يبدو المشهد السياسي في العراق قاتما وبلا أُفق، إذ تخوض البلاد حاليا واحدة من أعمق وأطول أزماتها على الإطلاق منذ الغزو الأميركي عام 2003. فقد بلغت الخلافات ذروتها بعد تسعة أشهر من الانتخابات البرلمانية، دون أن يتوصَّل الفرقاء إلى تسمية أعضاء الحكومة أو يتفقون على رئيس. وتسبَّبت تلك الأزمة في انقسام البيت الشيعي ذاته واحتراق الجسور بين قادته ممن تصدَّروا المشهد السياسي في العراق منذ ازاحة النظام السابق وأبرزهم زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر”، وزعيم ائتلاف دولة القانون ورئيس الحكومة الأسبق “نوري المالكي
يوم عصيب شهده العراق، بعد التحول الكبير في مجرى الأزمة السياسية، وانتقالها لمرحلة المواجهة المسلحة حتى خيمت أجواء الحرب على المنطقة الخضراء، وسط استمرار أصوات إطلاق النار والقاذفات في كل مكان.الأحداث بدأت ظهرا، عبر بيان للمرجع الديني كاظم الحائري، الذي أعلن فيه اعتزاله عن دوره كمرجع ديني بشكل تام، داعيا إلى طاعة “قائد الثورة الإسلامية” في إيران علي خامنئي، كما أشار في بيانه إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عبر قوله “على أبناء الشهيدين الصدرين أن يعرفوا أن حب الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين، أو يتصدى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو -في الحقيقة- ليس صدريا مهما ادعى أو انتسب”.
سريعا، جاء رد الصدر على بيان الحائري، ليكون شرارة الأحداث التي شهدها البلد، حيث ذكر في بيان له “يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم، كلا، إن ذلك بفضل ربي أولا ومن فيوضات السيد الوالد قدس سره الذي لم يتخل عن العراق وشعبه.. على الرغم من استقالته، فإن النجف الأشرف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دوما.. وإنني لم أدع يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة) إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر ولله عاقبة الأمور”.ولم يمر سوى وقت قليل جدا بعد بيان الصدر، حتى توجه الآلاف من أنصار التيار الصدري إلى المنطقة الخضراء، وبدأوا مرحلة تصعيدية، تمثلت بالدخول للقصر الجمهوري والقصر الحكومي، والسيطرة على القصرين، ولم يمر سوى وقت قليل جدا بعد بيان الصدر، حتى توجه الآلاف من أنصار التيار الصدري إلى المنطقة الخضراء، وبدأوا مرحلة تصعيدية، تمثلت بالدخول للقصر الجمهوري والقصر الحكومي، والسيطرة على القصرين، وهروب جماعي للمسؤولين وسط انفلات أمني كبير حصل مباشرة بعد بيان الصدر
رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، أصدر أمرا مباشرة بحظر التجوال، حيث بدأ في الساعة الثالث والنصف بعد الظهر، في محاولة للسطيرة على تدفق أنصار الصدر للمنطقة الخضراء، لكن حدثت أزمة سير خانقة، لأن الحظر أعلن قبل موعد تنفيذه بنحو نصف ساعة فقط.مجلس الوزراء من جانبه، أعلن تعليق عقد جلساته، بعد السيطرة على القصر الحكومي، لينضم بهذا إلى مجلس النواب، الذي علق أعماله أيضا منذ أكثر من شهر، بسبب اعتصام أنصار الصدر في مبنى البرلمان.وكان التوتر في بدايته، حتى قاربت الساعة السادسة مساء، دخلت قوات سرايا السلام التابعة للصدر على خط الأزمة، ونزلت بشكل علني للشارع وتوجهت للمنطقة الخضراء، وهذه كانت أولى بداية التصعيد الخطير.ويُنذر الانقسام الحاد والنفق الذي دخلته السياسة العراقية بوضع البلاد على مسار اقتتال أهلي شيعي-شيعي، عواقب الانهيار السياسي تتفاقم، البلد بدون حكومةٍ كاملة الصلاحيات, البرلمان معطل , قد وصل إلى مرحلة صعبة، وتعاني الجماهير مِن هذا الوضع المأساوي أشدّ المعاناة، فاتركوا مصالحكم الشخصية والحزبية والفئوية، واحتكموا إلى الدستور والقانون, من هنا ,وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر, اقترح أن تتخلى “جميع الأحزاب” عن المناصب الحكومية التي تشغلها للسماح بحل الأزمة السياسية في العراق, واعتبر الصدر مطلبه السابق بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة أقل أهمية حاليا وأضاف مطلبا جديدا، في تحول واضح بموقفه — وقال الوزير الصدري صالح محمد العراقي في تغريدة نقلا عن زعيم التيار إن “هناك ما هو أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة،وأضاف أن الأهم عدم إشراك جميع الأحزاب والشخصيات التي شاركت في العملية السياسية منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 وإلى يومنا، بما فيها التيار الصدري,, ولكن الاطار رفض المقترح—- ويرفع الصدر منذ بدء الأزمة شعارات، أهمها محاربة الفساد، ولا يشارك حزبه في الحكومة الحالية، لكنه يتمتع بنفوذ في بعض الوزارات على مدى السنوات الماضية , لطالما دعونا إلى الحوار الوطني الذي نرى فيه حلاً للأزمات وتجاوز حالة الفوضى والتعقيد ولكن للأسف لم يستجب المتخاصمون لدعواتنا , عليه لم يَتَبَقَّ سوى احترام توقيتات الدستور , وعقد جلسة عادية بحضور الصدريين ورئيس مجلس القضاء ورئيس المحكمة الاتحادية والاتفاق على اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والاتفاق على انتخاباتٍ مبكرة بقانون انتخابي عادل ومفوضية انتخابات نزيهة وتطبيق شعار المجرب والفاسد خارج دائرة الترشيح والانتخاب واعادة تشكيل مجلس أعلى للسياسات الاستراتيجية،خروج العراق من أزمته يعتمد على توافق القوى السياسية وتغليب مصالح العراق، وعدم اللجوء إلى المواجهات المسلحة التي قد تتطور إلى ما لا يحمد عقباه، فالعراق يحتاج إلى حوار وطني موسع لوضع خطة عمل تنتشله من أزماته، والبعد عن الأجندات التي تفسد ذلك الحوار، وتؤدي إلى المزيد من التفكك والتشرذم، العراق يحتاج إلى أبنائه للخروج من هذه الأزمة والعمل على عدم تكرارها–لله درك ياعراق الامجاد.