معنى أن يكون الناقد واقعاً حياتياً بإزاء النص الأدبي
آخر تحديث:
د. رسول محمد رسول
يعود الدكتور حسن ناظم، من بين ما يعود، إلى عنوان كتاب جديد صدر له في سنة 2020 تحت عنوان (النص والحياة) الذي صدرت طبعته الجديدة ضمن سلسلة «دراسات فكرية» عن (جامعة الكوفة)، موضوعه العلاقة بين (النص) و(الواقع) ويضم توطئة ومجموعة نصوص كتبها الدكتور حسن ناظم هي: شبحيّة النصوص وعنف الواقع، والموقف من البنيوية، وشعرية العابث، والغسق الخرب، والنقطة، ونشيد أوروك، وصعاليك بغداد.
(1)
وقدّم للكتاب الدكتور ناظم عودة، زميل حسن ناظم في الدراسة والتخصّص وسميه المناطقي في محافظة النجف الأشرف ولكن على نحو موجز تحت عنوان “اعتزال للبنية”؛ إذ أبحر في حياة الدكتور حسن ناظم الثقافية في وجوه أخرى له، ومنها “ثقافة بغداد” و”ثقافة النجف”، وميل حسن ناظم إلى الاغتراف من الثقافة الأولى على حساب الثانية لكونه لم يغرق في السقوط بأقنة الثقافة التقليدية النجفيّة وهو المثقف الحُر. ومن ثم مواجهة حسن ناظم سطوة جامعية في تمرير أطروحاته عن الشعرية والأسلوبية حيث الصراع كانت الأطروحات قائمة بين البنيوية والانطباعية.
ويعتقد ناظم عودة بأن “حسن ناظم اقترح في كتابه هذا ضرباً من القراءة يوازن بين النص والحياة وليس بين النص اللغة كما كان يجري في الدراسات البنيوية السابقة، وبدلا من أن يُختزل النص باللغة صار يختزل في الواقع أو التاريخ” (ص 17/ 18).
ويعلّل ناظم عودة هذا التحوّل عند حسن ناظم بقوله: “إن هذا التحوّل متحدّر كلحظة من لحظات الوعي بالأزمة المعرفية التي خلقت فجوة عميقة بين عالم الثقافة والإنسان والواقع من جهة، وعالم هذه النظريات المتطرّفة في نظرتها إلى التاريخ وحركته البشرية من جهة أخرى” (ص 18).
بالأحرى تنامي حركة ثقافية مناوئة للفكر البنيوي في الثقافة العربية قد تكون تركت آثارها على التغيير النقدي لحسن ناظم” (ص 18)، ويعتقد ناظم “أن الظرف التاريخي الذي مرّ بالعراق، والظرف الشخصي الذي لحق بحسن ناظم – نفسه – من جرّاء هذا الظرف هو الذي ترك آثاره الواضحة والقوية للبحث عن مخرج لهذا المأزق، وهو الذي أفضى إلى إنجاز كتاب يتجاوز النص مع الحياة بدل النص مع البنية” (ص 19).
ومن ثم ينصرف ناظم إلى الحديث عن جهود حسن ناظم النقدية والترجمية وهو ما يعده – ناظم – “صورة من صور تحديث ثقافة الجماعة العراقية بعد منتصف ثمانينيات” القرن العشرين (ص 21).
ويشير ناظم عودة إلى أن عنوان هذا الكتاب (النص والحياة) “لا يشير إلى مُطلق النص ولا إلى مُطلق الحياة إنما إلى النص الذي يمثل مركز معلومات عن العقل الثقافي العراقي المعاصر، وإلى الحياة الحاضنة السياقيّة لهذا العقل، أي: الحياة التي تلامس البشر القاطنين في هذه البقعة الجغرافية الساخنة…”، وحسن ناظم في كل هذا الخضم لامس في حياته واقعية الأشياء وذرف الدمع تباعاً لقساوة ما واجهه فيها، وهذا ما جعل ناظم عودة يستل مفهومه بما يطلق عليه “اعتزال الحياة”، ووصفه بأنه “الجوهر الثقافي الجديد الذي يريده حسن ناظم”، أي “الدعوة إلى جعل الحياة نصاً” (ص27).
(2)
هذه القراءة تبعها حسن ناظم نفسه بتوطئة، إذ يحدّد دلالة العلاقة بين النص والحياة فهي “تحاول أن تعيد تأمُّل هذه العلاقة بعيداً عن أي تعسف أيديولوجي أو منحى أيديولوجي أو تعسف منهجي” (ص 33). كما أنه يؤكّد بأن مقالات كتابه هذا تنطلق من “تعضيد المجال الذي يعيد الاعتبار إلى صلة النصوص بالواقع” (ص34). وينفي أيّة “شمولية” تدعو إليها هذه الدراسات، و”الصلة بين النصوص والوقائع ما زالت تتأرجح على مستويين؛ مرّة بتنوعها وثانية بضعفها أو قوتها، ويبقي التنوع، مهما كان منحاه، على ضرب من الوشائج بينهما” (ص 35).
(3)
ثم ينصرف الكتاب إلى الدراسات التي أجراها وهي منشورة منذ سنة 2001، وعناوينها هي: شبحيّة النصوص وعنف الواقع، والموقف من البنيويّة، وشعرية العابث، والغسق الخرب، والنقطة، ونشيد أوروك، وصعاليك بغداد. وتتضمّن الرؤية الفكرية لحسن ناظم كما تحدّث عنها ناظم عودة؛ بل وكما تحدّث عنها ناقد وزميل آخر للمؤلف ذلك هو فلاح رحيم في كتابه لسنة 2018 (أزمة التنوير العراقي)، (انظر: ص 171 وما بعدها).إن هذا الكتاب (النص والحياة) لا يمثل فقط رؤى أدبيّة تخص الشعر والنقد الأدبي؛ بل يخص ما هو فكري – فلسفي لكونه يتطرّق إلى علاقة الفكر بالحياة، والمثقف بالحياة، والناقد بالحياة تلك التي عمل على اجتراحها حسن ناظم بوصفه مثقفاً ومفكراً لا ذلك الناقد الأدبي فقط، وكل فصل من فصول الكتاب يوحي بذلك بلا ملل، وكل شأن من شؤون حياة حسن ناظم عاشه واقعياً في حياته على الصعيد الأسري يوحي بذلك.