غالبا ما تستخدم بعض الأنظمة الحاكمة المستبدة اسلوب في غاية الحقارة والسفالة مع شعبها من خلال قاعدة (طمس الكارثة السابقة بكارثة جديدة)، وهذا ما نشهده بإستمرار في إدارة الدولة العراقية الفاشلة، فما ان تنتهي كارثة ويقوم رئيس الحكومة الهزيلة بتشكيل لجنة تطمس كل معالم الجريمة، إلا وإستجدت كارثة جديدة تجعل الشعب العراقي يغير بوصلة إهتمامه من الكارثة القديمة الى الجديدة، أما من يدفع ثمن هذه السياسية الضالة فهو الشعب العراقي العاجز عن تغيير حكامه السفلة، وهو يجلد يوميا بسياط الأحزاب والميليشيات الحاكمة، دون أن ينتزع السوط من يد جلاده ويقلب السحر على الساحر، وهو قادر على ذلك.
يبدو ان الشعب تعود على السياط فما عادت تؤثر فيه، او تُفعلعزيمته فيتحرك للثورة العارمة، ويتحرر من القيود التي كبلها به الإحتلالين الامريكي والإيراني والنظام الحاكم والميليشيات الولائية، الله تعالى لا يرحم ولا يعين من لا يعين نفسه، عندما يسعى العبد سيسانده الرب، اما يقعد متقاعسا منتظرا التحرر من السماء، فهذا ما لا يمكن أن يكون، إسعى يا بشر للتحرر فيكون الله بجانبك ولن يتخلى عنك.
بعد ان تكررت الجريمة البشعة في ذي قار وهي النسخة الثانية من مستشفى ابن الخطيب التي راح ضحياتها ما يقارب المائة شيهد، جاءت النسخة الثانية في محافظة الجهاد والأبطال الناصرية (ذي قار)، وكان عدد الشهداء مناقصة بين مؤسسات الدولة الواحدة مما يدل على ضعفها وارتباكها، المحافظ يقلل الرقم الى الحد الأدنى، علما انه لم يكلف نفسه عناء زيارة موقف الكارثة، ووزارة الصحة تحذو حذوه بعدد مغاير، ومنظمة حقوق الإنسان العراقي تعطي رقما مغايرا، والنشطاء وهم الأوثق من الأجهزة الحكومية والأقرب الى الحدث يعلنون بأن الشهداء ما يقارب المائة، وما زال حوالي (20) شهيدا لا أثر لهم، ربما تفحموا ولم يبق منهم شيئا، حتى الشهداء تتلاعب الحكومة بأعدادهم، سبحان الله لا يرحموا الأحياء ولا الأموات، كالعادة خرج علينا رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مؤلفا لجنة هلامية فيها وزير الرياضة عدنان درجال، ربما لأن الكاظمي يدرك جيدا ان الجريمة كانت لعبة سياسية وتحتاج الى خبير في الرياضة مثل درجال.
مع ان اللجنة التي شكلها الكاظمي أثر مجزرة حريق مستشفى ابن الخطيب، تبخرت فيها اللجنة والتحقيقات بفعل تفحم الشهداء، ولم يبق لها أثر كجثث شهدائنا الأبرار في ذي قار. آلاف اللجان تشكلت منذ عام 2003 ولحد الآن، وليس هناك نتيجة واحدة لهذه اللجان الحقيرة، التي لا يخجل أعضائها من تسميتهم كأعضاء فيها، وسيكون حسابهم مع الله تعالى، وارواح الشهداء سيكونوا خصومهم في الآخرة، إن من يتستر على القتلة والفاسدين مشارك في الجريمة، وكل رؤساء واعضاء اللجان فاسدون ومجرمون بلا إستثناء، هم ومن أمر بتشكيل تلك اللجانالوهمية.
محطات مهمة على الكارثة
اولا. حاول الكاظمي بمسرحية سخيفة ان يستهزيء بعقول العراقيين من إعلان القبض على قاتل الشهيد هاشم الهاشمي، وقد إختار اللحظة المناسبة للتغطية على جريمة حرق مستشفى الحسين في الناصرية، بإعلان إسم أحد الإرهابيين ونشر إعترافات واهية، والحقيقة هي تشويهات ومغالطات أكثر منها إعترافات.
