الدستور… الاتحادية .. الدولة المدنية

الدستور… الاتحادية .. الدولة المدنية
آخر تحديث:

بقلم:عبد الخالق الشاهر

لا حاجة لتكرار القول ان الدستور كان ولا زال ادبية غير مقروءة ، والكل يسبه ويشتمه رغم انه لم يطلع على مادة واحدة منه ، ولا ادري كيف صوت عليه (8) مليون عراقي كما يقال .

منذ اقراره وأنا انصح بالاطلاع عليه فمن خلال ذلك سنجد انه دستور مستل من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، وغير مسؤول عن 95% من امراض ما بعد الاحتلال . فهو لم يتطرق الى الطائفية عدا في القوات المسلحة المادة (9) ، وبالتالي فأن حجة (التوازن الدستوري ) في اقرار مناقشة قانون الاتحادية ساقطة اصلا الا اذاكان هناك نية لضمها الى وزارة الدفاع ، وهو بريء براءة الذئب من دم يوسف من مهازل ما يجري فهو لم يقسم الرئاسات على الاعراق والطوائف ، وهكذا فعل مع الوظائف العامة فضلا عن انه يتقاطع تماما مع قانون المساءلة وقبله الاجتثاث وقرارات مجلس الحكم وقبلها قوانين المحتل بريمر ، وقوانين حجز ومصادرة الاموال كما انه لم يجز قطع راتب احد ، بل هو تناغم مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتفوق عليه حين نص على (( … ولا عقوبة الا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة …))

يحتوي الدستور على (142) مادة مع اكثر من (250) فقرة فيها عدة فقرات فقط تتعلق بالإسلام وهي (( الاسلام دين الدولة الرسمي ، وهو مصدر اساس للتشريع )) ولم يقل المصدر الوحيد وكذلك لم يقل المصدر الاساس بالألف واللام كي لا يعطى تفضيلا على المصادر الاخرى (( لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام )) وسنت الكثير من القوانين التي تتناقض مع الثوابت بل مع القرآن الكريم (اعلى الثوابت) ومنه قانون حجز ومصادرة الاموال (( العراق جزء من العالم الاسلأمي )) وليس الأمة العربية صانعة العالم الاسلامي من خلال حملها تلك الرسالة التي نزلت على محمدا العربي (ص) وعاونه في حملها آله وصحبه العرب ؟؟ الثالثة تقول (( تكون المحكمة الاتحادية العليا ، من عدد من القضاة ، وخبراء في الفقه الاسلامي ، وفقهاء القانون …))

هل عرفنا دينا يعترف بالديانات الأخرى غير الإسلام؟؟ بل ان الاسلام اعترف بكل الأنبياء وقص قصصهم ، بل ان حتى من اعدهم اليهود ملوكا كسليمان وداود اعدهم الاسلام انبياء ، بل انه مجد بالمحيطين بأنبياء الاديان الأخرى كمريم وآسيا .. عليه هل يحق للأغلبية المسلمة ان تسن دستورا لا يعترف ب ((ثوابت احكام الأديان الأخرى)) .. ونجعلهم كالموالي في دولة الأغلبية الاسلامية ؟؟ وهل يجوز ان يتم ذلك في دولة مدنية؟؟ خصوصا وأننا جميعا لعبنا دورا في تغييب احكام الاسلام لصالح اسلامين جديدين مفتعلين وهما الإسلام السني والاسلام الشيعي ، ولم نكتف بذلك بل سيسناهما ، وليتخيل المسلم البريطاني وما هو شعوره تجاه الدولة اذا قالت بريطانيا في دستورها (( لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام المسيحية)) اي يمكن سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام؟؟

نأتي الى الاهم كونه موضوعنا وهو خبراء الفقه الاسلامي في المحكمة الاتحادية ، لنقول ان هناك (8) مواد دستورية احداها بفقرتين فتكون (9) تتعلق باختصاصات المحكمة واحدة منها فقط قد تتعلق بالإسلام وثمانية منها لا تتعلق بالأديان اصلا ، وبالتالي يمكن القول انه ان افترضنا ان القضاة الذين درسوا الشريعة وتطبيقاتها في الاحكام ووصلوا الى مستوى قضاة اعلى محكمة ولا يعرفوا الاسلام الا اذا علمهم خبير فقه اسلامي سني او شيعي .. فليكن ولكن حصة المحكمة ستكون فقيه واحد لكل ثمانية قضاة اي لا يزيد العدد عن اثنين ، وليس ستة كما يريد البعض

