نصيبُ العراق، وحده، ما يعنينا من التطورات المثيرة الأخيرة التي أطلقتها الزيارة التاريخية للرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى المملكة العربية السعودية، ومن مؤتمرات القمة التي حضرها محمد شياع السوداني الذي يَعرف الملوك والأمراء والشيوخ والرؤساء الذين حضروها أنه يملك فقط حق النيابة عن العراق الإيراني الحالي، أما العراق الغائب الحاضر فهو عراق الغد المقترب من الخلاص.فبعد كل الدمار الذي أحدثه فيه المرشد الإيراني علي خامنئي، وأعوانه المعممون ووكلاؤه العراقيون ما زال يعتقد بأنه جعل “العراق واليمن أكثر الدول العربية تقدما”، على ذمة موقع (الأحداث الروسية).
وهو الذي أفقر شعبه الإيراني، وأفقرنا معه، أتعب عقله وروحه وأتعبنا، دوخ نفسه ودوَّخنا، وفي النهاية تكاثرت عليه العواصف والرعود، وتجمع حوله أعداؤه والخصوم، وحان وقت حسابه العسير.إن مشكلته الوحيدة هي جهله بالسياسة. والسياسة علمٌ يُدرس في الجامعات، كغيره من العلوم. أما هو فيمارس السياسة بالمزاج والعضلات والفتاوى والسياحة في كتب الوهم والخرافة والأساطير.إن ما حدث في الرياض، أخيرا، لم يكن فقط استدارة تاريخية في موازين القوى والتحالفات، بل هو حبل مشنقة قد التف حول رقبة اثنين، علي خامنئي وفلاديمير بوتين، بعد أن خرجت الصين من معسكرهما، واختارت جبهة السعودية ودول الخليج العربية ومصر والأردن وأميركا وأوروبا، حيث المال والرخاء والأمن والاستقرار والأسواق العامرة.
ما حدث في الرياض لم يكن فقط استدارة تاريخية في موازين القوى والتحالفات، بل هو حبل مشنقة قد التف حول رقبة اثنين، خامنئي وبوتينوطبعا لم تغادر الصين إيران احتجاجا على جرائم النظام بحق الإنسان الإيراني والعراقي والسوري واللبناني واليمني، ولم تبتعد عن روسيا بوتين إيمانا بالقانون الدولي واحتراما لسيادة الدول المستقلة، ودفاعا عن حقوق الإنسان التي ينتهكها بوتين، بل بحثا عن الأكثر نفعا ومالا وتجارة.ونختلف كثيرا مع بعض المحللين والكتاب السياسيين العراقيين، تحديدا، في اعتبارهم الزيارة ضربةً سعودية لمعاقبة الرئيس جو بايدن، وتخليا عن تحالفها التاريخي مع أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، واستبدالها بالصين.
لأن الذي يعرف المملكة العربية السعودية جيدا يعرف أنها، تاريخيا، تدير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول العالم المختلفة بالعقل والحساب الدقيق لموازين الربح والخسارة.وعليه فليس مستبعدا أن تكون أميركا وأوروبا الغربية أكثر السعداء بالإنجاز السعودي الثمين المتمثل بسحب الصين، بجبروت اقتصادها وصناعتها وموقعها ومكانتها الدولية، من جبهة روسيا وإيران، في هذه المرحلة الدقيقة تحديدا من مراحل الحرب الروسية الخاسرة في أوكرانيا.ورغم أن الصين كانت قد وقعت اتفاقية إستراتيجية أخرى أمدها ربع قرن مع النظام الإيراني إلا أن ظروف الحرب الأوكرانية، والحصار المفروض على إيران، والتظاهرات الشعبية الواسعة التي عجز النظام عن إنهائها، جعلتها تتباطأ في تفعيلها، وتبحث لها عن بديل.
ففي حسابها الدقيق لا وجه للمقارنة بين إيران المحاصرة بالعقوبات الخارجية والمصاعب الاقتصادية والأمنية والرفض الشعبي، داخليا، وبين المملكة العربية السعودية ودول الخليج الغنية الآمنة المستقرة الواعدة، ومعها أميركا وأوروبا واقتصاداتها الراسخة.وتأسيسا على ذلك يمكن القول إن إيران خسرت على جبهتين، أولها رهانها على قدرة روسيا على الانتصار في أوكرانيا، فتدعمها في حربها مع شعبها ومحيطها الإقليمي، وثانيها انتظارُها انضمام الصين إلى جبهة روسيا – إيران وتغيير النظام الدولي لحسابها.بعبارة أدق. إن زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض قتلت أمل الرئيس الروسي، بوتين، وجعلته وحيدا لا نصير له سوى إيران التي لا تملك حتى مساعدة نفسها.
هذا من ناحية. ومن أخرى، إن جهل المرشد الإيراني في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية قد أعماه وأوهمه بأن توافق الأميركان والأوروبيين والروس والصينيين على دعمه والسماح له بالتمدد في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لحاجة هذه الحكومات إلى شرطي جديد في المنطقة باقٍ ولن يتغير في يوم من الأيام. وقد تغير، وتغيرت معه المصالح والمواقف، وأدارت له ظهرها الدول التي رعته في الزمن الطويل الذي فات.إن جهل المرشد الإيراني في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية قد أعماه وأوهمه بأن توافق الأميركان والأوروبيين والروس والصينيين على دعمه والسماح له بالتمدد في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لحاجة هذه الحكومات إلى شرطي جديد في المنطقة باقٍ ولن يتغير في يوم من الأيام
ألا ترون تسابق الزعماء الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين والألمان على هجاء النظام الإيراني، وشتمه، والاحتجاج على قمعه الهمجي لشعبه، والمطالبة بعقابه، وبطرده من منظمات المرأة وحقوق الإنسان؟لكأنهم لم يكونوا يعرفون أنه جعل إيران بلد الإعدام الأول في العالم، وكأنهم لم يكونوا يرون ويسمعون بجرائمه وإرهابه وتعدياته على شعبه وعلى شعوب جيرانه طيلة أربعين عاما أو يزيد.وها هو، حتى بعد أن تحولت التظاهرات الشعبية الشاملة إلى اعتصام وثورة تهدد وجوده في السلطة، ما زال يكابر وما زال يُفتي بالمزيد من القتل والترويع، بدل أن يستفيق من غفلته، ويعتذر لشعبه، ويجنح إلى الحوار والمفاهمة والعدالة والسلام.
فمن أول يوم ولادة هذا النظام، 1979، دشن سلوكَه الغوغائي المستهتر بالقوانين والأعراف الدولية والإنسانية باحتلال السفارة الأميركية، واحتجاز العاملين فيها. ثم راحت التجاوزات والتعديات والمظالم تتسارع وتتسع وتصبح أكثر خطورة على أيدي جحافل الحرس الثوري وفرق الباسيج المتشددين. وما زالت تمارس إلى اليوم. بل صارت هي الفلسفة السائدة، ليس مع خصوم من خارج النظام، بل حتى مع معارضين إسلاميين كانوا وما زالوا جزءا فاعلا ومهما وأساسيا في النظام الحاكم نفسه.ولعلنا نحن في العراق أكثر الذين ذاقوا مرارة حكمه وحكم وكلائه القتلة المزورين المختلسين، والأكثر، حتى من الشعب الإيراني، انتظارا لساعة القصاص القادمة.