قلعة العراق الحصينة

قلعة العراق الحصينة
آخر تحديث:

بقلم: أحمد صيري

 ما جرى خلال أحداث اقتحام المتظاهرين للمنطقة الخضراء مؤخرا يعكس حال العراق المنقسم اجتماعيا، وأزمة الحكم التي باتت مستعصية، وتمهد لمرحلة جديدة سيشهدها العراق سيكون الخاسر الأوحد فيها هو المواطن»تكاد تكون القلعة الحصينة (المنطقة الخضراء) في العراق واحدة من بين عشرات، بل المئات من الحصون في العالم التي قاومت وتمسكت بهيبتها وقوتها أمام من أراد أن يدنس أرضها، والشواهد على تلك المقاربات كثيرة. غير أننا نتوقف عن حصن العراق (المنطقة الخضراء) التي تحول بعد احتلاله إلى كيان مصغر لدولة لم تلبث الصمود أمام استهدافها والدفاع عن مقترباتها. والغريب في حالة منطقة العراق الخضراء أنها أصبحت ملاذا ليس لمكاتب ومؤسسات الدولة، لا سيما مقر الحكومة والبرلمان ومعظم سفارات العالم، وإنما إلى منتجع لعوائل السياسيين الذين وجدوا في هذا المنتجع مكانا آمنا يوفر لهم ما يحتاجونه من دون عناء التبضع من خارج أسواره.
ورغم التحصينات المنيعة للمنطقة الخضراء عبر بواباتها، إلا أنها تحولت إلى كابوس يقض مضاجع سكانها من فرط اجتياح المتظاهرين لأسوارها واستهدافها بالصواريخ أكثر من مرة، وهم الناقمون على ساسة العراق الذين فضلوا الاختباء وراء أبوابها، وتركوا ملايين العراقيين يواجهون مصيرهم المجهول وسط مخاطر معضلة الفساد والبطالة، وامتداد يد اللصوص لأموالهم، وقبل ذلك الجفاف والتصحر الذي أدى إلى تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات، فضلا عن تغول السلاح وتنامي مخاطره على الأمن والاستقرار.
وما جرى خلال أحداث اقتحام المتظاهرين للمنطقة الخضراء مؤخرا يعكس حال العراق المنقسم اجتماعيا، وأزمة الحكم التي باتت مستعصية، وتمهد لمرحلة جديدة سيشهدها العراق سيكون الخاسر الأوحد فيها هو المواطن وحاجاته وتطلعاته بوطن آمن بعيدا عن ألاعيب السياسيين ووعودهم الكاذبة التي حولت العراق إلى كيان مصغر في منطقة وحصن مستباح لا يقوى على مواجهة صرخات المظلومين الذين ضاقوا ذرعا بطبقة سياسية احتكرت وصادرت سلطة الشعب، وكشرت عن أنيابها الطائفية وغيبت إرادتهم وأفسدت أحلامهم وتطلعاتهم.
إن ما جرى في (المنطقة الخضراء) يلخص قصة وطن مستباح مسلوب الإرادة يكافح من أجل البقاء في مواجهة سلطات لم تستفد من أزمات عاشها وعانى منها العراق على مدى 19 عاما من دون أمل بالتغيير الحقيقي الذي يسعى إليه العراقيون، ويترجمون سعيهم بالتظاهر السلمي لتحقيق مطالبهم، غير أن هذه الدعوات تصطدم بآذان صماء لا تسمع غير أصوات الموالين الذين أدخلوا العراق في الخانق الذي يتخبط به.
إذًا نحن أمام أعتاب مرحلة خطيرة يحاول المهيمنون على إدارة شؤون العراق تدوير أزماتهم عبر التحشيد الطائفي تارة، والتلويح بمعركة كسر العظم تارة أخرى لتخويف المعارضين السلميين في سعيهم للتغيير والإصلاح المنشودين، سواء بالانتخابات أو بالتمسك بحقوقهم المشروعة مهما كلف الثمن.
خلاصة القول: إن ساسة العراق يخافون ويقلقون من اقتراب المتظاهرين من (القلعة الحصينة) المنطقة الخضراء، وكان الأولى بهم أن يخافوا ويخجلوا من نسبة الخراب والتصحر والجفاف السياسي الذي زحفت مقترباته إلى حصونهم، في كيان أصبح مستباحا وغير آمن جرَّاء تداعيات الانقسام السياسي والمجتمعي الذي يواجه العراق من دون محاولة وطنية جادة لإعادته إلى جادة الصواب.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *