ستوكهولم : شبكة اخبار العراق.
لو روى احدهم هذه القصة لي لسألته أولا عن هوية وبلد البطل.
فإن قال لي انه ذو تأريخ رياضي حافل وانه عراقي فإني أُصدِّق كل ما سمعته. نعم هذهمأثرة لا يخطّها إلا عراقي بحميميته وملحمة لا يقوى على كتابة فصولها إلا عراقيبشهامته ودرس في التضحية والإيثار ألقاه الكابتن احمد الفلوجي على مسامع كل من قرأالصحف السويدية في اليوم التالي أو شاهد شريط الواقعة من على شاشة التلفازالسويدي مساء ذات اليوم نفسه ليكن هذا البطل العراقي بذلك أول سفيرٍ لوطنه وانتماءهلحظة إستقبلته عيون أوربا بالفرح والغيرة وبالدهشة والحيرة.
لم يكن في بال احمد انه سيتحوّل الى بطلٍ بماركة بشرية حقيقية مساء ذالك اليوم الذيقرر فيه لقاء أحبته العاملين حتى ساعات الفجر الأولى بالقرب من مجمّع المملكة السويديةوالمسمى بمبنى التيجان الثلاث, وهو الرمز الذي عادة مايشير الى مملكة السويد بعداللونين الازرق والاصفر.
وحينما انتشر ضوء الصباح الذي عادة ما يملأ آفاق المملكة بساعة بعد منتصف الليل منشهر ايلول كان احمد الفلوجي يقترب ومن دون ان يدري من قدرٍ اراده الله له ان يكون فيهمنقذا ومخلصّا لتلك الأرواح البشرية الشابة التي قادها قدرها وسوء تصرفها إلى أعماقالبحر الذي كان يبث له احمد وفي نفس تلك اللحظة خلجاته وحنينه للعراق وهو ينتظرمطرقا ان يرافق اصدقائه نحو مكانٍ آخر.
طارت المركبة التي كانت تقل هذه الأرواح الشابة من على مسارها في الشارع العام لتهويفي غياهب البحر وليكن احمد ,بعد الله وملائكته, الشاهد الوحيد على الواقعة. ومن دون انيعي شيئا من حوله وجد نفسه يصارع البحر كي يغوص في اعماقه ليبحث عن تلك المركبةالتي طارت امام عينيه قبل لحظات حتى وجد نفسه ممسكا بالباب الأمامي من جانبالسائق ليفتحه بقوة وينتشل الشاب الذي لم يكن له لا حول ولا قوّة إلا التطلّع بوجه الملاكالرباني الذي تعرّف على عراقيته فيما بعد حينما وجد نفسه في عربة الاسعاف.
وبعد ان التقط احمد انفاسه الاولى وهو يخرج من غياهب البحر شاهد جمع من الشرطةوالمارة قد تجمعوا من اجل مشاهدة وتصوير الواقعة ودون ان يجروء احدهم على المساعدةغير الصراخ والتهليل والشّد من عزائم العراقي الذي ما ان خرج حتى غطس مرة اخرىليطالع وجه الشاب الآخر عبر زجاج النافذة والقابع على كرسي الموت.
وعلى الرغم من الركلات بسبب التشبث بالحياة التي تلقاها احمد على جنباته إلا انه كانبعراقيته اقوى من قدر الشاب واصلب من ملاك الموت الذي كان يحوم حوله لينتزعه من بينبراثن عزرائيل, وبقدرة الله سبحانه, ليخرج به نحو بوابة الحياة.
وفي اليوم التالي كانت اقلام الصحف وعدسات المصورين وكاميرات التلفاز تلاحق هذاالعراقي الغيور حتى التقته لتكتب وتسجل ملحمته من على ساحة الملحمة ذاتها.
ولم تنتهي قصة احمد بعد إذ كان لهذا الأمر وقعه في القصر الملكي لما لقيمة الأرواحالبشرية من قيمة ومعنى عند المملكة ليجد احمد نفسه وجها لوجه امام ملك السويد وهويشكره شخصيا على فعلته البطولية وتضحيته وإيثاره وحينما شدّ الملك على يد احمدفإنه انما شدّ على يد العراق وصافح فيه مواطنيه وشرب من ماءه وتنعم بخيراته.
حصل احمد وبقرار ملكي على الجنسية السويدية متحديا بذلك كل قرارات دوائر الهجرةالتي توجب الإقامة الحسنة لفترة خمس سنوات وعلى الرغم من مرور اقل من ثلاث سنواتعلى إقامة البطل في المملكة وليسجل بذلك انتصارا آخر لم يسبقه اليه احد.
سأله الصحفي السويدي: لماذا فعلت ذلك
اجاب احمد: لست ادري ولكن هذا امر طبيعي كان يمكن ان يفعله أي عراقي غيري
واليوم يعود الكابتن احمد الى معشوقته الأثيرة على قلبه ليتبوأ منصب مدير فريق ناديعشتار في منطقة سودرتاليا وليوفقه الله في طيب نياته وحسن اعماله حتى يدعوالعراقيين الى بيته (مطعم خان مرجان) في ستوكهولم ليقيم لهم الأفراح والليالي الملاحمستذكرا تلك الليلة التي قدّم فيها روحه قربانا لأرواح الآخرين الذين لم تجمعه بهم رابطةسوى رابطة البشرية.
فيا أيها العالم هذا هو العراقي على حقيقته .. إذا كنتم لازلتم تبحثون عن تعريف له وسطالموت والدمار.