الخاطرة تعني: خاطِر، هاجس، ما يرد على البال من رأي أو معنًى أو فكر. وهنا، سألتقي بكم أسبوعيا في هذه الزاوية التي بعنوان {خاطرة على الدرب}. لأشارككم ما يخطر في البال من رأي أو معنى أو فكرة ما. متمنياً أن تكون ذات جدوى أو تثير اهتمامكم وتمنحكم المتعة.في هذه الزاوية سأتوقف عند استخدام لغوي، نحوي، إملائي لكنه صار يعبّر عن مستوى حساسيتنا اللغوية.والحقيقة (إن) و(أن) أختان. وتشتركان بأحكام وقواعد (إنَّ وأخواتها). وَمَوَاضِعُ هَمزَتِها موجودة في كتب النحو. وطبعا هناك مواضع أخرى يجوز فيها استخدام (إن) و(أن).. وكتب النحو تفصل فيها.
إنَّ ما دفعني لأبدأ هذه الزاوية بالوقوف عند (إن) و(أن) هو لما فيهما من إشكالات في الإملاء والحديث. ولأهمية (إن) و(أن) وُضعت أبواب في كتب اللغة لهما. وقد افتتح الفليسوف الفارابي كتابه (كتاب الحروف) بتبيانها فلسفيا، بل إن (الرماني) في كتابه (معاني الحروف) وقف عندهما بالتفصيل. كما ذكرهما الزجاج، والزركشي، الجرجاني، ابن جني، ابن الأنباري، والأخفش، لأهمية تأثيرهما في بناء الجملة العربية. وحتى كتب الإملاء والكتابة الصحيحة المعاصرة تفرد فصولا لكيفية كتابتها بالشكل الصحيح.
لكن المؤسف حقا أن نجد في النصوص الشعرية والروايات، وفي الكتب التي تصدر يوميا، والصحف والمجلات هفوات في استخدامهما. بل قرأت مؤخراً رواية، على غلافها الأول اسم المدقق اللغوي. وحين قرأت الغلاف الثاني للكتاب وفيه بضعة أسطر تعريفية بمضمون الكتاب وجدت عدداً من الهفوات في استخدامهما، بل تصلني أحيانا مخطوطات من أصدقاء لإبداء الرأي، سبق أن عرضوها على مدققين لكنها مليئة بالهفوات في استخدام مواضع الهمزة.
ولأهمية {إن} و{أن} ولدلالة موضع الهمزة، دخلت في الأمثال والألغاز، وصارت مثلا شائعاً، كقولنا: إن الحكاية فيها {إنَّ}. وهي حكاية عن أحدهم قد اختلف مع الحاكم في زمانه فهرب خوفا على حياته، فطلب الحاكم من كاتبه، الذي كان صديقا للهارب، أن يستدرجه للعودة، فكتب ذاك له رسالة.
بدت الرسالة عادية جدًا، تتضمن دعوة الحاكم له بالعودة. وختمها بعبارة: (إنَّ شاء الله تعالى) بجعل النون في «إنَّ» مشددة، ويُفترض أن تأتي ساكنة {إنْ}.
وبعد أن تسلم الرجل الرسالة، أدرك أن الحاكم يضمر له شراً، بينما صديقه الكاتب يُحذره من القدوم بتشديد حرف النون، مذكرًا بالآية: {إنَّ الملأ يأتمرون بك}. فبعث الرجل الهارب رسالة إلى الحاكم بدت عادية يشكره بها وختمها بعبارة: {إنا الخادمُ المقرُّ بالإنعام} بكسر الهمزة وتشديد النون في {إنا}.
حين قرأ صديقه الجواب فطن بأن صديقه الهارب قد فهم التحذير وأنه يقصد الآية: {إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها}. ومن هنا، صار استعمال مقولة {الحكاية فيها إنَّ} يُضرب في الشك وسوء النية.