عندما نقول خبير في الدوائر الرسمية فنعرف انه ليس صانع قرار وليس مديرا ، وعندما يحضر اجتماعات المؤسسة فهو يعطي الخبرة والمشورة ولا يصوت او يساهم في صنع القرار .. ولو ارتضينا خلاف ذلك فلن نرضى بأن يكونوا شيعة وسنة بينهم الكرد وليس التركمان وبينهم المسلمين وليس المسيحيين

اليس العالم مفتوح امامنا ؟؟ الا يمكن لنا ان نطلع على الديمقراطيات العريقة لنجد اننا سنسن قانونا للاتحادية لا يوجد له مثيل في العالم وإذا اردنا ان نعود الى اصل هذه الرغبة لوجدنا ان قانوننا سيكون نسخة من قانون (مجلس صيانة الدستور) الايراني ، فهو بالضبط كما يريد سياسيونا (ستة قضاة زائد ستة فقهاء في الفقه الجعفري) ، وعلينا اليوم ان نرى بوضوح ان دستورنا يقول00(( جمهورية العراق دولة اتحادية … نظام الحكم فيها جمهوري برلماني ديمقراطي..)) وهذا يعني ان العراق ليس جمهورية اسلامية كإيران التي يعرفها دستورها بانها جمهورية اسلامية وينص على (( الدين الرسمي لإيران هو الاسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري ، وهذه المادة تبقى الى الأبد غير قابلة للتغيير)) ، وللعلم فأن تعيين الفقهاء في مجلس صيانة الدستور (المحكمة الاتحادية الايرانية ) من لدن الولي الفقيه تحديدا .

نحن عراقيون ايها الاخوة ودستورنا يؤكد بناء دولة مدنية مؤمنة تحترم كل الاديان وليس دين واحد بمذهب واحد ، فلنعهد امر المحكمة الاتحادية للقضاة الذين هم فقهاء شرع بالضرورة ، وأن كان لا بد من التشبه بالجمهورية الإسلامية فليكن هناك خبراء في الفقه الاسلامي يمارسون دورهم كخبراء مستشارون كما أسماهم الدستور، وأرجو من القراء مراجعة اختصاصات الاتحادية في الدستور كي يتوصلوا الى ان 90% منه لا تتعلق بالأديان والمذاهب ، وأن مجلس صيانة الدستور الايراني امره مختلف تماما فمهمته تمرير أو عدم تمرير اي قانون يسنه مجلس الشورى (النواب) ويصادق عليه ، اي ان تشريعات مجلس النواب لا تقر الا بعد موافقة المجلس عليها وأن حصل خلاف بين الأثنين فهناك مجلس معين اسمه مجلس او مجمع تشخيص مصلحة النظام يعينه المرشد الأعلى من 31 عضوا ليبت بموضوع الخلاف .

محكمة اتحادية هي صمام امان وحامية للدستور والحقوق والحريات يحكمها فقهاء دين بمذاهب خمس وبالاتفاق ؟؟ خذوها مني انها سوف لن تتمكن من الاتفاق على اصدار قرار واحد ، وهكذا سيكون حال المحاكم الاتحادية في الغرب ان ادخلت فقهاء الكاثوليك والبروتستانت والارثوذكس . فصغائر الاختلاف بين مذاهب الدين الواحد هي كصغائر الاختلاف بين الحزب الواحد بعد الانشقاق تصبح كبيرة ومقدسة اكثر من اصول الدين نفسه او الحزب نفسه بحيث ان مذهبين من دين واحد قد يتفقا مع دين آخر أو يتفقا مع الشيطان ولا يتفقا مع بعضهما .

اخيرا ان كان ولا بد ففعلوا عمل الاتحادية من خلال اكمال نصابها بآية طريقة كانت ولنؤجل موضوع الفقهاء حتى اشعار آخر عسى ان يلغي ثوار تشرين المحاصصة الى الأبد ، وتشرق شمس الدولة المدنية المؤمنة والتي نقيضها المحاصصة التي فعلت بالشعب الواحد افعالها .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *