في مقابلة مع رويترز في السادس من يوليو 2017 قال مسعود بارزاني قبل تنازله عن رئاسة إقليم كردستان العراق لابن أخيه نيجيرفان بارزاني الذي تنازل، هو الآخر، عن رئاسة حكومة أربيل لابن عمه مسرور، “لا عودة عن مساعي إقامة دولة كردية مستقلة”.ثم جاء ولده مسرور بارزاني، قبل أيام، ليعلن، خلال زيارته الأخيرة إلى بريطانيا “إن تطبيق نظام الكونفدرالية سيمنح المكونات قوة أكبر في العراق”.وفي التاسع والعشرين من أكتوبر 2016 قال المستشار الإعلامي لرئيس برلمان إقليم كردستان طارق جوهر “إن العلاقة بين بغداد وأربيل تحتاج إلى إعادة صياغة، وتشكيل كونفدرالية بين الإقليم وباقي أجزاء البلاد، وفى حال فشل ذلك سيكون الاختيار هو إجراء استفتاء على الاستقلال، وإنشاء الدولة الكردية في شمال العراق”.
ونيجيرفان بارزاني، رئيس الإقليم الحالي، قال في تصريح لمجلة “بيلد” الألمانية في 2017 “فور تحرير الموصل من داعش سنجتمع مع شركائنا في بغداد لنتباحث في استقلالنا”. “لقد انتظرنا طويلا، وكنا نعتقد أنه بعد 2003 ستكون هناك انطلاقة جديدة لعراق جديد ديمقراطي، لكن هذا العراق فشل”.من غير المعقول أن يكون الداعون إلى الكونفدرالية أو الاستقلال جادين في دعواتهم، وذلك لأنهم يعلمون بوجود غيلان وتماسيح وذئاب متربصة متمرسة بالتآمر والاحتيال والتخريب والانتقام تحيط بكردستانهم، من جهاتها الأربع، ويجنُّ جنونها فقط عند سماع من يتحدث عن الحرية والديمقراطية والإنسانية وحق تقرير مصير، وترتجف خوفا من فكرة قيام أي شكل من أشكال الدولة الكردية المستقلة في العراق أو سوريا أو تركيا أو إيران.
حتى لو كانت الأغلبية الشعبية الحقيقية في الإقليم تريد تأسيس دولة بين العراق وتركيا وإيران وسوريا، فليكن، ولكن ليس بهؤلاء القادة المتمرسين في السرقة والعمالة للأجنبي وأغلب الظن أنها حاجةٌ مرحلية تكتيكية هدفُها ابتزاز المركز، أولا، و”قشمرة” مواطنهم الكردي، ثانيا، وبيعُه عصافيرَ على شجرة لا سبيل إلى الإمساك بها، لا اليوم، ولا بعد عمر طويل.ويبدو أن أقوى دوافعهم إلى إثارة هذه البالونات الفاضية هو تناقص شعبية أحزابهم وأسرهم، ومن أجل ذلك فهم لم يجدوا أفضل من سلاح المشاعر القومية المحبوسة في النفوس.
وهم، ونحن، والعالم كله يعلم بأن قرار العطس والغطس والرفس في المنطقة ليس بيد من يحكم أربيل أو السليمانية، ولا حتى بيد من يحكم بغداد وأنقرة وطهران ودمشق، بل هو فقط بيد حفنة قليلة جدا من الكبار الذين يديرون العالم، ويرسمون حركة رياحه وسفنه، ويضبطون ساعات أهله بالدقيقة والثانية. أما من لا يعترف بذلك فهو مجنون، أو منافق، أو عبد مأمور.
ورغم أن الأغلبية الشعبية الكردية، رغم تعلقها بأمل الاستقلال وحبها الغريزي المشروع لفكرة قيام دولة الأكراد الواحدة التي تجمع أكراد العراق وتركيا وإيران وسوريا، إلا أنها متيقنة، أكثر من قادتها، من أن الأمة العربية دفعت سيولا من دماء رجالها، وبحارا من دموع نسائها، من أيام العهد العثماني ثم الإنجليزي ثم الناصري ثم البعثي ثم الأميركي وأخيرا الإيراني، ثمنا لأحلام الوحدة، ثم تاب عنها فلاسفتها وكتابها ومنظّروها، وماتوا وهم في حسرة وندم على ما أنفقوه من أعمارهم على سراب.
