افرزت الانتخابات التشريعة الاخيرة 2021( انتخابات تشرين) صورة جديدة للمشهد السياسي مغايرة تماما للمألوف والمتوقع من قبل الكثيرين، حتى باتت بمثابة صدمة عند البعض من الجهات والاحزاب التي كانت تعول كثيرا على قواعدها الجماهيرية، مقابل فوز مرشحين لم ير منهم الشارع في يوم من الايام، سوى الاسم والصورة.وفي حقيقة الامر، فأن تلك النتائج لم تكن سوى حصاد لعواصف العراق وتوسع للخلافات التي اكلت بجرفه السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد ان دمرت امنه و سلمه الاهلي، والتي اوشكت ان تدفع بالعراقين الى حافة الهاوية وتهدد عيشهم المشترك وحياتهم بين اونة واخرى، وفي كل المناسبات.وما يدور اليوم، ومانراه من مواقف وتصريحات، اكبر دليل على ان الصراعات والتهديدات بسبب نتائج الانتخابات التي خسر من خلالها بعض الكيانات والاحزاب السياسية مقاعدها في البرلمان، تؤكد انها نتيجة لأبتعاد الكثير من المسميات السياسية عن خدمة المواطن وجعله ميزان القبول في توجهاتهم ، ولطالما حذرنا من مغبة الابتعاد عن المواطن وتأمين عيشه وضمان مستقبله وتطوير امكانات الدولة الاقتصادية والاجتماعية وتأمين العيش الرغيد لكل عراقي، بدلا عن التمسك بالمصالح الشخصية وتقوية الفاسدين.الهزيمة الانتخابية هي نتيجة طبيعية وحتمية متوقعة بسبب سوء ادارة وتخطيط وسلوكيات وستراتيجيات بعض الاحزاب، والنظرة الضيقة والابتعاد عن مصالح الدولة بكل مؤسساتها، وايضا بسبب ضعف(البعض منهم) وتخبطهم في ادارة العملية السياسية طوال السنوات الماضية.
اليوم الجميع يراقب صدور النتائج النهائية للانتخابات، والمفوضية مطالبة اليوم بالاجابة على جميع الشكوك والاعتراضات والاستفسارات بشأن دقة النتائج، وما رافقها من لغط وتعثر بأعلان الاولية منها، وكذلك الدعوات بأعتماد العد والفرز اليدوي، طالما برزت شواهد على تزوير في هذه المحطة، او حصول خطأ تقني او يدوي متعمد في تلك.. اذ لابد من وجود اجابات تقطع الشك باليقين ، وتفسر الكثير من التساؤلات بشأن دقة ومصداقية ونزاهة الانتخابات، ليتم الشروع بعدها بعقد اولى جلسات البرلمان الجديد وتشكيل حكومة ، والسير بأمور البلد نحو طريق الانقاذ والنجاح في وقت يمر به بظروف استثنائية على كل الصعد.
الجلوس الى طاولة الحوار
البعض يرى انه كان من الاولى على الكتل والاحزاب التي خسرت مقاعدها البرلمانية في الانتخابات الجلوس الى طاولة الحوار لغرض تقيم الاوضاع ودراسة الظروف والعوامل واسباب هذه الخسارة والتراجع في صفوف شعبيتها، وان مثل هذه الحوارات وعمليات النقد والنقد الذاتي لمسيرة وسلوكيات هذه الاحزاب هو ليس من باب جلد الذات ومحاولة تعليق الفشل على قيادة الكتل والاحزاب الخاسرة، بل تاتي من اجل مواجهة الحقائق والاسباب بروح وعمل ايجابي تصحيحي، الخاسر والرابح في الانتخابات يفترض ان يجلس الى هكذا طاولة للحوار والشفافية وبنية وطنية جامعة والايمان بالتبادل السلمي للسلطة والاهتمام والتمسك بمعاير النزاهة في الحكم والقيادة وبناء الوطن والحفاظ على امواله وثروات شعبه ، فالاساس لابد ان يكون الوطن والمواطن، والفوز لابد ان يكون لهما فقط، في حال ان كانت تؤمن جميع الاحزاب والتيارات السياسية بأنها جاءت ووجدت لخدمتهما.
نتائج تشرين
جاءت انتخابات تشرين عقب ازمات سياسية واوضاع حادة وعاصفة مزجت بدماء العراقيين ازمات استمرت(وما زالت) بدون توقف.اقل ما يقال عن الاجواء التي سبقت احتجاجات تشرين، بأنها محتقنة ومشحونة بالخيبات والاحباط في نفوس المواطنين، فلا خدمات تليق بهم، ولامستقبل مشرق لأطفالهم، ولا امل للخريجين منهم، والازمات تغلف الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعلى الجانبين الداخلي والخارجي، ناهيك عن التقاطعات والمشاحنات بين الكتل والاحزاب التي وضعت نفسها في واد بعيد عن المواطن، ما ولد ثورة واحتجاج على تقاليد ومفاهيم واليات سياسية بالية تحكم العراق وتتحكم بمصيره ، وشكلت المزاج الشعبي الراي العام بأتجاه مقاطعة من هم على سدة النفوذ بسبب فشلهم، فالعراق اليوم بامس الحاجة لبناء العملية السياسية الوطنية التي تعوض العراقيين عن مآسيهم وحرمانهم من صور الفتنة والفساد والدم والموت والفقر والبطاله والضياع، العراق الذي بامس الحاجه الى المواقف العقلانية والحكمة والتنازل للوطن والنظر الى ارواح العراقيين واحوالهم وبيئتهم الصعبة وهذا بحاجة لطبقة سياسية تعمل على انقاذ العراقيين ورفع كل غبن عنهم مع اشاعة الامن والسلام وتعزيز وترميم نسيجهم الاجتماعي وعيشهم المشترك.. نحن بحاجة الى قيادة سياسية تعزز دور الانظمة والقوانين وتحترمها، عبر حكومة بخبرة وتجربة سياسية عالية وشفافة محصنة بالشعب وليس بقوة السلاح.
حكومة قوية
اذا على النخب والقيادات السياسية في العراق الجلوس من اجل استحضار ومراجعة التجربة السياسية للمراحل الماضية ومشاكلها لغرض وضع الخطط والبرامج السياسيه لتجاوزها بالتعاون مع الحكومة المقبلة لايجاد اليات جديدة لتسير دواليب الدولة بمهنية وثقافة عالية وحل الازمات وتفاديها بالحوارات والتفاهم بدل اشعالها ، وهذا بحاجه ايضا الى اعادة بناء الصفوف السياسية وجعل الدستور والقانون الفيصل والحكم في فض النزاعات والخلافات السياسية ما يساعد على اعادة بناء الاقتصاد والامن والدفاع وتعزيز علاقات العراق بالعالم ودول الاقليم من خلال تعزيز وبناء القواعد والمنطلقات الدبلوماسية.ولا يتم بناء الدولة الا من خلال حكومة قوية بلباس ديمقراطي وبقيادة شخصية تتمتع بالتجربة و بالخبرة والثقة والشجاعة الكبيرة وبدعم شعبي وسياسي كبير بمعنى لا نريد حكومة محاصصة مذهبية طائفية عنصرية لتضيع الوقت وتكرس الفساد من جديد، بل تعتمد على اصحاب الخبرة والتجربه والمحترفين في ادارة الدولة من التكنوقراط، على ان ينبع تشكيلها من هموم الوطن والمواطنيين حكومة فيها حصة للشبابوتتمتع بروحية الشباب الذين يتحصنون بالخبرات والتجربة القيادية الناجحة والثقافة الوطنية العالية وهم يمارسون مهامهم ويديرون مؤسساتهم بشجاعة وجرأة مهنية عالية وهذا ما لمسناه في بعض المؤسسات والهيئات الذين بذلوا كل الجهد لاحكام صمام امان الدولة.
مهام ومسؤوليات
ومن اولويات هذه الحكومة الجديدة الاهتمام احياء الاداب والثقافة والفنون والتعليم والاخلاق والتمسك بالمواطنة الحقيقة وروح الانتماء للوطن وكل سبل النجاح، نحن احوج الى ثوره ثقافية تربوية صحية اقتصادية اجتماعية توعوية تحسن عيش المواطنيين وتامين احتياجاتهم بحيث يشعر المواطن بانه يتمتع بكامل الحقوق بالشكل الذي يعزز ثقته بالدولة وهذا يتطلب مباشرة الحكومة القادمة بفتح ملفات لتطهير الدولة ومؤسساتها من المرتزقة والفاسدين وهذا يعتمد على صياغة الحكومة لخطابها الوطني الرصين والواضح في تعزيز الهوية والوحده الوطنية وتعزيز قوة الجبهة الداخلية واعطاء دور ومساحة كافيه للحوار الوطني، فضلا عن احكام صمام امان الحكومة ومؤسسات الدولة وان لايكون مكان فيها لمن يريد اللعب بمقدرات الناس من المتربصين بها في الداخل والخارج من الذين يعتقدون ان المناصب في الدولة غنيمة، وهو ما يتطلب وضع ستراتيجية عمل للمشروع الوطني يتضمن في مقدمته المسارات الاستراتجيه السياسية والاقتصاديه واليات استعادة هيبة الدولة وتطهير الدولة من الفساد وتعزيز دور القضاء وحياديته.