراء الدولتين، وتحدث بشكل عام، ومن خلال تصريحه يمكن ان تستشف ضعف العراق، وانه بلدا يفتقر فعلا الى السيادة. أما حامي الدستور (برهم صالح)، فأنه لا يزال في سباته منذ أن نصبه الولي الفقيه رئيسا للعراق.
على وزير الخارجية العراقي والببغاء الناطق بأسمه ان يرجعا الى إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ليعرفا واجباتهما، وكيفية التعامل مع مثل هذه الحالات. أو الإطلاع على تجارب الدول (المحترمة)، للتصرف وفقها.
عندما قلنا سابقا بأن وزارة الخارجية العراقية عبارة عن دائرة ملحقة بوزارة الخارجية الإيرانية، لم نجانب الحق أبدا. أقول: مع الأسف نطقت وزارة الخارجية وليتها لم تنطق؟