ثانيا. ايبدو ان اتفاقا حصل بين الكاظمي وكتائب حزب الله العراقي، إشترط فيها الحزب، تسليم مجرم واحد فقط، مع عدم الإعلان عن الجهة التي تقف وراء الإرهابي، والزعم بأن شركائه، هربوا خارج العراق، والحكم على الإرهابي بالإعدام، من ثم تهريبه الى ايران بطريقة ما، بإعتباره مجاهد في محور المقومة.مقابل ذلك يرفع الحرج عن الكاظمي الذي وعد عائلة الهاشمي بالكشف عن المجرمين خلال ثلاثة أيام.
ثالثا. سبق أن أعلن مستشار الكاظمي أحمد ملة طلال قبل تسريحه من مكتب إستشارية الكاظمي، بأن الحكومة تعرفت على قتلة الهاشمي، وانه لا يمكن القبض عليهم بسبب تشابكات سياسية، وان القبض عليهم ستكون له تداعيات لا تتناسب وظروف العراق. بمعنى إن توقيت القبض على قاتل الهاشم يإختاره الكاظمي ليغطي به على محرقة ذي قار. وكان من المفروض ان يكاشف الشعب بمعرفة القتلة بدلا من التغطية عليهم حوالي عشرة أشهر.
رابعا. خلال الإعترافات السخيفة ورد بان القاتل “ ينتمي إلى مجموعة خارجة عن القانون“! فمن هي هذه المجموعة الخارجة عن القانون ولماذا تم التستر عليها؟ لاحظوا ان القاتل أطلق عليه عدة تسميات منها (ملازم أول، من مجموعة خارجة عن القانون، المدعو، المجموعة من أربعة أشخاص، المجموعة التي نفذت العملية)، ولم تطلق عليه كلمة المجرم او الإرهابي ولا على مجموعته، وهذا الأمر يثير الشكوك، ويؤكد ان الإعترافات متفق عليها بين الكاظمي وكتائب حزب الله.
خامسا. ان كانت الشرطة والجيش المسؤليين عن حماية الأرواح، يقتلون الناس بهذه الطريقة البشعة، السنا على حق عندما نصف القوى الأمنية بأنها تفتقر الى ابسط مقومات المسؤولية في إداءواجبها، وانها هي التي قتلت ثوار تشرين؟ وان كانت الميليشيات متوغلة في القوى الأمنية بهذه الطريقة، وعبر ضباط الدمج، الا يفترض برئيس الحكومة أن يطهر هذه الأجهزة من عناصر الميليشيات؟ أم إنه على توافق معها، وهذا الأقرب إلى الصواب.
سادسا. جاء في إعترافات الإرهابي انه قتل الهاشمي على أساس انه مقرب من الولايات المتحدة، علما ان الهاشمي كان في السابق منتميا إلى إحدى الجماعات السلفية قبل غزو العراق ثم انخرط في إحدى فصائل المقاومة الوطنية العراقية، بمعنى انه أصلا مع المقاومة العراقية وعمل ضد الإحتلال الامريكي، بل هو محسوب على الكاظمي ومحور المقاومة، ولم يصدر عنه اي مقال او كلام يثبت انه يتعاطف مع المحتل الأمريكي. لذلك فذريعة انه يعمل مع الولايات المتحدة، وقتل لهذا السبب، أوهى من خيوط العنكبوت.
سابعا. كانت الأخبار الأولية تشير الى أن عدد المجرمين ستة، فكيف صاروا اربعة، ثم كيف هربوا الى خارج العراق، وتنقلوا بحرية؟ ولما لم تفصح الحكومة الى أية دولة شدوا رحالهم؟ وجاء في بيان لاحق انهم رجعوا الى العراق؟ ما هذه المهزلة، هل يمكن ان يعود المجرم الى مكان الجريمة ليحاكم، حدثوا العاقل بما لا يعقل، فإن صدق فلا عقل له.
ثامنا. ما ورد في الإعترافات معلومات غير مهمة، وتعرف عليها الشعب من خلال مشاهدة الفديو، فتعطل الرشاشة، والماطورين(موتورسيكل) والسيارة المصاحبة للقتلة، ومناطق تنقلهم قبل وبعد الجريمة لا تعني شيئا للشعب، وهل هم حاليا خارج العراق، وايةدولة تأويهم، وهل طالب العراق تلك الدولة بإستعادتهم؟ ومن هي الجهة التي تقف وراء الإرهابي، فالمجرم عبارة عن وسيلة، المهم هو من خطط للعملية، ومعرفة من أمر بالإغتيال.
ان عدم الإجابة على هذه الأسئلة، يرجح كفة الإتفاق بين الكاظمي وكتائب حزب الله الإرهابي، ومعناه ان الكاظمي يغطي على الإرهاب، وهو مشارك في الجريمة .