لقد كان ممكنا ولازما أن نتركهم يهذرون بشعاراتهم الانفصالية لو لم تكن لها ارتدادات وانعكاسات على وحدة الشعب العراقي الواحد المطالب، أكثر من أي وقت آخر، خصوصا في ظل الاحتلال الإيراني الطائفي العنصري الغاصب المعتدي المخرب المضلل الانتهازي، بتوحيد صفوفه وخطابه ونضاله من أجل تحرير الوطن، كله، من ظلم العدو الخارجي، ومن فساد أعدائه الداخليين الذين يجيء حكام الإقليم في طليعتهم، ليس من أيام تحالفهم مع الولايات المتحدة وإيران في مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة، فقط، بل على مدى سنين تقاسمهم الاختلاس والابتزاز مع أحزاب البيت الشيعي ومع سنّة الحكومة، علنا، وبلا خوف ولا حياء.
الذين يثرثرون بالاستقلال وبالكونفدرالية هم أنفسهم الذين قبلوا بأن تكون أربيل محافظة تركية، والسليمانية محافظة إيرانية فأي دولة يمكن أن تتأسس على كره من شعوب جيرانها قبل حكوماتهم؟ وأي دولة تلك التي يريد المنافقون إقامتها بالعصا والسكين لقهر جيرانهم في القسم العربي من العراق، ثم أشقائهم الموجودين بين ظهرانيهم في السليمانية وأربيل ذاتها من العقلاء المتنورين الذين يستخدمون عقولهم قبل أحلامهم، ويعتقدون بأن العيش في دولة عراقية، وإن كانت، اليوم، غير موحدة وغير قوية وغير مزدهرة، أفضل لأمنهم وكراماتهم ومستقبل أجيالهم القادمة من العيش في دويلة أشبه بريشة تعبث بها الرياح.
فلا يمكن أن هذه الجماهير عميت فلم تعد ترى ما فعلَ وما يفعل بحريتها وكرامتها ورزقها أصحابُ الاستقلال والكونفدرالية، منذ استقلالهم عن مركز الدولة العراقية بُعيد انتفاضة 1991، وبعد أبريل 2003، وحتى اليوم.ثم هل يعقل أن تكون الجماهير الكردية قد فقدت ذاكرتها إلى هذا الحد، ونسيت أن السياسيين الذين يعدونها اليوم بجنة الانفصال والاستقلال هم أنفسُهم الذين أجهضوا حلم الدولة العراقية الديمقراطية التي قاتل عربها وكردُها من أجلها، وأفسدوا حياتها بتحالفهم المصلحي الانتهازي مع أحزاب دينية طائفية متخلفة فاسدة تديرها المخابرات من وراء الحدود.
فإن كانوا قد نهبوا الدنيا وهم تابعون لدولة لا يسمح لهم قضاؤها ودستورها وقوانينها ببيع شيء من نفطه وغازه إلا بإذنها وتحت أنظارها، فماذا سيفعلون غدا، إذن، لو أصبحوا وحدهم الذين يبيعون ويشترون دون رقيب ولا حسيب؟
شيء آخر. حتى لو كانت الأغلبية الشعبية الحقيقية في الإقليم تريد تأسيس دولة بين العراق وتركيا وإيران وسوريا، فليكن، ولكن ليس بهؤلاء القادة المتمرسين في السرقة والعمالة للأجنبي.
إن الذين يثرثرون بالاستقلال وبالكونفدرالية هم أنفسهم الذين قبلوا بأن تكون أربيل محافظة تركية، والسليمانية محافظة إيرانية، وهنا نسأل، هل سيكون المواطن الكردي العراقي في أحضان أردوغان أو تحت عباءة الولي الفقيه أكثر أمنا وقوة وكرامة مما هو تحت خيمة عراق قوي عزيز تُحرره وحدةُ قواه الوطنية التحررية الديمقراطية الخيّرة مما علق به من جراثيم ودود وثعابين؟