هناك من يراه الناس زعيمَ أمة حتى وهو بلا سلطة ولا مال ولا سلاح ولا ميليشيا ولا مخابرات أجنبية تقف وراءه.وآخر، حتى وهو في السلطة، وبيده أموال قارون، وأحدث سلاح، وعشرات الميليشيات، يظلّ، في نظر أهله وأقرب الناس إليه، عابرَ سبيل في عالم الزعامة والرياسة.وبعض الرجال يمنح كرسيَّ الرئاسة قيمة وهيبة وكرامة، وحين يتركه لا ينقص قدْرا ولا هيبة ولا كرامة.
وبعض آخر يحط من قدر الرئاسة ويُهينها. وهو على يقين من أنه لو نزل عن كرسيها لن يكون أكثر من سقط متاع. لذلك فهو يُمسك بالكرسي المُذهّب بيديه ورجليه، وبأظافره وأسنانه، ويموت وهو مستقتلٌ عليه.
ونحن في العراق لدينا زعماء، حتى وهم خارج السلطة. ولدينا أدعياءُ زعامة كثيرون يُسوّدون وجه الزعامة حتى وهم في السلطة. وفي دول عربية عديدة زعماء تعزف لأحدهم موسيقى السلام الوطني ويُفرش له السجاد الأحمر حين يزور بلاداً غير بلاده، باعتباره قائد شعبه وزعيم وطنه، وهو، في الأصل، لا يصلح لقيادة عنزتين.
أقوى الأسباب التي تجعل العراقيين يكرهون الوجود الإيراني في العراق ويتمنون زواله هو أنه لم يسمح للشعب العراقي بأن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
والمصيبة أن أحد هؤلاء الذين ملكوا الملك وتحكَّموا بالحجر والبشر إما بالوراثة، أو على ظهر دبابة، أو هدية من مخابرات أجنبية، يحكمون مجتمعات تمتلئ مقاهيها ونواديها وشوارعها ومدارسها وجامعاتها بالآلاف من أعظم العلماء العمالقة والحكماء والخبراء والشعراء والأدباء والمفكرين والاقتصاديين والسياسيين والفنانين الذين تقيم الشعوب الأجنبية لبعضهم تماثيل في أهم ميادينها، وتدرج سيَرَهم وأعمالهم وأخبارهم في كتب مدارس أطفالها، وبعضهم، قاد بالأمس، ويقود اليوم مؤسسات ومنظمات عالمية بشطارة وكفاءة وجدارة.
لقد خاطب المعارض التركي أوميت أوزداغ رئيسه التركي في تعليق على تويتر قائلا له “أعتقد بأنك لم تقرأ كتابا واحدا من البداية إلى النهاية طوال حياتك، لكن إذا وضعنا كتبي بعضا فوق بعض فسوف تتجاوز طولك”.
وما قاله المعارض التركي عن رجب طيب أردوغان يصلح قوله لواحدٍ عندنا اسمه نوري المالكي، بالتمام والكمال.
فهذا المالكي الذي لا يقرأ حتى جريدة، مثلا، يفتتح معرض بغداد الدولي للكتاب في بلد معروف الرصافي ومحمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب وعلي الوردي ومصطفى جواد وفاضل الجمالي ومحمد رضا الشبيبي وعبدالعزيز الدوري وأحمد مطلوب وطه باقر وإبراهيم كبة وكامل الجادرجي وجعفر الخليلي وعبدالجليل الطاهر وفالح عبدالجبار وجواد سليم ومحمد غني حكمت وزها حديد ومحمد القبانجي وحقي الشبلي وحسين مردان وفؤاد التكرلي وغائب طُعمه فرمان وسلمان شكر وجميل بشير ومنير بشير وسليم البصري والآخرين وهم بالآلاف.
إن أقوى الأسباب التي تجعل العراقيين يكرهون الوجود الإيراني في العراق ويتمنون زواله هو أنه لم يسمح للشعب العراقي بأن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ومنع العدالة العراقية من معاقبة القاتل والمزور والمختلس، واختار أسوأ الناس وأكثرهم جهالة وتفاهة وغوغائية فجعلهم قادةً وأصحاب ميليشيات ورؤساء وزارات ووزراء وقادة جيوش.
ويكفي أن نتأمل ظاهرة واحدة تلخص كوارث العراق المزمنة منذ عام 2006، وهي ظاهرة نوري المالكي، وحده، وننسى الظواهر الشاذة الأخرى التي لا تحتمل، والتي لا يقبل النظام الإيراني نفسُه بوجودها في دولته، بكل تأكيد.
فمن نكد الدنيا على هذا العراق الذي غضب الله عليه أن هذا المخلوق العجيب هو الذي يسمح أو لا يسمح بتشكيل حكومة دونه ودون رفاقه في البيت الشيعي الإيراني القميء.
يكفي أن نتأمل ظاهرة واحدة تلخص كوارث العراق المزمنة منذ عام 2006، وهي ظاهرة نوري المالكي، وحده، وننسى الظواهر الشاذة الأخرى التي لا تحتمل
ففي آخر تصريحاته التلفزيونية قال إن “الإطار التنسيقي بادر من أجل حل الانسداد السياسي، ولن يسمح بتشكيل حكومة تهميش”. و”الكتلة الأكبر هي السبيل الوحيد لتشكيل حكومة مدعومة وقوية”.
ومن مبادئه الثابتة أن الكتلة السياسية الحاكمة الأكبر هي التي تخرج من المكون العددي الأكبر، وبما أنه الممثل الشرعي الوحيد للمكون الأكبر العراقي فإن الحكومة التي لا يكون هو سيدها ومحركَ ماكنتها لن ترى النور.
هذا المخلوق الغلط الذي اشتهر بمقولة “ما ننطيها” هو الذي رد على سؤال لصحيفة الغارديان في 14-12-2011 طلب منه أن يصف نفسه، فقال “أنا شيعي أولا وعراقي ثانيا”.
وهذا ما يجعل الأموال التي يتهمه الشعب العراقي باختلاسها أو بتبديدها أو بإخفائها أموالاً حلالاً، وفق عقيدته التي تجعل من أقدس واجباته أن يضع الدولة العراقية، بكل مؤسساتها وثرواتها وقدراتها العسكرية والأمنية والاقتصادية، في خدمة المذهب، دون تقصير.
وذات مرة قال مخاطبا كبار أعضاء حزب الدعوة في اجتماع مغلق، “لقد بقي (الدعاة) يتحملون العبء الأكبر في إدارة الدولة، وخاصة خلال فترة وجودهم في موقع رئاسة الحكومة والقيادة العامة للقوات المسلحة منذ عام 2005. وحتى بعد خروج الحزب من رئاسة الحكومة. فقد ظل الدعاة كلٌ في موقعه، يمارس واجبه الإسلامي الوطني سواء في الجانب التنفيذي والخدمي والتشريعي والرقابي، وهو واجب لا ينفك عن وظيفة الداعية الأساسية”.
حتى أن رفيقه في الحزب الذي تولى الرئاسة بعده حيدر العبادي شكا من خواء خزينة الدولة، قائلا “إن القائد الضرورة لم يترك لي في الخزينة سوى 3 مليارات دولار فقط مع ديون بـ15 مليار دولار”.
ترى هل هناك تعزية يمكن أن تَجبُر خواطر المثقفين العراقيين وهم يرون هذا المخلوق الغلط وهو يقص شريط افتتاح معرض ثقافتهم وكتبهم، علنا وعلى شاشات التلفزيون؟