الاحزاب في العراق ، كثرة في الانشاء وقلة في العطاء
آخر تحديث:
بقلم:خليل ابراهيم العبيدي
ان ما يهز المراقب ويثير اهتمام المختص في موضوعة الاحزاب السياسية ، ما وصل إليه العراق من حالة وصل فيه عدد الاحزاب السياسية إلى ما يناهز ال 300 حزب او كيان ، وان هذا الاسفاف في نمو هذه الاعداد او تلاطم مسمياتها انما يشير الى عدم وجود الفهم الحقيقي او الواقعي لمعنى الحزب، او الجهة التي يمثلها او حتى مهمة تسطير اهدافها ، والمعروف في علم السياسة ، ان الحزب هو كيان سياسي له اعتبار قانوني ، يتمييز بالاختلاف والاستقلال عن الكيانات الاخرى ، يضم مجموعة مؤثرة من الأفراد دافعة الاشتراك يوحدهم تنظيم واحد لهم عقائد مشتركة ، وامال مشتركة ، وبرامج حكومية محددة ، يهدف الوصول الى السلطة ، وأن هدف الوصول الى السلطة يتطلب قاعدة واسعة وتنظيم محكم ، وقد يصل بهم إلى السلطة عن طريق الثورة ،،في الاحزاب الثورية،،او عن طريق الانتخاب عند الاحزاب الليبرالية، وقد استقر الفكر السياسي على الاعتراف بشرعية الاحزاب ذات التأثير على الساحة اما من خلال شدة النشاط او من خلال كثرة الاعضاء والانصار والمؤيدين ، ويقول المفكر الفرنسي أستاذ علم الأحزاب السياسية والقانون الدستوري في كتابه الاحزاب السياسية ص 6،، ان كلمة أحزاب تطلق على الفئات التي كانت تتوزع الجمهوريات القديمة او على قادة الزمر clan التي كانت تتجمع حول أحد قادة المرتزقة في إيطاليا ابان عصر النهضة ، ويستطرد يقول فكما ان الرجال يحملون طيلة حياتهم ، طابع طفولتهم ، وكذلك الاحزاب السياسية تتأثر بعمق بأصول نشأتها ، والسؤال الذي يشخص أمام الباحث وهو يقف أمام هذه الكثرة من الاحزاب المسجلة مؤخرا ، من أين تبدأ أصول هذه الأحزاب ، وما هي آمالها السريعة ، او ماهي اهدافها ، او كما يقول الدكتور شمران حمادي استاذ الاحزاب السياسية السابق في جامعة بغداد ، في كتابه الاحزاب السياسية والنظم الحزبية ص 3 ، كانت الحكومات قديما تنظر إلى الاحزاب السياسية منذ نشأتها على انها تنظيمات تضم أفرادا متفقين في الأفكار السياسية وهدفها أساسا هو أحداث الشغب بقصد وضع عراقيل أمام الحكومات. وحال الناظر الى واقعنا الحزبي تقفز الى مخيلته هذه المقولة وما سيسببه هذا العدد من الاحزاب للحكومات العراقية سواءا المنتخبة او المعيينة ،يبدو ان الطبيعة القبلية لا زالت ماضية في نفوس اغلب المتصدين للمشهد السياسي والقائمة على فكرة التسلط المستأصلة في النفوس والقائمة على فكرة المشيخة العشائرية ، والنابعة من التغالب والاغارة وجني الثمار وافعال اخرى يريد بها السياسي وحتى المبتدئ من وراء انشاء هذا الحزب او ذلك التنظيم ، كل يريد ان يقود ، على وفق قاعدة ( ها انا ذا ) لو استلمتها يوما لفعلت ما فعلت، ،
سادتي .. ان المجتمعات ذات التقسيم الاجتماعي الحاد ، بحاجة إلى أحزاب موحدة (بكسر الباء )، ذات قاعدة كبيرة متنوعة قدر تنوع المجتمع ، احزاب ذات نزعة إقتصادية بريكماتية مثل الاحزاب الاشتراكية والشيوعية ، تخلقها الطبقات المسحوقة لا النزعات المفرقة، لا احزاب نخبة سابحة في فضاء الخيال تبحث عن مقعد واحد يمنحها الحصانة والقيمة السياسية ، وهذا يعني النزوع نحو قلة الاحزاب وكثرة الاعضاء والمؤييدين في الحزب ألواحد ، فالقيادات الكارزمية ، ليست سلعة تشتريها الاحزاب من السوق المحلية ، انها موهبة يصقلها الحزب العريق ، وهنا نسجل بكل صراحة ان كثرة الاحزاب تؤدي إلى زيادة الفرقة بين ثنايا شعبنا المجزأ ، وأن كثرتها يؤدي الى عدم الاستقرار السياسي ، كما ان كثرتها يؤدي حتما الى الاحتراب السياسي ،
ان الأحزاب السياسية في العالم الثالث كما كان يطلق علينا (باستثناء الاحزاب الاشتراكية والشيوعية التي لم يسمح لها بإدارة سلطة ) هي احزاب ترف سياسي لانها وان حازت على قواعد شعبية عريضة الا انها فشلت في إقامة المجتمع المتقدم المستند إلى قاعدة مادية فاعلة، وظلت متخلفة توجهها عقائد بالية او أوجد لها الغرب الصراع الديني او المذهبي لتغوص فيه بعيدا عن كل ما يمت للحضارة بصلة ، وقد كان القوميون في العراق متحاربون فيما بينهم ، حتى أسقط سلطتهم البعث عام 1968 ، وكان حزبا يمينيا وجد عند استلامه السلطة قطاعا عاما كبيرا ركب موجة الاشتراكية وتوسع في هذا القطاع على اسس برجوازية حرم الموظف البسيط والعامل من كل مييزات وثمار هذا القطاع وظل الموظف الحكومي وحتى في الشركات المنتجة الرابحة يعيش على أجر الكفاف ، وعندما توسعت الشركات والمصانع اغتر القائد الضرورة وحول الاقتصاد من اقتصاد تلبية الحاجات للمجتمع الى اقتصاد الحروب التي خاضها خلال ثلاثة عقود ادخل في اثرها الاحتلال الى اراضي العراق ليصبح محتلا وتعود التجربة الحزبية بشكل اسوأ فبدلا من ان تكون الخسارة جراء حكم الحزب الواحد ، صارت الخسارة جراء عقلية كثرة الاحزاب ……